استشهد الطفل محمد الدرة يوم 30 سبتمبر/أيلول 2000 بين ذراعي والده جمال الدرة، بعد إطلاق الجيش الإسرائيلي النار عليهما عند مفترق نتساريم في غزة ، ليتحول ذلك المشهد على الهواء مباشرة إلى رمز عالمي للمعاناة الفلسطينية.
واستطاع موقع ميديا بارت الفرنسي، بعد مرور 25 عاما، العثور على جمال الدرة الذي لا يزال يعيش في مخيم البريج وسط غزة، وهو يعاني من آثار الإصابات التي تعرض لها في الحادث، بما في ذلك تشوهات في ذراعه، وهو عاجز عن تلقي العلاج بسبب الحصار ونقص الأدوية.
وقال جمال الدرة للصحفية غوانيل لونوار -في مقابلة عبر الإنترنت- إنه يعيش وسط أنقاض منزله المدمر، بعد أن اضطر للعودة إليه إثر تهجيره خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، وأضاف "لم يعد شيء متاحا؛ كل شيء دمر، حتى الأطفال أصبحوا هياكل عظمية تبحث عن الطعام في الشوارع".
كان جودة الاتصال سيئة -حسب غوانيل لونوار- والصورة مشوشة والصوت ينقطع ويعود بصورة متكررة، لكن كلمات وملامح جمال الدرة تصل رغم كل شيء من مخيم البريج، بوجهه الطويل النحيل، وشعره الأبيض، وبشرته التي تميل إلى الصفرة.
قال الدرة للموقع "ذهبت إلى منزل بعض الأصدقاء لأتحدث إليكم. في منزلي لا يمكن ذلك. أعيش في أنقاض بيتي، نجحت في تجهيز زاوية بسيطة، لكن الحصول على اتصال بالإنترنت مستحيل".
ويروي جمال أنه كان يوم الحادث في طريقه مع ابنه محمد لشراء سيارة مستعملة، ولكنهما وجدا نفسيهما عالقين تحت وابل من الرصاص، على الجهة الأخرى من الطريق الذي كان فيه متظاهرون فلسطينيون يلقون الحجارة على قاعدة عسكرية إسرائيلية، تقع قبالة مركز شرطة فلسطيني.
محمد أصبح رمزا منذ يوم استشهاده، ولا يزال كذلك بين الفلسطينيين، وفي العالم العربي، وفي كل مكان. لم نتوقف عن الحديث عنه، وكان ذلك يرفع معنوياتنا
وثق مصور القناة الفرنسية الثانية طلال أبو رحمة -كما يقول الموقع- مشاهد رعب الطفل وصراخه، ومحاولات والده لحمايته، لإخفائه خلف جسده، ونداءاته لوقف إطلاق النار، ولكن بعد لحظات، بدا محمد جثة هامدة على ركبتي والده المتهالك أمام الحائط، ورأسه مائل.
في البداية، اعترف الجيش الإسرائيلي بأن الرصاص أُطلق من قاعدته، ثم تراجع، لتبدأ حملة إنكار على مدى سنوات، من مكاتب بنيامين نتنياهو ، رئيس وزراء إسرائيل الحالي، وداعمي إسرائيل المتحمسين، للتشكيك حتى في استشهاد محمد، وجروح جمال.
وفي هذا السياق، اتُهم الصحفي شارل أندرلان -مراسل القناة في القدس حينها، والذي أعد وعلق وبث التقرير يوم 30 سبتمبر/أيلول 2000- بتزييف المشاهد، لكنه كسب الدعوى عام 2013 بعد معركة قضائية طويلة.
ولسنوات -كما يقول الموقع- تنقل جمال الدرة من مؤتمر إلى آخر، حيث دعي ليروي معاناة الفلسطينيين وواقع غزة، وهو يؤكد قائلا "كنت أقولها في كل مكان، وأقولها الآن لا مشكلة لدي مع اليهود الإسرائيليين. أنا ضد احتلال شعبي وسرقة أرضه".
وقد عاد جمال إلى غزة بعد 3 أشهر من العلاج في الأردن، وبعد كل جولة خارجية يقول: "هذه بلادي. هذه حياتي. هذه أرضي. والأرض لا تباع"، ويضيف: "محمد أصبح رمزا منذ يوم استشهاده، ولا يزال كذلك بين الفلسطينيين، وفي العالم العربي، وفي كل مكان. لم نتوقف عن الحديث عنه، وكان ذلك يرفع معنوياتنا".
وذكّر الموقع بأن مستشفى للأطفال سمي باسم محمد الدرة في عام وفاته، لكنه تعرض للقصف في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقتل مديره مع عائلته، كما فقد جمال لاحقا ابنه الثاني أحمد في غارة إسرائيلية، إلى جانب أكثر من 80 فردا من عائلته، بينهم أشقاء وأقارب.
وقال جمال إن "دم محمد لم يتوقف عن النزف يوما"، ورأى أن ما يحدث اليوم في غزة استمرار للنكبة، لكن بشكل أكثر وحشية، وهو يقول "نهجر من جديد، ولكن بأساليب أكثر دموية من عام 1948″، ويصف الحياة تحت الخيام بأنها "بلا كرامة"، وسط الحر في الصيف، والبرد والمطر في الشتاء.