في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
رغم الصورة الظاهرية التي تحاول إسرائيل رسمها لاقتصادها كقوة ناشئة في منطقة الشرق الأوسط ، فإن الواقع يكشف عن صورة مغايرة تماما.
المؤشرات الكلية التي تبدو مستقرة من الخارج -مثل سعر صرف الشيكل واستمرار تداول السندات- لا تعكس بالضرورة قوة ذاتية، بقدر ما تكشف عن اعتماد مفرط على الدعم الخارجي، خصوصا من الولايات المتحدة وأوروبا، وعلى مشروع سياسي-عسكري.
هذا الاعتماد يجعل من الاقتصاد الإسرائيلي أقرب إلى ما يُعرف بمفهوم "الاقتصاد الزومبي"؛ اقتصاد يتحرك ويعمل ولكنه يعيش على أجهزة دعم صناعية تبقيه صامدا دون قدرة حقيقية على النمو المستدام.
ظهر مصطلح "الاقتصاد الزومبي" لأول مرة في تسعينيات القرن الماضي لوصف الاقتصاد الياباني عقب انفجار فقاعة الأصول، حيث واصلت البنوك والشركات المتعثرة نشاطها رغم افتقارها لأي مقومات حقيقية للبقاء، وذلك بفضل دعم الدولة وتوفير قروض رخيصة.
وقد تبنى العديد من الاقتصاديين هذا المفهوم لاحقا لوصف اقتصادات أخرى في أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية، التي اعتمدت على الدعم الخارجي أو تدخلات حكومية متكررة للحفاظ على بقائها.
الاقتصاد الزومبي إذن هو ذلك الذي يفتقر إلى النمو الذاتي المستدام، ويعتمد على التدفقات المالية أو المساعدات الخارجية لإبقاء عجلة الحياة الاقتصادية في دوران ظاهري.
الخطاب الرسمي والمؤشرات الاقتصادية الإسرائيلية تظهر صورة إيجابية على السطح، لكن الحقيقة أكثر تعقيدا، فبالرغم من الحروب والأزمات، لم ينهر سعر صرف الشيكل بشكل كبير.
فقد بقي مستقرا نسبيا أمام الدولار واليورو خلال السنوات الأخيرة، إذ كان سعر الشيكل نحو 3.38 للدولار بحلول 15 أغسطس/آب 2023، وتحسن إلى حوالي 3.23 للدولار في 2025، بالرغم من الحرب المستمرة منذ عامين.
كما تُواصل بورصة تل أبيب جذب رؤوس أموال محلية وخارجية وتسجيل مستويات تداول عالية، فيما تبيع الحكومة مليارات الدولارات من السندات الدولية مع بقاء ثقة المستثمرين نسبيا.
كذلك ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 513.6 مليار دولار في 2023 إلى 540.38 مليار دولار في 2024، مع توقعات ببلوغه 574 مليار دولار في 2025، رغم تجنيد عشرات الآلاف من جنود الاحتياط وسحبهم من سوق العمل. هذه المؤشرات تبدو كأنها دليل على مرونة الاقتصاد، لكنها في الحقيقة تخفي حجم الضغوط المالية المتزايدة.
وعند التدقيق في بنية الاقتصاد الإسرائيلي، تتضح مجموعة من التحديات البنيوية:
الاقتصاد الإسرائيلي لا يمكن فصله عن المشروع الصهيوني ، فهناك استعداد مجتمعي لتحمل أعباء اقتصادية مقابل استمرار السيطرة على الأراضي الفلسطينية.
وينظر السكان إلى انخفاض مستويات المعيشة أو ارتفاع الضرائب كجزء من الثمن المطلوب للحفاظ على التفوق العسكري وضمان استمرارية الاحتلال. بهذا يصبح الاقتصاد أداة لخدمة مشروع سياسي-عسكري بدلا من كونه وسيلة لتحسين رفاهية السكان.
وتشبه التجربة الإسرائيلية بعض جوانب التجربة اليابانية في التسعينيات، لكن مع فارق جوهري يتمثل في البعد العسكري والأمني.
كذلك تقدم الأرجنتين واليونان أمثلة على هشاشة الاقتصادات التي عاشت لعقود على المساعدات والقروض قبل أن تتكشف هشاشتها بانهيارات متكررة.
ومع ذلك، تبقى الحالة الإسرائيلية أكثر تعقيدا نظرا لارتباطها بالصراع الإقليمي والدعم الغربي المستمر.
يمكن رسم عدة سيناريوهات لمستقبل الاقتصاد الإسرائيلي:
ويشبه الاقتصاد الإسرائيلي اليوم جسدا يتحرك بفضل أجهزة إنعاش خارجية، تتوفر فيه مؤشرات ظاهرية تمنحه وهما بالقوة، لكنه في الحقيقة يعيش على دعم خارجي وتكاليف باهظة للاحتلال.
وبينما قد يستمر في الحركة لبعض الوقت، فإن أي صدمة كبرى -داخلية أو خارجية- قد تكشف سريعا أنه مجرد جسد اقتصادي يتحرك بلا حياة.
ويبقى مستقبل هذا الاقتصاد مرهونا بقدرته على تجاوز أزماته البنيوية، وبمدى استعداد داعميه الدوليين لمواصلة ضخ الموارد في جسد يرفض أن ينهار لكنه أيضا عاجز عن الحياة الحقيقية.