قامت دراستان بقياس نبض الألمان بدقة وبشكل أكثر تحديدا مدى رضاهم عن حياتهم. هناك أولا "أطلس السعادة 2025" الذي أظهر أن مزاج السكان يتحسن مرة أخرى بعد كورونا وأن كل ثاني شخص في هذا البلد راضٍ جدا عن حياته. وهناك أيضا "Bib.Monitor Wohlbefinden" (مقياس الرفاهية) الصادر عن المعهد الفيدرالي لأبحاث السكان والذي توصل إلى نتيجة مماثلة. وفي الوقت نفسه تم فحص مدى رضا المهاجرين في ألمانيا بدقة.
تقول كاتارينا شبيس، مديرة الدراسة لـ DW: "لقد حققنا بالفعل استقرارا معينا في مستوى الرضا عن الحياة ووصلنا الآن إلى مستوى ما قبل جائحة كورونا تقريبا. إذا قمنا بالتمييز بين مجموعات المهاجرين نجد أن نسبة عالية من المهاجرين القادمين من أوروبا الشرقية راضون جدا. ونلاحظ ما يسمى ب"مفارقة الاندماج" وهي أن أبناء المهاجرين أقل رضا من آبائهم المهاجرين".
يعود مصطلح "مفارقة الاندماج" إلى عالم الاجتماع والباحث في مجال الاندماج علاء الدين المفالاني الذي يرى أن نجاح الاندماج يزيد من احتمالات نشوب النزاعات. فإذا ما أراد أبناء وأحفاد المهاجرين ليس فقط المشاركة في الحياة، بل التجسيد فإن ذلك سيؤدي حتما إلى نشوب نزاعات.
وهكذا يتضح أن المهاجرين هم الأكثر رضا عن حياتهم من حيث تاريخ الهجرة يليهم الأشخاص الذين ليس لديهم تاريخ هجرة وأحفاد جيل المهاجرين. "قد يكون السبب في أن الأبناء ليسوا راضين هو أن التوقعات لم تتحقق بالشكل المأمول وأن الاندماج لم يسر بالشكل الذي كان يأمله المعنيون أنفسهم والمجتمع"، كما تقول شبيس.
في المقابل يبدو أن اندماج المهاجرين من أوروبا الشرقية يسير على نحو أفضل، فما يقرب من ربعهم راضون جدا عن حياتهم في ألمانيا ربما بسبب التقارب الثقافي الأكبر بين السكان. ومع ذلك هناك نسبة عالية بشكل ملحوظ من المهاجرين من آسيا وأفريقيا غير راضين عن حياتهم في هذا البلد: أكثر من ثلثهم وهو عدد لا يوجد في أي مجموعة أخرى. الأسباب المحتملة: تجارب التمييز والعنصرية والمسافة الثقافية الأكبر أو حتى طرق الهجرة الصعبة في كثير من الأحيان.
هناك أيضا اختلافات كبيرة حسب بلد المنشأ. بالنسبة للمهاجرين الذين جاءوا إلى ألمانيا بشكل خاص في عامي 2015 و 2016 يتضح أن ما يقرب من ثلث السوريين راضون جدا عن حياتهم في ألمانيا بينما يبدو أن ثلث المهاجرين من العراق وإريتريا غير راضين عن وضعهم في هذا البلد. قد يكون السبب في ذلك هو أن اللاجئين السوريين يتمتعون بوضع حماية أعلى بكثير بما في ذلك إمكانية لم شمل الأسرة.
ألمانيا، كاتارينا شبيس، مديرة المعهد الفيدرالي لأبحاث السكانصورة من: Bildkraftwerkأما بالنسبة للأوكرانيين الذين وصلوا إلى ألمانيا منذ فبراير 2022 مع بدء الحرب الروسية فقد ارتفعت نسبة رضاهم عن الحياة قليلا مقارنة بالعام الماضي لكنها لا تزال منخفضة للغاية. حتى أن نصفهم غير راضين عن وضعهم. وتقول مديرة المعهد الفيدرالي لأبحاث السكان: "نلاحظ انخفاضا في مستوى الرضا عن الحياة خاصة بين النساء المسنات في المجموعة الكبيرة من الأوكرانيين الذين يبحثون عن الحماية في ألمانيا. قد يكون هذا مرتبطا بوجود شركائهم في أوكرانيا وربما مشاركتهم النشطة في الحرب".
وتُظهر الدراسة نتيجة أخرى وهي: كلما قل استخدام المهاجرين للغة الألمانية في المنزل قل رضاهم عن حياتهم، فاللغة تظل مفتاح النجاح في الاندماج. "ليس في ألمانيا وحدها يزداد اندماج المهاجرين في سوق العمل وتحسن إتقانهم للغة كلما طالت مدة إقامتهم في البلد. بل إن ذلك يرتبط أيضا بزيادة رضا الناس عن حياتهم مع طول مدة إقامتهم"، كما تقول شبيس.
لم يقم المعهد الفيدرالي لأبحاث السكان بقياس رضا المهاجرين إلى ألمانيا عن حياتهم فحسب، بل قام أيضا بدراسة المهاجرين من ألمانيا. والنتيجة ليست مفاجئة: فالمهاجرون إلى إسبانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان على وجه الخصوص راضون جدا عن حياتهم.
"يرتبط ذلك بالتأكيد بالمناخ ولكن أيضا بتكاليف المعيشة المنخفضة"، تشرح كاتارينا شبيس ولكنها تبدد أحد الأحكام المسبقة: "الأشخاص الذين يرغبون في الهجرة ليسوا بالضرورة غير راضين في ألمانيا. هناك أيضا نسبة عالية من الأشخاص الراضين جدا. وهذا يدل على أن الهجرة لا تعني بالضرورة أنني غير راضٍ وأريد "الهروب" من ألمانيا، بل إن هناك أيضا مجموعات راضية، ولكنها تريد السفر إلى الخارج لتكتسب خبرات جديدة".
أعده للعربية: م.أ.م (ع.ج.م)
المصدر:
DW