طهران- أثار إعلان وزارة الكهرباء العراقية عن توقف ضخ الغاز الإيراني بالكامل موجة تساؤلات واسعة، ليس فقط داخل العراق الذي يعتمد جزء مهم من منظومته الكهربائية عليه، بل أيضا في الأوساط الإقليمية التي تراقب ملف الطاقة بوصفه أحد مفاتيح التوازن السياسي والاقتصادي في المنطقة.
وسرعان ما فتح الخبر الباب أمام عدة تساؤلات، هل هو قرار سياسي أم إجراء تقني موسمي؟ وهل يعكس التوقف أزمة عابرة، أم انسدادا هيكليا في نموذج تصدير الغاز الإيراني؟
من جانبها، حذرت بغداد من تأثيرات مباشرة على إنتاج الكهرباء، خاصة في محطات تعتمد بشكل أساسي على الغاز الإيراني.
ويمثل هذا التطور تحديا حقيقيا للعراق، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 35% من قدرته الكهربائية تعتمد بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الغاز الإيراني، وهو ما يجعل أي انقطاع -حتى لو كان مؤقتا- عامل ضغط على شبكة تعاني أصلا من التهالك وسوء الكفاءة.
في المقابل، وبحسب ما نشرته وكالة تسنيم الإيرانية، فإن طهران وبغداد كانتا قد مددتا عقد تصدير الغاز لمدة 5 سنوات، في إطار اتفاق طويل الأمد يعكس استقرار العلاقة في هذا القطاع الحيوي. فكيف يمكن لعقد طويل الأمد أن يتزامن مع توقف كامل للتصدير؟
الإجابة -وفق مصادر إيرانية- لا تكمن في السياسة، بل في الاختلال المزمن بين الإنتاج والاستهلاك داخل إيران نفسها، خاصة في فترات الذروة الشتوية.
توضح الخبيرة في شؤون النفط والغاز عرفانه تاجيكي في حديثها للجزيرة نت أن الغاز في إيران يُستخدم أساسا في مسارين رئيسيين:
وأضافت أنه في فصل الشتاء يتغير توزيع الأولويات بشكل حاد، إذ تذهب الحصة الكبرى من الغاز إلى القطاع المنزلي بوصفه أولوية اجتماعية وسياسية للدولة، ونتيجة لذلك، يتم تقليص إمدادات القطاعات الصناعية ومحطات الكهرباء التي تلجأ بدورها إلى الوقود البديل مثل الغازويل أو المازوت، رغم كلفته البيئية والاقتصادية.
ووفقا لها، فإن "خفض أو وقف صادرات الغاز في الشتاء ليس أمرا استثنائيا، بل بندا معروفا ومدرجا في العقود طويلة الأمد، التي تنص صراحة على أولوية تلبية الطلب الداخلي في بلد المنشأ". وأكدت أن هذا النمط ليس خاصا بإيران، بل هو عرف عالمي في عقود تصدير الغاز عبر الأنابيب، بما في ذلك عقود روسيا مع أوروبا.
هذا الطرح يعززه أيضا عضو مجلس إدارة غرفة التجارة المشتركة بين إيران والعراق حميد حسيني، الذي أكد في تصريحه للجزيرة نت أن توقف التصدير الحالي "مقطعي وعادي"، وسبق أن تكرر في سنوات ماضية، دون أن يؤدي إلى انهيار العلاقة الطاقية بين البلدين.
وأوضح أن الاتفاق القائم بين طهران وبغداد ينص على تصدير نحو 20 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، وهو رقم لا يتم توزيعه بالتساوي على مدار العام. ففي فصلي الربيع والصيف، حين ينخفض الاستهلاك المحلي الإيراني، ترتفع كميات التصدير، بينما يتم تقليصها، وأحيانا وقفها مؤقتا، في الخريف والشتاء.
وبحسب حسيني، فإن العراق يدرك طبيعة الأزمة الإيرانية ويعي أن انقطاع الغاز في الشتاء لا يشكل ضغطا حادا كما في الصيف، حيث ينخفض الطلب الكهربائي نسبيا بسبب تراجع استخدام أجهزة التكييف.
من ناحية أخرى، طرح تحليل صحيفة "جهان صنعت" الإيرانية قرار التوقف كجزء من أزمة هيكلية أعمق في ملف صادرات الغاز الإيراني.
وأشار تقريرها إلى تراكم ديون عراقية، وتعقيدات مالية ناجمة عن العقوبات، إضافة إلى ضعف الاستثمارات في تطوير البنية التحتية للغاز داخل إيران، ما يحد من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها التصديرية بشكل مستدام.
ووفق تحليل الصحيفة الإيرانية، فإن مشروع تصدير الغاز إلى العراق، الذي بدأ قبل أكثر من عقد، لم يحقق العوائد الإستراتيجية المأمولة، بل كشف مع مرور الوقت عن اختلال عميق في إدارة الموارد.
في المدى القصير، يرجح خبراء أن تعود صادرات الغاز إلى العراق تدريجيا مع ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الاستهلاك الداخلي في إيران، وفق النمط المعتاد.
أما في المدى المتوسط، فإن استمرار هذا السيناريو الدوري يطرح تساؤلات جدية حول جدوى النموذج الحالي لكل من طهران وبغداد.
المصدر:
الجزيرة