آخر الأخبار

إسرائيل تستعد لخطوة كبرى تجاه إيران

شارك

لم يكن هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 مجرد تصعيد جديد في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، بل كان حدثا مفصليا هز أرجاء الشرق الأوسط بأسره، وترك أثرا بالغا في مجرى المواجهة المتصاعدة بين طهران وتل أبيب.

فمنذ أواخر 2019، حين أعلنت إسرائيل عن تعديل في عقيدتها الأمنية تجاه إيران وتبنت إستراتيجية "ألف خنجر"، أخذت مؤشرات الصدام بين الجانبين منحى أكثر حدة، إلا أن العمليات الإسرائيلية ضد إيران ظلت حتى ما قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 محصورة، في الغالب، ضمن ما يعرف بـ"العمليات السرية".

غير أن عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حماس، وما تلاها من تحركات حلفاء إيران الإقليميين، دفعت إسرائيل إلى مراجعة شاملة لإستراتيجيتها، والانتقال من الحرب غير المعلنة إلى خيار المواجهة المباشرة.

الهزائم الأمنية والعسكرية التي تكبدتها إسرائيل خلال الأيام الأولى من هجوم حماس على البلدات والمستوطنات المحاذية لقطاع غزة، دفعت القيادة في إسرائيل إلى إعادة حساباتها، واعتماد إستراتيجية انتقام مباشر، محدد الزمن، بهدف قلب موازين الإقليم، أو على الأقل استعادة قوة الردع وفرض معادلة جديدة في موازين القوى.

منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومع بداية الاشتباكات المتبادلة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي لتخفيف الضغط على غزة، أدركت إسرائيل أن "محور المقاومة" لا ينوي الانخراط الكامل في حرب شاملة من أجل حماس، رغم ما سُمي بـ"وحدة الساحات".

وقد منحت هذه المقاربة إسرائيل هامشا واسعا للمناورة العسكرية والسياسية، مكنها من الاستفراد بقطاع غزة، مع وضع خطط لإعادة ترتيب جبهات أخرى، وفي مقدمتها الجبهة الشمالية.

وحين تحول التراشق الناري بين إسرائيل ولبنان، أواخر سبتمبر/أيلول 2024، إلى حرب فعلية استمرت نحو 60 يوما، وانتهت بانكفاء حزب الله عن معادلة "استمرار القصف ما دامت استمرت حرب غزة"، بدا واضحا أن إسرائيل باتت تستعد لخطوة أكبر تجاه إيران.

حرب الـ12 يوما والأزمة الانتخابية في 2026

في 13 يونيو/حزيران 2025، أطلق الجيش الإسرائيلي حملة عسكرية جوية وصاروخية ضد إيران، كررت من خلالها تل أبيب نماذج الحرب التي استخدمتها سابقا في لبنان: تفوقا جويا، ضربات صاروخية من أجواء دول الجوار، هجمات بالطائرات المسيرة، واغتيالات مباغتة.

إعلان

وقد شهدت تلك الحرب، الممتدة لـ12 يوما، أحداثا يمكن تصنيفها في مسارين متوازيين، ساهما في تشكيل نتائجها المتباينة:

فمن جهة، نجحت إسرائيل في اغتيال ثلاثين قائدا عسكريا إيرانيا بارزا، إضافة إلى نحو 300 عسكري آخر، وفق الأرقام الرسمية؛ كما تمكنت من كسر احتكار إيران أجواءها، وألحقت أضرارا جسيمة ببنى إيران العسكرية، الدفاعية والهجومية، وكذلك بقدراتها النووية، وكل ذلك بكلفة أقل مما كانت تتوقعه.

لكن من جهة أخرى، لم تتمكن إسرائيل من بلوغ عدد من أهدافها الجوهرية، وعلى رأسها: الحفاظ على حالة الشلل الدفاعي التي أصابت إيران في الساعات الـ12 الأولى للحرب، اغتيال شخصيات سياسية بارزة، تفجير احتجاجات اجتماعية في الشارع الإيراني، أو تحقيق هدفها الأسمى بتغيير النظام.

كما أن الرد الإيراني الصاروخي- رغم نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي المعقد، والمدعوم حتى بمنظومة "ثاد" الأميركية- شكل مفاجأة مؤلمة، وانتهت المعركة إلى وقف لإطلاق النار بعد 12 يوما.

وإن كانت الحرب قد أضعفت البنية العسكرية والنووية الإيرانية، إلا أنها لم تدفع طهران إلى التراجع، كما أن الضربات الإيرانية المقابلة أثارت رعبا عميقا داخل المجتمع الإسرائيلي. وقد ساهمت الحرب، إلى حد ما، في تعزيز موقع نتنياهو وحزبه الليكود قبل انتخابات 2026، لكنها لم تفلح في طي صفحة أزمة الشرعية التي عصفت به عقب هزيمة 7 أكتوبر/تشرين الأول.

فعلى الرغم من مكاسب بلغت نحو أربعة مقاعد وفق استطلاعات الرأي، لم يتمكن ائتلاف نتنياهو من كسر حاجز 54 مقعدا. ومع مرور أكثر من شهرين على وقف إطلاق النار، تلاشت حتى هذه المكاسب المحدودة، لا سيما بعد إعلان نوايا حكومية بشن عملية عسكرية جديدة لاحتلال قطاع غزة. وقد تصدر حزب نفتالي بينيت الجديد استطلاعات الرأي، متجاوزا الليكود.

يبدو اليوم، ومع تبقي عام واحد فقط على موعد الانتخابات الإسرائيلية، أن نتنياهو وائتلافه الحاكم لا يواجهون خطر الفشل في استعادة قوتهم فحسب، بل هم على أعتاب هزيمة سياسية ثقيلة. الزمن، إذًا، يعمل ضدهم.

وبالتالي، ستبقى الانتخابات المقبلة (أكتوبر/تشرين الأول 2026) واحدة من أبرز المحركات الكامنة خلف قرارات الحكومة الإسرائيلية في الأشهر القادمة، خاصة أن أربعة ملفات أمنية كبرى قد تشكل بوابة نتنياهو لإعادة إنتاج الشعبية:


* إضعاف إيران بشكل جذري، وربما دفعها نحو التفكك الداخلي.
* ضم الضفة الغربية، كليا أو جزئيا.
* احتلال قطاع غزة، وإنشاء كيان إداري معادٍ لحماس.
* نزع سلاح حزب الله، وتغيير البنية الديمغرافية للجنوب اللبناني.

وقد بدأت بالفعل ملامح تسارع العمل في هذه الملفات تظهر جليا: المصادقة على خطة لاحتلال غزة، رغم معارضة رئيس الأركان هرتسي هاليفي وغالبية الرأي العام؛ إقرار مشروع E1 في محيط مستوطنة معاليه أدوميم؛ استمرار الضغط على لبنان لنزع سلاح حزب الله دون التزام إسرائيلي بالخروج من المناطق الخمس المحتلة؛ كلها مؤشرات على سباق زمني يجري في إسرائيل.

مؤشرات عودة الحرب

عند النظر إلى ما بعد وقف إطلاق النار، فإن تطورات المرحلة التالية لا توحي بتهدئة، بل العكس. وإذا رسمنا شكلا رباعي الأضلاع لمصادر التوتر: إيران، إسرائيل، المسار الدبلوماسي، الحلفاء الغربيين لإسرائيل، فإن مؤشرات التصعيد تطغى بشكل واضح.

إعلان

في إسرائيل، نشهد:


* استيراد أنظمة دفاعية متطورة.
* مناورات عسكرية قرب الحدود الأردنية (10 أغسطس/آب 2025).
* دعوات علنية من نتنياهو ومنشى أمير (صحفي إسرائيلي من أصول إيرانية) لتحريض الإيرانيين على التمرد.
* تحليلا استخباريا بأن إيران تعيد بناء قدراتها.
* اقتراب معركة جديدة محتملة في لبنان.

أما في إيران، فالوضع يشهد:


* إعادة ترميم منظومات الدفاع والهجوم.
* مناورات صاروخية في 22 أغسطس/آب 2025.
* رفض تقديم تنازلات سياسية بعد الحرب.
* تفعيل مساعي إحياء "محور المقاومة"، كما ظهر في زيارات علي لاريجاني إلى بغداد وبيروت.

ورغم الضغوط الداخلية: نقص المياه والكهرباء، تضخم مرتفع، تقلبات سعر العملة، فإن طهران تبدو متمسكة بالتصعيد المنضبط.

الاستثناء الوحيد الذي قد يشير إلى تهدئة هو التفاهم بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن عودة المفتشين، لكن تأثيره الفعلي لم يتضح بعد.

دبلوماسيا، تصاعد التوتر بشكل غير مسبوق مع لجوء "الترويكا الأوروبية" إلى تفعيل آلية "سناب باك" لإعادة فرض العقوبات الدولية، عبر مجلس الأمن. وهي خطوة، إن نفذت في 28 سبتمبر/أيلول 2025، قد تفتح الباب أمام عمل عسكري جديد.

أما الحلفاء الغربيون لإسرائيل، فقد أظهروا خلال الشهرين الماضيين استعدادا غير مسبوق: نصب ست بطاريات من منظومة "ثاد"، زيادة في طلعات طائرات التجسس الأميركية فوق الخليج، وتعليق عمل سفارات غربية (مثل السفارة الألمانية) في المنطقة؛ وكلها مؤشرات على الاستعداد لمواجهة أكبر.

نافذة المرحلة المقبلة من الحرب

نظرا لقرب موعد الانتخابات الإسرائيلية، فإن الفسحة الزمنية المتاحة أمام إسرائيل لشن عمليات عسكرية واسعة ضد إيران محصورة بين سبتمبر/أيلول 2025 ومايو/أيار 2026، إذ إن الأشهر الستة الأخيرة قبل الانتخابات عادة ما تكون مشلولة سياسيا، وتخضع جميع القرارات الكبرى فيها لتأويلات انتخابية.

خلاصة

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، انتقل الصدام الإيراني- الإسرائيلي إلى مرحلة المواجهة المباشرة. وبينما خلفت الحرب التي اندلعت في يونيو/حزيران 2025 خسائر جسيمة في البنية التحتية العسكرية لإيران، فإنها فشلت في بلوغ أهدافها الإستراتيجية الكبرى، وفي مقدمتها "تغيير النظام".

في المقابل، شكلت الهجمات الإيرانية رسالة قوية بأن طهران قادرة على الرد، رغم التفوق الدفاعي الإسرائيلي. لم ينهِ نتنياهو أزمته الداخلية، ولم يعد بناء قوة الردع.

تبدو الأشهر المقبلة، التي تسبق انتخابات 2026، مسرحا محتملا لتصعيد جديد، يحتمل أن يكون أعنف، مدفوعا بالضغط السياسي الداخلي في إسرائيل، والسعي لإعادة فرض واقع إستراتيجي جديد على مستوى المنطقة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا