في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أوتاوا- في خطوة دبلوماسية جريئة وتحول إستراتيجي يجمع بين الضغوط الدولية لإنقاذ حل الدولتين والحسابات الداخلية للحكومة الكندية، أعلنت أوتاوا اعترافها الرسمي بدولة فلسطين ، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة من المعارضين للحزب الليبرالي، وتساؤلات عن تكلفة القرار على التحالفات الدولية والاستقرار الداخلي.
وقال رئيس الوزراء مارك كارني إن كندا تعرض شراكتها في بناء مستقبل سلمي واعد لكل من دولتي فلسطين وإسرائيل، مضيفا أن بلاده ترى هذا الإجراء جزءا من جهد دولي متضافر للحفاظ على إمكانية حل الدولتين.
من جهته، شنّ زعيم حزب المحافظين بيير بواليفر هجوما حادا على كارني، متهما إياه بمحاولة صرف الانتباه والأنظار عن سجله في قضايا الجريمة المتفشية بالبلاد، وارتفاع تكاليف المعيشة والديون والهجرة وفقدان الوظائف، عبر الاعتراف بدولة "فلسطين" التي تقودها حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ).
وأكد بواليفر -في تصريحات صحفية- أن المحافظين سيدافعون دائما عن حق إسرائيل في الوجود والدفاع عن نفسها، والعيش إلى جانب دولة فلسطينية مستقبلية ديمقراطية ومسالمة، خالية من "الإرهاب" ومنزوعة السلاح.
وفي السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لمركز الشؤون الإسرائيلية واليهودية في كندا، نوح شاك، أن هذه الخطوة تقوض جهود السلام، وتُغذِّي التحريض العالمي ضد الشعب اليهودي، مضيفا -في بيان له- أن الاعتراف بدولة يديرها "إرهابيون"، لا يزال المحتجزون فيها، هو مكافأة على هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول ، على حد تعبيره.
بدوره، رحَّب الرئيس التنفيذي للمجلس الوطني للمسلمين الكنديين، ستيفن براون، بالاعتراف كونه إشارة إلى دعم كندا للعدالة، واعتبره يوما تاريخيا، لكن يأتي وسط أوضاع مريرة يعاني فيها الفلسطينيون الجوع الشديد، داعيا كندا لزيادة المساعدات الإنسانية فورا، بحسب ما نشرته قناة "سي بي سي" الكندية.
وعن دوافع أوتاوا للاعتراف بدولة فلسطين، يقول النائب السابق في البرلمان جورج شهال إن الاعتراف جاء مدعوما بدراسة حديثة أجرتها لجنة برلمانية، وحظي بدعم أغلبية النواب، كما أنه يتوافق مع توجه دول مجموعة السبع التي أقدمت على ذلك أيضا، مؤكدا أن هذا الاعتراف خطوة مهمة لضمان التقدم نحو حل الدولتين.
وعند سؤاله عن إمكانية تأثير اعتراف كندا على علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، أوضح شهال للجزيرة نت أن كندا كانت تتمتع بعلاقة قوية مع إسرائيل، لكن استمرار الحرب على قطاع غزة ، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وعدم التزام تل أبيب ب القانون الدولي و الإنساني ، إضافة للاعتراف بدولة فلسطين، ستؤثر بالتأكيد على العلاقات بين الحكومتين.
وعن "الشراكة في بناء المستقبل السلمي" كما أشار كارني في بيان الاعتراف، قال رئيس الجمعية الوطنية الفلسطينية في كندا، أمجد محيسن، إن كندا دولة كبرى وغنية جدا بمواردها وقيمها وأخلاقيتها، وتستطيع أن تقوم بواجباتها والتزامها الأخلاقي باتجاه الدولة الفلسطينية القادمة.
وأشار محيسن -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن كندا تستطيع تقديم المساعدة المالية للشعب الفلسطيني ومؤسساته، وتمارس الضغط من خلال مؤسسات الأمم المتحدة بشكل فعّال، من أجل صنع السلام في الشرق الأوسط ومشروع حل الدولتين.
وأضاف "منذ تولي رئيس الوزراء مارك كارني المنصب، انتقلت كندا خاصة بعد السياسات المجحفة ل دونالد ترامب تجاهها، إلى رؤية الشرق الأوسط وأوروبا كمناطق يجب أن تكون أكثر نشاطا ودورا فيها، وجاء ذلك بعد عجز رئيس الوزراء السابق جاستن ترودو ، عن تنفيذ مثل هذه التوجهات، نتيجة سياساته الاقتصادية الخطأ".
وعن دوافع الحكومة الكندية وراء هذا الإعلان، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة ماكماستر عاطف قبرصي: "لا شك أن هناك اتفاقا وتنسيقا قويا وتعاونا بين كندا وبريطانيا وأستراليا وغيرها، إضافة لضغوط داخلية من الكنديين الذين يرفضون بقاء كندا متفرجة على حرب الإبادة في غزة وتجويع الأطفال والمدنيين".
وتابع قبرصي -في حديث للجزيرة نت- أن "هناك أكثرية من الكنديين تطالب حكومتهم بتطبيق القانون الدولي، والحفاظ على مصداقية كندا الداعية والداعمة للسلام، واستقلالها عن الإملاءات الأميركية".
ويعتقد قبرصي أن الشروط والمحددات التي وضعتها كندا على السلطة الفلسطينية ، جاءت لتبرير قرارها بالاعتراف بدولة فلسطين أمام المعارضة الكندية وإرضائها، ليس أكثر.
وكان كارني قد اشترط للاعتراف بالدولة الفلسطينية التزام السلطة الفلسطينية بإجراءات تتضمن إصلاحا جذريا للحكومة، وتنظيم انتخابات عامة في 2026 "لا يمكن لحركة حماس المشاركة فيها"، و نزع سلاح الدولة الفلسطينية المراد الاعتراف بها.
وبشأن التحديات الداخلية في كندا التي قد تواجه حكومة كارني بفعل قرار الاعتراف بدولة فلسطين، أكد البرلماني السابق شهال أن رئيس الوزراء أظهر قيادة حكيمة بمعالجة القضايا والأزمات الحيوية، وأكسبه شعبية واسعة بين الكنديين، بعدما قدمت الحكومة تشريعا لتنفيذ مشاريع كبرى تهدف لإنشاء مشاريع وطنية ضخمة، تسهم بتنمية الاقتصاد وتوفير فرص العمل.
وأضاف شهال أن هذه المشاريع ستعزز تنويع الاقتصاد الكندي وتوسع آفاق التجارة الدولية، من خلال إقامة شراكات مع أطراف تجارية جديدة، مشيرا إلى أن الحكومة أقرت مؤخرا تشريعات وخصصت تمويلا إضافيا لمكافحة الجريمة.
كذلك، يرى الأكاديمي قبرصي أنه لا يوجد خوف كبير على حكومة كارني حاليا، خاصة في ما يتعلق بقرار الاعتراف بدولة فلسطين، إذ تقف عدة أحزاب بجانبها، ويبقى حزب المحافظين وحيدا وغير قادر على إفشال هذا القرار، حسب رأيه.