تصاعدت انتقادات الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسياسة النقدية لـ مجلس الاحتياطي الفدرالي ( البنك المركزي الأميركي) ضمن محاولاته لإخضاعه لسياساته، ولم يكتف بإقناع رئيس البنك جيروم باول ، بل حاول إقالة عضوة المجلس ليزا كوك، وعيّن أحد كبار مستشاريه الاقتصاديين.
وحسب بلومبيرغ، يرى مؤيدو ترامب أن هذا يعكس إصلاحًا طال انتظاره للاحتياطي الاتحادي الذي فشل في تحقيق هدفه للتضخم لأكثر من 4 سنوات ويعاني من فرط التفكير الجماعي، كما يرون أن خفض الفائدة قبل الانتخابات كان هدفه إعادة انتخاب الديمقراطيين أكثر من الحفاظ على استقرار الاقتصاد.
أما منتقدو ترامب فيرون أن هذا يُمثل استحواذًا سياسيا حزبيا، ومحاولةً لتنصيب أغلبية ساحقة من مؤيدي خفض الفائدة في لجنة السوق المفتوحة الفدرالية.
وبالنسبة لترامب، لا شيء أقل من خفض أسعار الفائدة بمقدار 3 نقاط مئوية سيُجدي نفعًا.
يرتكز استقلال الاحتياطي الفدرالي على مبدأ أن الكونغرس الأميركي، وليس الرئيس، هو من يملك سلطة تحديد مهمته، وأن الاحتياطي الفدرالي يتحكم في كيفية إنجازها.
وتوقعت بلومبيرغ سيناريوهين لكيفية تأثير السيطرة السياسية على الاحتياطي الاتحادي على الاقتصاد الأميركي، وفي كليهما يتمثل التأثير على المدى القريب في "بريق زائف" من النمو الصحي وانخفاض البطالة. أما "الواقع المؤلم" المتمثل في زيادة التضخم وارتفاع الفائدة الاسمية وضعف النمو، فيستغرق بعض الوقت ليظهر.
وفي السيناريو الأكثر تطرفًا، يتجه الجمهوريون إلى انتخابات عام 2028 والاقتصاد في حالة ركود تضخمي.
حسب بلومبيرغ، قد يكون من المغري اعتبار هجمات ترامب نوعًا من التلميحات الكاذبة التي تهدف إلى إقناع مؤيديه بأنهم سيكونون أفضل حالًا لو خفف كبار رجال المال من سيطرتهم، لكن العواقب في حال نجاح ترامب أشد خطورة وأكثر واقعية، والسبب بسيط هو أنه إذا كان السياسيون هم من يحددون السياسة النقدية فسيكون ثمة إغراء لتحفيز الاقتصاد قبل الانتخابات، بما في ذلك انتخابات التجديد النصفي لعام 2026 التي ستحدد ما إذا كان ترامب سينهي ولايته بكونغرس متعاون معه أم مقسّم (بين ديمقراطيين وجمهوريين).
وهذا يعني أن الأميركيين سيستمتعون بفوائد ارتفاع معدلات التوظيف والنمو، لكنهم سيتعاملون مع التضخم المرتفع لاحقًا، بذلك سيكون جميع الأميركيين في وضع أسوأ.
وهذا ما حدث بالفعل في سبعينيات القرن الماضي، إذ دعا الرئيس ريتشارد نيكسون رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي -آنذاك- آرثر بيرنز لمساعدته في انتخابات عام 1972 من خلال إبقاء الفائدة منخفضة، وعندما وفّى بيرنز بوعوده وفاز نيكسون استمر التضخم في الارتفاع تدريجيا، وبدعم من حظر النفط العربي، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك نحو 15% عام 1980، الأمر الذي تطلب "صدمة فولكر" المتمثلة في رفع كبير في الفائدة، وتسبب في حدوث ركودين عميقين للسيطرة على مؤشر أسعار المستهلك.
يتمتع الاحتياطي الفدرالي بمهمة مزدوجة لتحقيق أقصى قدر من التوظيف واستقرار الأسعار:
وفي هذا السيناريو، ثمة تخفيضان إضافيان للفائدة الأميركية، ومع إدراك هذا التحول في السلوك، أصبحت توقعات التضخم أقل ثباتا، في حين يتجه التضخم إلى 3%.
في هذه الحالة من المتوقع أن ترتفع توقعات التضخم بشكل ملحوظ، ويفشل الاحتياطي الفدرالي في الاستجابة، ويزدهر الاقتصاد لكن لفترة وجيزة فقط. ومع تجاوز التضخم 4%، من المتوقع فقدان الاحتياطي الفدرالي استقلاله، ويعني هذا ارتفاع تكاليف الاقتراض لخمس سنوات بمقدار 3%، في حين سيُطالب المستثمرون بتعويض عن خطر استمرار ارتفاع التضخم.
وما يبدو طفرة في عام 2026 قد يتحول بسرعة إلى ركود تضخمي بحلول عام 2027، قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتشير بلومبيرغ إلى مخاطر على وضع الدولار كعملة احتياطية، إذ يخشى المستثمرون الأجانب أن تنخفض قيمته بسبب التضخم.
وأجملت بلومبيرغ تقريرها بأن تآكل استقلال الاحتياطي الفدرالي قد يُسهم في نمو قصير الأجل، لكن تكاليف التوظيف والتضخم والإنتاج على المدى الطويل ستجعله خيارًا خاسرا.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة