👨💻Adım adım geliştirdiğimiz teknolojilerle oluşturduğumuz 'Çelik Kubbe’ konseptimiz, devletimizin çelik iradesini de arkasına aldı.👊
.
🚀'Sistemler sistemi' diyebileceğimiz Çelik Kubbe, tüm irtifa ve menzillerde, hava sahamızdaki her türlü tehdidi bertaraf edecek. Kahraman… pic.twitter.com/wsIv5bOelU— Ahmet Akyol (@AhmetAkyol) August 7, 2024
أصبحنا الآن نُدرك بشكل أكبر أهمية أنظمة الدفاع الجوي متعددة الطبقات لأمننا. إذا كان لديهم (إسرائيل) قبة حديدية، فسيكون لدينا قبة فولاذية.. لن ننظر إليهم ونقول لماذا لا نمتلكها؟
بواسطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقر صناعات الفضاء الجوي التركية (TUSAS) في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2024
في 27 أغسطس/آب الماضي، حضر الرئيس التركي أردوغان مراسم تسليم الدفعة الأولى من منظومة الدفاع الجوي "القبة الفولاذية" إلى الجيش التركي، وتشمل 47 مركبة مجهزة بنظامي حصار وسيبر، وهما أول نظامين صاروخيين قصيري وطويلي المدى تُنتجهما تركيا محليًا، بتكلفة 460 مليون دولار.
طرحت تركيا مشروع "القبة الفولاذية" في 6 أغسطس/ آب 2024 بوصفها منظومة دفاع جوي متكاملة، تعتمد على شبكة متعددة الطبقات قادرة على التعامل مع طيف واسع من التهديدات.
وكانت بعض المكونات التي أُدمجت ضمن مشروع القبة قد بدأ العمل عليها في 2018، مثل منظومات KORKUT و HİSAR. وبخلاف "القبة الحديدية" الإسرائيلية، التي تركز على اعتراض الصواريخ قصيرة المدى، فمن المخطط له أن يغطي المشروع التركي المجال الجوي بمختلف تهديداته، من المسيّرات منخفضة الارتفاع إلى المقاتلات الهجومية، مرورًا بالصواريخ الباليستية، وعلى امتداد الأراضي الوطنية.
تعمل المنظومة على دمج أسلحة متنوعة مع منظومات استشعار متطورة في بنية واحدة أشبه بدرع شبكي. كل طبقة تؤدي وظيفة محددة، لتواجه نوعًا معينًا من المخاطر. وعندما تعمل تلك الطبقات معًا، تشكّل مظلة متكاملة للحماية، أقرب إلى شبكة متراصة تلتقط مختلف التهديدات بدلًا من الاعتماد على حل واحد محدود الفاعلية.
إستراتيجيًا، تعزّز تلك المنظومة المتطورة سيادة تركيا العسكرية، وتقلّص من اعتمادها على أسلحة الحلفاء الدفاعية، وتضع أنقرة في موقع فاعل رئيسي ضمن أسواق السلاح العالمية، بحسب تقرير منصة ناشونال إنترست. فما القبة الفولاذية، وما طبقاتها المتعددة للدفاع الجوي؟ وكيف تستفيد تركيا منها عسكريًا ودبلوماسيًا؟
في 6 أغسطس/آب 2024، اتخذت اللجنة التنفيذية للصناعات الدفاعية (SSİK) قرار إطلاق مشروع "القبة الفولاذية"، وأوضحت التصريحات السياسية اللاحقة أن المشروع سيُنفذ على أساس "محلي ووطني"، أي أن تصميم وتصنيع المواد بالكامل سيجري داخل تركيا من شركات وطنية. تعتمد الشركات الرئيسية المختارة للمشروع، وهي أسيلسان، وروكيتسان، وتوبيتاك ساجي، وMKE، على مقاولين محليين من الباطن، لكنها قد تلجأ إلى موردين أجانب عند الضرورة، مع الحفاظ على مشاركتهم في أدنى مستوى ممكن لإبراز الهوية التركية للمواد.
قبل ذلك، وخلال أعوام 2019–2022، دخلت منظومات HİSAR وKORKUT إلى الخدمة تدريجيًا بوصفها اللبنات الأولى للطبقات القصيرة والمتوسطة، قبل دمجها في الشبكة الموحدة المدعومة بخوارزميات ذكاء اصطناعي، ضمن المشروع الجديد.
وكانت قد أعلنت تركيا أخيرًا عن مشروع ضخم بقيمة 1.5 مليار دولار، وُصف بأنه "أكبر استثمار في تاريخ الصناعة العسكرية التركية"، وهي قاعدة "أوغول بي" للتكنولوجيا، قاعدة عسكرية ضخمة تهدف إلى مضاعفة القدرة الإنتاجية لمكوّنات منظومة "القبة الفولاذية".
ومن المفترض أن تبدأ قاعدة "أوغول بي" عملها في منتصف عام 2026، غير أن شركة "أسيلسان" أكدت أنها شرعت فعلًا في تزويد القوات المسلحة التركية بمكوّنات المنظومة. الصحفيون الذين زاروا الموقع، قبل يوم من الإعلان الرسمي عن المنظومة، شاهدوا 47 منصة متنقلة جاهزة للتسليم، تتعلق بالقبة الفولاذية ومزوّدة برادارات وأنظمة مرافقة. وشملت هذه الدفعة منظومات "سيبر" (SİPER) للدفاع الصاروخي بعيد المدى، ومنظومة "حصار" (HİSAR) متوسطة المدى، و"كوركوت" (KORKUT) قصيرة المدى، إضافة إلى رادارات الاستطلاع الجوي وأنظمة الاتصالات والحرب الإلكترونية.
تبدأ أولى مستويات الحماية بالطبقة قصيرة المدى، ومهمتها التصدي للتهديدات القريبة والمنخفضة، مثل المسيّرات الهجومية أو قذائف الهاون والصواريخ الموجهة نحو أهداف مدنية أو عسكرية. وتعتمد تركيا في هذا المستوى على مدافع "كوركوت" عيار 35 ملم المثبتة على عربات مدرعة، إلى جانب صواريخ "سونغور" (Sungur) المحمولة على الكتف، فضلا عن أنظمة أخرى. وتتيح هذه الأسلحة تحييد المسيّرات والمروحيات والصواريخ ضمن مجال بضعة كيلومترات، ما يوفر الحماية اللازمة للقواعد العسكرية والمدن.
ثاني طبقة هي الطبقة متوسطة المدى، مستهدفة الطائرات الهجومية المقاتلة وصواريخ الكروز والأهداف الأسرع والأعلى ارتفاعًا. وتضطلع منظومات "حصار" بهذا الدور، بنسختيها البرية والبحرية. وتتمتع هذه المنظومات بقدرة إصابة أهداف على ارتفاعات ومسافات متوسطة تصل إلى عشرات الكيلومترات، ما يجعلها قادرة على حماية مساحات واسعة ووحدات قتالية متحركة.
أما الثالثة؛ فهي الطبقة بعيدة المدى، وهنا تعتمد القبة على المنظومة الدفاعية التركية "سيبر" (Siper)، المصممة للتعامل مع التهديدات البعيدة والمعقدة، من مقاتلات تحلق في طبقات الجو العليا إلى المسيّرات الثقيلة والصواريخ الباليستية في مراحلها النهائية. وقد بدأت القوات المسلحة التركية فعلًا في تسلم النسخ الأولى، بينما يجري تطوير إصدارات أكثر تطورًا يُتوقع أن يصل مداها إلى 100 كيلومتر أو أكثر. وتمنح منظومة "سيبر" تركيا قدرات دفاعية مقاربة لمنظومتي "باتريوت" الأميركية و"إس-400″ الروسية، مع هدف أساسي هو حماية المدن والبنى التحتية الحيوية من التهديدات الكبرى.
رغم أن كل طبقة دفاعية في "القبة الفولاذية" تمتلك قدراتها الخاصة، فإن القوة الحقيقية للنظام تتجلى عند ربطها جميعًا ضمن شبكة موحدة متطورة. فالرادارات، ومنصات الإطلاق، ووحدات الاعتراض تحتاج إلى العمل بتكامل عبر نظام مركزي للقيادة والسيطرة.
ولأن أساليب الهجوم الجوي الراهنة لم تعد تقتصر على هدف منفرد يسهل رصده واعتراضه، بل تطورت إلى مواجهة أسراب من المسيّرات منخفضة التكلفة أو وابل من الصواريخ يُطلق دفعة واحدة، فمثل تلك التهديدات تتجاوز قدرة أي مشغّل بشري على الاستجابة السريعة والفعالة. من هنا جاء الدور الحاسم للذكاء الاصطناعي في منظومة القيادة والسيطرة، إذ يتولى معالجة كميات هائلة من البيانات لحظة بلحظة، ويُنسّق بين مختلف طبقات الدفاع سريعًا.
وهنا يأتي دور منظومة "حكيم"؛ مركز قيادة وسيطرة يعتمد على برمجيات متطورة وتقنيات الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال؛ تشير معلومات شركة "أسيلسان" إلى أن منظومة "حكيم" يمكنها ربط الرادارات ومنظومات الدفاع الجوي المحلية بمصادر خارجية، مثل طائرات الناتو والسفن الحربية ومنظومة "إس-400" الروسية، لتؤسس شبكة موحّدة عابرة للأنظمة.
تدمج المنظومة البيانات الفورية من مختلف المستشعرات لإنتاج صورة جوية موحّدة، تمنح القادة رؤية شاملة ودقيقة للموقف في السماء. إذ تعتمد على خوارزميات متطورة لتقييم طبيعة التهديدات وترتيب أولوياتها، ثم توزيع مهام الاعتراض على المنظومات المناسبة، بما يضمن سرعة الاستجابة ودقة القرار في مواجهة أي هجوم جوي.
ومن الابتكارات اللافتة في فكرة "القبة الفولاذية" دخول الأنظمة غير المأهولة إلى ميدان الدفاع الجوي. ومن أبرزها منصة "غورز" (Gürz) وهي مركبة دفاعية يمكن تشغيلها من بُعد أو الاعتماد على عملها الذاتي بالكامل. فعلى عكس البطاريات الصاروخية التقليدية التي تتطلب طاقم تشغيل بشري، صُممت "غورز" لتعمل بحد أدنى من الإشراف البشري، فبإمكانها إعادة التموضع ذاتيًا، والتعامل مع التهديدات ضمن الشبكة الدفاعية فور ظهورها، وفقًا لما تذكره شركة أسيلسان.
بذلك تمثل منصة "غورز" جيلًا جديدًا من وحدات الدفاع الجوي القصيرة المدى الآلية بالكامل، وتكشف عن توجه أوسع لتوظيف الأنظمة غير المأهولة في عملية الدفاع، ولا تقتصر على الهجوم فحسب كما هو الحال مع استخدام المسيّرات. إذ يمكن نشر المنصة في مناطق عالية الخطورة دون تعريض الجنود للمخاطر المباشرة، مع الاستفادة من سرعة استجابتها بفضل ارتباطها المباشر بشبكة القيادة والسيطرة الموحدة المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
وفقا لتصريحات المدير العام لشركة أسيلسان فإن "التكامل بين المكونات التقليدية والأنظمة المستحدثة يجعل من القبة الفولاذية منظومة ديناميكية قابلة للتطوير والتحديث المستمر، وقادرة على مواجهة أخطر التهديدات الحديثة في بيئة جغرافية وأمنية معقدة بما فيها الطائرات المسيرة الصغيرة والصواريخ الجوالة والصواريخ الباليستية التكتيكية والهجمات السيبرانية".
إذ لا تقتصر فكرة "القبة الفولاذية" على الصواريخ الاعتراضية وحدها، بل تُجهز أيضًا لمواجهة التهديد المتسارع للطائرات المسيّرة، ولهذا تُدمج تقنيات الحرب الإلكترونية مع الأسلحة الموجّهة بالطاقة. في يوليو/تموز الماضي، كشفت شركة "أسيلسان" عن إدخال جيل جديد من الأنظمة الدفاعية ضمن منظومة "القبة الفولاذية"، وذلك استجابةً لتغير طبيعة التهديدات، وعلى رأسها "أسراب المسيّرات الصغيرة" و"الهجمات المتزامنة المعقدة". ومن أبرز تلك الإضافات نظام "أجدرها"، وهو سلاح ليزري محلي الصنع يعتمد على الموجات الدقيقة لتحييد المسيّرات الصغيرة والطائرات الانتحارية بدقة وسرعة، خصوصا في المسافات القصيرة، مما يعزز قدرة حماية المنشآت الحيوية.
تدعم تلك المنظومات السابقة رادارات متطورة متعددة المهام، وتتميز بقدرتها على تتبع مئات الأهداف المختلفة، سواء كانت جوية أم برية أم بحرية، مع دقة عالية في الرصد والتصنيف. بالإضافة إلى أنظمة الحرب الإلكترونية "إخطار"، المصممة للكشف والتشويش على إشارات التحكم والتوجيه الخاصة بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة، مما يعطل قدرتها على إصابة الأهداف. كما تتوافر البنية السيبرانية الدفاعية اللازمة لتأمين حماية إلكترونية شاملة لبنية المنظومة، وتضمن استمرارية التشغيل عند التعرض لهجمات سيبرانية معقدة.
هذا النمط من الدفاع الجوي يوازي ما يُعرف في الولايات المتحدة وحلف الناتو بالدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، لكنه قد يكتسب في الحالة التركية دلالة خاصة، إذ يجري تطويره بالاعتماد على تقنيات محلية في المقام الأول، وبذلك يشكّل هذا المشروع محطة مفصلية في مسار أنقرة نحو بناء قدرات دفاعية مستقلة.
قبل أقل من شهر على تسليم الدفعة الأولى من منظومة "القبة الفولاذية"، صدر تقرير عن أكاديمية الاستخبارات التركية تناول بالتفصيل وقائع حرب الاثني عشر يومًا بين إسرائيل وإيران، وهي المواجهة التي شكّلت اختبارًا عمليًا لنظم الدفاع والهجوم في المنطقة. وقد انتهى التقرير بجملة توصيات أبرزها ضرورة أن تعمل أنقرة على بناء منظومة دفاع جوي متعددة الطبقات، تحسبًا لأي مواجهة عسكرية محتملة مع تل أبيب، ولضمان سد الثغرات التي أظهرتها تلك الحرب في موازين القوى الدفاعية.
ورغم أن مشروع "القبة الفولاذية" كان قد قررته أنقرة منذ أغسطس/ آب 2024، وقبل ذلك بدأ العمل في بعض المكونات التي أدمجت فيه منذ عام 2018، إلا أن توصيات الدراسة الأخيرة تطابقت مع أهداف القبة الفولاذية واعتبرتها أحد أهم الأركان الدفاعية التي يجب أن تمتلكها تركيا استعدادا لأي تدهور أمني وعسكري في الإقليم أو أي مواجهة قد تقع مع اسرائيل.
بيد أن مشروع "القبة الفولاذية" لا يتوقف عند بعده العسكري أو التقني، بل يتجاوز ذلك ليحمل أبعادًا دبلوماسية وإستراتيجية أوسع. فمشاركة تركيا في مبادرة "الدرع الجوي الأوروبي" –وهو إطار تعاون متعدد الجنسية لتطوير قدرات دفاع جوي مشتركة– تعكس رغبة أنقرة في الانخراط ضمن مشاريع الأمن الجماعي، والاستفادة من خبرات الحلفاء، وفي الوقت نفسه الإسهام في صياغة مفاهيم دفاعية جديدة داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقد حرص الرئيس رجب طيب أردوغان على التأكيد أن بلاده تعمل على إتاحة أنظمتها الدفاعية لحلفائها وأصدقائها، معتبرًا أن ذلك يعزز النشاط الدبلوماسي التركي ويضيف إلى نفوذها السياسي.
في المقابل، فإن امتلاك تركيا درعًا متكاملًا خاصًا بها يمنحها قدرًا أكبر من الاستقلالية، ويقلّص اعتمادها الكامل على قدرات الناتو في بعض السيناريوهات الحساسة. فالتجربة التاريخية لا تزال حاضرة في ذاكرة صانعي القرار؛ ففي العقد الأول من الألفية، حاولت أنقرة مرارًا شراء بطاريات الدفاع الصاروخي الأميركية "باتريوت" لتأمين أجوائها، لكنها قوبلت بالرفض بسبب خلافات جيوسياسية عميقة مع واشنطن. هذا الرفض دفع تركيا عام 2019 إلى اتخاذ خطوة مثيرة للجدل بشراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية "إس-400″، وهو القرار الذي ترتب عليه استبعادها من برنامج المقاتلة الشبحية الأميركية "إف-35" كإجراء عقابي، ما شكّل ضربة إستراتيجية لطموحاتها الجوية.
تلك التجربة رسخت لدى القيادة التركية قناعة راسخة مفادها أنه إذا أرادت أنقرة درعًا جويًا موثوقًا يضمن حمايتها في بيئة إقليمية معقدة، فلا بد أن تبنيه بقدراتها الذاتية. من هنا، جاء تطوير "القبة الفولاذية" بوصفه خطوة فارقة تضع تركيا في موقع مختلف، إذ تمنحها استقلالية أكبر في إطار الناتو، وتمكّنها ليس فقط من تقليل اعتمادها على المنظومات الغربية، بل من أن تكون مصدّرًا للأمن الدفاعي داخل الحلف. وفي هذا السياق، سعى المسؤولون الأتراك إلى طمأنة الحلفاء بأن المنظومة الجديدة ستكون متوافقة مع أنظمة الناتو الدفاعية، وقابلة للتشغيل البيني، بما يضمن تكاملها ضمن بنية الأمن الجماعي للحلف، ويجنّب أنقرة أي اتهامات بتكرار سيناريو "إس-400".
في نهاية شهر أغسطس/آب الماضي، عقد في أنقرة مؤتمر دولي حمل عنوان "من الجذور إلى الآفاق: قصة صعود الصناعات الدفاعية التركية"، نظمته دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية التركية. وقد شكّل المؤتمر مناسبة لاستعراض الإنجازات التي حققتها أنقرة في بناء قاعدة صناعية عسكرية متكاملة، ولإبراز التحول الإستراتيجي الذي نقلها من خانة المستورد إلى خانة المنتج والمصدّر الفاعل في أسواق السلاح العالمية. حضر المؤتمر مسؤولون حكوميون بارزون إلى جانب قادة كبرى الشركات العاملة في قطاع الصناعات الدفاعية، في إشارة واضحة إلى أن المشروع لم يعد مجرد بعد اقتصادي أو أمني، بل صار ركيزة من ركائز رؤية تركيا لمكانتها الدولية.
أكد المسؤولون الأتراك خلال جلسات المؤتمر أن نسبة الاكتفاء الذاتي في قطاع الصناعات الدفاعية وصلت إلى نحو 83%، وهو رقم يعكس حجم القفزة مقارنة بالعقود الماضية. ويستند هذا النجاح إلى شبكة وطنية واسعة تضم أكثر من 3500 شركة توظف ما يقارب 100 ألف موظف من مهندسين وفنيين وخبراء، يعملون في تنفيذ وتطوير ما يزيد على 1380 مشروعًا محليًا.
وفي جانب الصادرات، أشار المشاركون إلى أن صادرات الدفاع والطيران التركي تجاوزت 7.1 مليارات دولار في عام 2024، مسجلة زيادة بلغت 29% مقارنة بالعام السابق. وتُعزى هذه الطفرة –بحسب الخطاب الرسمي– إلى الاعتماد المتزايد على حلول وطنية متقدمة تشمل تقنيات الذكاء الاصطناعي، أنظمة الحرب الإلكترونية، الهندسة عالية المستوى، إضافة إلى برامج الفضاء. هذه العوامل مجتمعة عززت قدرة الشركات التركية على المنافسة في الأسواق العالمية التي تبحث عن بدائل أقل تكلفة وأكثر مرونة من المنظومات الغربية.
أما على صعيد تطوير الأسلحة النوعية، فقد أوضح المدير العام لشركة "توساش" أن مشروع المقاتلة الشبح "قآن" يواصل تقدمه بخطوات ثابتة، مع خطة لتحليق النموذج الثاني في أبريل/نيسان 2026، بما يمثّل نقلة كبرى في مسار الصناعات الجوية التركية. كما استعرض مشروع الطائرة المسيّرة النفاثة "عنقاء-3″، مشيرًا إلى خصوصية تصميمها الذي تطلّب تجاوز تحديات هندسية بالغة التعقيد. ووفق ما طرحه مسؤولو الشركة، فإن هذه المشاريع تضع تركيا على مسار الانضمام إلى نادي الدول الرائدة في تطوير مقاتلات الجيل السادس، وهو ما سيساهم في سد الفجوة القائمة مع القوى الكبرى في مجال الطيران الحربي.
من جانبه، أعلن المدير العام لشركة "روكيتسان" أن شركته أنتجت الصواريخ الأساسية لمنظومة "القبة الفولاذية"، إلى جانب تطوير الصاروخ الباليستي بعيد المدى "طيفون"، وهو ما يشكل نقلة في قدرات الردع بعيدة المدى لتركيا.
أما شركة "بايكار" فقد استعرضت سلسلة من إنجازاتها التي رسخت حضورها عالميًا، بدءًا من المسيرة "بيرقدار تي بي 2" التي أصبحت رمزًا للتكنولوجيا التركية الحديثة، وصولًا إلى المسيرة الثقيلة "آقنجي" التي أثبتت فعاليتها في أكثر من ساحة حرب، بما فيها أوكرانيا. كما جرى تسليط الضوء على المقاتلة النفاثة "قزل إلما" التي يُنتظر أن تدخل الخدمة على متن السفينة البرمائية "أناضولو"، لتمنح تركيا قدرة إسقاط قوة بحرية وجوية متقدمة. وأكد مسؤولو الشركة أن النجاحات العملياتية لهذه المسيرات –من الشرق الأوسط إلى أوروبا الشرقية– رسخت مكانة تركيا كأحد أبرز مصدّري الطائرات المسيرة عالميًا، مشيرين إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي لتنسيق أسراب من المسيّرات في مهام قتالية مشتركة.
وبالعودة إلى المشهد العام، فإن العقدين الماضيين شهدا تحولًا جذريًا في مسار الصناعات الدفاعية التركية. فبعد أن كانت أنقرة تعتمد بصورة شبه كاملة على الاستيراد الخارجي لتلبية احتياجاتها العسكرية، أصبحت اليوم في موقع المصدّر الذي تنافس منتجاته في أسواق متعددة. ويؤكد مسؤولو الدفاع أن تركيا صارت الأولى عالميًا في تطوير ذخائر المسيّرات الذكية، بفضل قدرتها على تزويد طائراتها بمجموعة متنوعة من الأسلحة، تشمل الصواريخ المضادة للدروع، وصواريخ جو–جو، وصواريخ كروز فرط صوتية.
وصورة عامة؛ تؤشر هذه التطورات إلى رؤية إستراتيجية أوسع تسعى منها أنقرة إلى تعزيز استقلالها العسكري وتقليص اعتمادها على شركاء الخارج، مع تحويل الصناعات الدفاعية إلى رافعة للنفوذ السياسي والاقتصادي. فالصادرات العسكرية لم تعد تدر أرباحًا مالية فحسب، بل باتت أداة دبلوماسية تمنح تركيا قدرة على التغلغل في أسواق وتحالفات جديدة، وتفتح أمامها مساحات أوسع للمناورة على الخريطة الجيوسياسية العالمية.