اغتيال إسرائيل لصحفيي الجزيرة وفي مقدمتهم أنس الشريف أثار موجة من الغضب في الأوساط الحقوقية والإنسانية والصحفية في الدول الأفريقية ورابطة الصحفيين الأجانب حيث عبر صحفيون وناشطون وحقوقيون ومسؤولون عن استهجانهم للقتل المتعمد لمراسلي القنوات الفضائية الذين ينقلون الاستهدافات الإسرائيلية في قطاع غزة.
"استهداف الصحفيين غير مقبول ويقوض حرية الصحافة"، هذا ما نشره المتحدث باسم الاتحاد الأفريقي نور محمود شيخ، في إشارة مشحونة بالحزن على مقتل صحفيي الجزيرة وفي مقدمتهم المراسلان أنس الشريف ومحمد قريقع، بإطلاق مسيرة إسرائيلية استهدفت مراسلين ينقلون الحقيقة من خيمة وسط غزة.
ما قاله شيخ "يمثل صوت القارة الأفريقية الرافضة لتغبيش العيون وتغييب الحقائق الذي تنتهجه إسرائيل في حربها على قطاع غزة".
في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2024 كان أنس الشريف ضيفا مباشرا ومشاركا من وسط غزة في فعالية اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي نظمته اليونسكو مع الاتحاد الأفريقي في حضور أكثر من 600 شخص يمثلون المنظمات الحقوقية واتحادات الصحافة العربية والعالمية، بمشاركة ممثلة المنظمة العالمية لحقوق الإنسان.
خاطب الشريف جموع الصحفيين والحقوقيين في ذلك التجمع العالمي حيث تطرق للانتهاكات التي تواجه الصحفيين ليس فقط في غزة وإنما في كل بقاع الأرض، مشيرا للاعتداءات التي تستهدف تغييب الحقيقة في وقت تمارس فيه بعض الأنظمة تكميم الأفواه تجاه الانتهاكات الصارخة في وضح النهار.
وقد ضجت قاعة نيلسون مانديلا بالتصفيق المدوي لما نادى به أنس الشريف من حماية للصحفيين حول العالم من الانتهاكات الصارخة لحقوقهم حيث دعا الصحفيين لمواصلة مسيرتهم في فضح الممارسات غير الأخلاقية تجاه الحقوق المغتصبة والإبادة الممنهجة بشكل خاص في فلسطين.
استهل أنس حديثه بالقول "منذ بداية هذه الحرب أخذنا على عاتقنا نحن والزملاء الصحفيين أن ننقل الصورة والرسالة من داخل قطاع غزة ومناطق الشمال في عدم وجود للصحافة الأجنبية والدولية بسبب منعها من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي لدخول وتوثيق ما يحصل هنا في داخل القطاع".
وأضاف "نقلنا المعاناة والظروف القاسية والصعبة التي كنا نعيشها منذ بدايه هذه الحرب وجيش الاحتلال يستهدف الصحفيين وعائلاتهم وأماكن تواجدهم بشكل مباشر وذلك لوقف التغطية والصورة والحدث مما أثر على عمل الزملاء الصحفيين بشكل مباشر".
وقال مراسل الجزيرة الراحل "غطينا في ظروف قاسية رغم التهديدات والاستهدافات المباشرة لنا وكانت هناك أيضا تهديدات مباشرة لي ولطاقم الجزيرة منذ بداية الحرب برسائل إسرائيلية بأن نتوقف عن التغطية وأن نتجه إلى المناطق الجنوبية حيث لا يريد الجيش الاسرائيلي للصورة أن تخرج من شمال غزة".
وقال الشريف "ورغم التهديدات بالاغتيال واصلنا الطريق ونقلنا الصورة وتم الاستهداف الذي أدى إصابة الزميل فادي الوحيدي الذي أصيب بالشلل الكامل في جسده. عشنا أوضاعا مأساوية صعبة حيث لا تتوفر أي حماية دولية للصحفيين ويتم استهدافهم بشكل مباشر. وما يعيشه أبناء الشعب الفلسطيني عشناه نحن أيضا حيث لا يوجد أي مكان آمن".
لم يكن رحيل أنس الشريف سهلا على الكثير من الإثيوبيين الذين بكوا الشريف وزملاءه لأنهم صوت الإنسانية والشعب الفلسطيني وهو ما عبر عنه رئيس اللجنة القانونية للبرلمان الإثيوبي كامل شمسو.
قال شمسو للجزيرة "كل يوم أستمع وأشاهد ما ينقله أنس الشريف واليوم غاب هذا الصوت ولو لا أنس الشريف وزملاؤه لفاتنا الكثير من الحقائق والاعتداءات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني".
وأضاف "أنس الشريف تمسك بالأرض كأهله وقال أنا أريد أن ألقى ربي هنا وسط أهلي وعشيرتي ناقلا للعالم ما تفعله إسرائيل، أبكتني كلماته حينها، واليوم نبكي على رحيله فقد كان صوت فلسطين وقضيتها العادلة، نقل للعالم ما تقدِم عليه إسرائيل من مجازر وتجويع وإبادة جماعية مستمرة لعام ونصف ومات وهو في ريعان شبابه، لا نملك إلا أن نعزي أنفسنا والشعب الفلسطيني برحيل صحفيين ينقلون الحقيقة وسط سبات عميق من العالم".
أنس الشريف الذي قتل بمسيرة أطلقتها إسرائيل لا تزال كلمته التي ألقاها في اليوم العالمي لحرية الصحافة خالدة في أذهان الصحفيين الإثيوبيين.
فقد عبر رئيس جمعية الصحفيين الإثيوبيين مسرت برهانو عن حزنه للاغتيال، وقال "صدمنا بموت أنس الشريف الذي كان يخاطبنا قبل أشهر لقد شاهدناه في يوم الصحافة وهو يتحدث عن التحديات التي تواجه الصحفيين. نشعر بخيبة أمل تجاه الممارسات التي تريد قتل الحقائق. يجب التوقف عن قتل من ينقلون الكلمة الصادقة ومن المؤسف أن تستمر مثل هذه الانتهاكات".
وأضاف "لن يكون أنس الشريف ومحمد قريقع آخر الشهداء ضمن الاستهدافات الإسرائيلية التي تتعمد قتل الحقائق وتجويع المواطنين في غزة في الوقت الذي تملأ فيه صور الأطفال الذين يرحلون كل يوم بسبب الجوع الشاشات في ظل غياب الضمير الإنساني".
تفاعل المجتمع الإثيوبي مع هذا الفقد الجلل، وقال عضو البرلمان الإثيوبي محمد العروسي "فقدنا قامة صحفية، وصوتا يعبر عن عدالة القضية الفلسطينية وإننا إذ نعزي قناة الجزيرة نعزي الصحافة العالمية".
وأضاف أن "قناة الجزيرة ذلكم الصرح الإعلامي سيظل يعلمنا التفاني والتضحية في سبيل إعلاء القيم الإنسانية وإيصال الحقيقة وأنس أحد هذه النماذج التي جادت بنفسها في هذا الطريق".
كما نعى المركز السوداني لحقوق الإنسان وحرية الإعلام، في السودان شهداء الجزيرة الذين اغتالتهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي. وقال مدير المركز أمية يوسف أبو فداية إن أنس الشريف وزملاءه كانوا يؤدون رسالتهم النبيلة تحت نيران العدوان الإسرائيلي الغاشم وكان صوتهم ينقل الواقع المأساوي في غزة بمهنية وجرأة ومصداقية".
وأضاف أبو فداية أن "أنس وإخوته كانوا مثالا للثبات في وجه الموت، ونموذجا لرسالة الإعلام الصادق، الذي لا يعرف التزييف ولا الخوف، بل يقدم الدم شاهدا على صدق الرواية".
وقال مدير المركز السوداني لحقوق الإنسان وحرية الإعلام إن السودانيين يشعرون بما كان يشعر به أنس وزملاؤه لأنهم يعيشون المحنة نفسها، وأشار إلى أن الحرب لا تقتل فقط بالبندقية ولكن أيضا بمحاولة إخفاء الحقيقة. وقدم التعزية لذوي الفقيد وقناة الجزيرة وللصحفيين جميعا.
هذا ويخيم الحزن على الصحافة والصحفيين الذي يشاهدون وينقلون الانتهاكات من مواقع عملهم ما يجعلهم أهدافا متوقعة مع استمرار الاستهدافات الممنهجة ضد حرية الصحافة والصحفيين خاصة في قطاع غزة.