آخر الأخبار

الدكتور حسن وجيه: قراءة العقول بين الأساطير والمخاطر الحقيقية

شارك

القفزات الكبيرة في علم قراءة العقل (Mind Reading) وعلم اللغويات العصبية والذكاء الاصطناعي "إيه آي" (AI) أشبه بالأساطير أو أقرب إلى سيناريوهات "يا سارية الجبل" و"زرقاء اليمامة" في التراث العربي الإسلامي، كما يصفها الدكتور حسن محمد وجيه أستاذ اللغويات والعلوم السياسية وخبير التفاوض الدولي.

وليست تطورات ما يسمى "لغويات الذكاء الاصطناعي" فقط من منظور علم اللغويات الحاسوبية، بل من خلال الاستفادة من تطوير تلك الأبحاث في علم تكاملي آخر، وهو علم اللغويات العصبية (Neurolinguistics) والبرمجة اللغوية العصبية "إن إل بي" (NLP) في محاولات جادة للتعمق في مجال "قراءة العقل" (Mind Reading) و"قراءة المخ" (Brain Reading) وما نتج عنهما من سيناريوهات يصفها البعض بالمرعبة.

والمثال الواضح لكل مستخدمي أجهزة الموبايل هو ما نلاحظه جميعًا: إذا تحدثت عن شيء، تجد إعلانات ومقالات وفيديوهات بخصوصه على موبايلك، وهذا أحد مستويات فهم مجال قراءة العقول.

ومن التطورات التي تمثل مخاطر كبرى للبشرية في مشروعات الذكاء الاصطناعي تعميق فكرة "قراءة العقل" لكي لا تكون عن بُعد، بل الانتقال إلى داخل العقول ذاتها.

وهنا نتوقف بكل الحذر عند ما ذكره إيلون ماسك الملياردير الأميركي ومالك "تويتر" من أن الموبايل الذي بيدك "سيلغى عما قريب، وسيكون الأمر بقراءة ما يدور في عقلك من خلال شرائح في عقلك وجسدك".

مصدر الصورة خبير التفاوض الدولي الدكتور وجيه (الجزيرة)

الدكتور حسن وجيه أستاذ اللغويات والعلوم السياسية وخبير التفاوض الدولي، حصل على درجة الدكتوراه في اللغويات والعلوم السياسية من جامعة جورج تاون بالولايات المتحدة، وهو محاضر في مجال التفاوض والتواصل عبر الثقافات وإدارة الأزمات. وله عدة مؤلفات في هذا المجال، منها كتابه المعروف "مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي" الصادر عن عالم المعرفة بدولة الكويت، ومؤلف "التفاوض في عصر الاستفزاز" و"فخاخ التفاوض وحروب المعلومات" والعديد من الأبحاث. وله اهتمام واسع بتحليل الخطابات وقراءة العقول من منظور بينيٍّ تكاملي، وخاصة من منظور التطورات الحادثة في علم اللغويات العصبية وعلاقة هذا العلم تحديدًا بمستجدات الذكاء الاصطناعي.

إعلان

ويحذر الأكاديمي الدولي من فخاخ المتحمسين إلى درجة الهوس من تجار العلم في هذا المجال، أو من الساعين إلى السيطرة والضبط من خلال مثل هذه التطورات، وهو أمر حذّر منه كل من عالم اللغويات الأشهر نعوم تشومسكي -ومؤخرًا- عالم الفيزياء الشهير جيفري هينتون الحاصل على جائزة نوبل.

ونتوقف هنا عند حوارٍ للدكتور وجيه مع تشومسكي صاحب الخطابات السياسية الجريئة والباحثة عن العدل والتصدي للهيمنة.

ففي سبتمبر/أيلول 1993، جاء تشومسكي في زيارة إلى القاهرة بدعوة من الجامعة الأميركية، وخلالها أجرى الدكتور وجيه (أستاذ علم التفاوض بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، ورئيس قسم العلوم السياسية بكلية السياسة والاقتصاد بجامعة المستقبل حاليا) حوارًا طويلًا مع المفكر الأميركي.

كما أن للدكتور وجيه مقالات ودراسات عن تشومسكي، وكذلك له مقالات وحوارات مع العلماء الذين تناولوا فكر تشومسكي بالدراسة والنقد والتحليل. ومن هنا بدأنا معه هذا الحوار.

مصدر الصورة نعوم تشومسكي (رويترز)
*

متى بدأت علاقتك بالمفكر نعوم تشومسكي، وما الذي يربطه بعلم الذكاء الاصطناعي وقراءة العقول؟

بدأت علاقتي بتشومسكي عندما كنت أدرس الماجستير في علوم اللغويات التطبيقية في الولايات المتحدة من عام 1979 إلى 1981، حيث يُعد علم اللغويات التطبيقية من أهم العلوم البينية التكاملية، وكان لنا أن نتعرف ونتدارس في هذا الإطار علم اللغويات الاجتماعية (Sociolinguistics) وعلم اللغويات النفسية (Psycholinguistics) لأنك لا تستطيع التحدث عن اللغة واكتسابها من غير تأثير المجتمع ومن غير تأثير البعد النفسي، وكذلك علم اللغويات الحاسوبي (Computational Linguistics) فهناك من يتعمق أكثر فيه ويتخصص بعمق في هذه العلوم. وحاليًا لا يمكنك الحديث عن اللغويات من غير البعد التكنولوجي.

ولقد التقيت تشومسكي مرتين بالولايات المتحدة قبل الحوار المطوّل معه في القاهرة، وكان ذلك عند زيارته لواشنطن قادمًا من ولاية ماساتشوستس حيث كان أستاذًا في ما يسمى "إم آي تي" (MIT). كان اللقاء في إطار النشاط العلمي الذي يجمعنا به كطلاب نرغب في الحديث إلى مُفجّر ثورة علمية كبيرة. وكان أول لقاء عندما زار جامعة جورج تاون في واشنطن، حيث كنت حينذاك مبتعثًا لدراسة الدكتوراه، وكذلك كانت له في الجامعة الأميركية بواشنطن محاضرة أخرى هامة.

لقد كان اللقاء معه في جامعة جورج تاون علميًا مع المتخصصين، ولكن اللقاء بالجامعة الأميركية بواشنطن كان جماهيريًا أكثر. ولا أنسى تلك اللقطة التفاعلية ذات الدلالة الخاصة، حيث حضرت سيدة عجوز ووجدناها تنادي عليه لتشتكي له من مظالم مجتمعية، ودار حوار فريد بينه وبينها مما يُعطيك فكرة عن اعتباره رمزًا من رموز الدفاع عن الحقوق ومناهضة الهيمنة داخليًا وخارجيًا.

وكان تشومسكي قد قام بأمر لطيف جدًا في وقت لم تكن فيه ثورة الاتصالات والموبايلات قد استحدثت، حيث وضع خاصية لطلاب الدراسات العليا (Call me collect) أي الاتصال على حساب تشومسكي نفسه. وهذا يُعطيك فكرة عن مدى حرصه على الانفتاح على طلاب العلم من كل أنحاء الدنيا لمناقشته في نظرياته وأفكاره.

إعلان

وقبل التحاقي بجامعة جورج تاون، كنت أدرس دراسات عليا في جامعة تكساس، وكانت شهرة تشومسكي كعالم لغويات كبيرة. وفي تلك الأثناء كان صدى المناظرة الكبرى مع "ب ف سكينر" عالم النفس السلوكي، والتي سُمّيت بـ"المناظرة الكبرى في العلوم الاجتماعية" (The Great Debate) حيث انتقد تشومسكي نظرية سكينر حول عمليات اكتساب اللغة، وقدم كتابًا مهمًا للغاية بعنوان "اللغة والعقل" (Language and Mind). ولهذا الأمر تفاصيل كثيرة، ولكن أهم ملمح كان حول اكتساب اللغة بعيدًا عن نظريات العقاب كأساس للتعليم والتعلّم، وتلك النظريات التي قدّمها سكينر بناءً على تجاربه على الفئران، فإذا بتشومسكي يرفض مقارنة عقل الفأر بعقل الإنسان.

مصدر الصورة الدكتور سكينر ونظرية الحافز لتعلم اللغات (الجزيرة)

وفي سبتمبر/أيلول 1993، جاء تشومسكي في زيارة إلى مصر، وأجريت معه حوارًا مطولًا نُشر في جريدة "أخبار الأدب" على صفحتين، وذكّرته بلقائنا في جامعة جورج تاون. ودار الحوار حول قراءاته وأفكاره وكتبه، وعلاقة الشرق بالغرب، وكيف تنظر أميركا إلى الشرق، ورؤيته لاتفاقات السلام الإسرائيلية الأميركية في ذلك الوقت.

وقال في هذا الحوار إنه قرأ عن نجيب محفوظ قبل فوزه بجائزة نوبل، وتحدث عن صداقته مع الدكتور هشام شرابي عالم الاجتماع العربي، وجيمس زغبي رئيس رابطة الأميركيين العرب، وأن له صلات قوية بالثقافة العربية، وأن حفيدته تتحدث العربية بشكل جيد.

وتشعّب الحوار إلى آرائه السياسية والصراع بين العرب وإسرائيل، وقال تشومسكي "لا أشك أن مصر هي القوة العربية الوحيدة القادرة على المواجهات الحقيقية". وفي إجابته عن سؤال اتهامي بأنه لا يقدم في بعض كتاباته أجندات تتطلب التدقيق في المعلومات، قال تشومسكي "يرجع هذا لأسباب في مقدمتها عدم وجود أرشيف عربي متاح، وعدم توافر معلومات كما هو متوافر في حالات أرشيف التفاعلات الأميركية والإسرائيلية".

ويُعد تشومسكي من أهم المؤسسين للذكاء الاصطناعي، وتفنيده وتغلبه على فكر سكينر كانت بوابة الانطلاق إلى فضاء واسع في السياسة ومحاورة الرأي العام.

مصدر الصورة تشومسكي في شبابه (الجزيرة)

انتفاضة عالم

في السنوات الأخيرة، تزايد الحديث حول الذكاء الاصطناعي، حيث يبشّر العديد من المعلّقين والخبراء بقدراته على إحداث ثورة في عملية صنع القرار، والتفوّق على البشر. ومع هذا الانقسام الحاد بين المشجعين لما يحدث في العالم من تطورات في التكنولوجيا والرقمنة، والمتحمسين إلى درجة الهوس للرقمنة بشكل مطلق ومتزايد وغير متوازن، ومع كمّ الإنفاقات الجبارة لتحقيق مزيد من المكاسب الكبرى لتكون في يد قلة من أصحاب الأعمال في هذا المجال، يرى تشومسكي أن هؤلاء يفرضون علينا واقعًا قهريًا من أجل مصالحهم الاقتصادية الضيقة، ويحدثون آثارًا خطيرة على التعليم في العالم، ويقتلون إبداعات العقل الإنساني في كثير من الأحيان، حتى إن بعضهم قال إننا تجاوزنا نظرياته معتمدين على أنه في شيخوخته لن يتمكن من الرد عليهم.

ولكنه عام 2023 فاجأ الجميع وكتب مقاله الشهير بعنوان "الوعي الزائف لمحادثات "شات جي بي تي" (ChatGPT) ويقصد هنا أدوات الذكاء الاصطناعي المستحدثة وحالة ازدياد مخاطرها. وفي حوارات جريدة نيويورك تايمز، كانت هناك عام 2023 مناظرة أخرى لها تفاصيلها، ولكننا نستطيع أن نربطها بما عُرف بـ"المناظرة الكبرى" مع سكينر، وكأنها بمثابة امتداد لمناظرته.

وينتقد تشومسكي النهج المتفائل تجاه الذكاء الاصطناعي "إيه آي" (AI) مؤكدًا الاختلافات الجوهرية بين العقل البشري والأنظمة القائمة على التعلم الآلي، حيث يعمل الذكاء الاصطناعي مثل "شات جي بي تي" وغيره من الأدوات كمحرّك إحصائي يركّز على مطابقة الأنماط بدلًا من الفهم الحقيقي.

إعلان

ويوضّح تشومسكي كيف يتعلم الأطفال اللغة بسرعة ودون وعي باستخدام الحد الأدنى من البيانات، على النقيض من اعتماد الذكاء الاصطناعي على مجموعات ضخمة من البيانات.

وحول الآثار الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، يرى أن انعدام الأخلاق في الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى نتائج خطيرة إذا تُرك دون رادع ودون تنظيم، ويحذر تشومسكي من أنه إذا سلّم البشر عملية صنع القرار إلى الذكاء الاصطناعي، فإن مجموعة صغيرة من المبرمجين ستتحكم في الروايات الاجتماعية والسياسية.

مصدر الصورة تشومسكي في أخبار الأدب (الجزيرة)

الأب الشرعي للذكاء الاصطناعي


*

لكن هل يمكن أن نقول إن تشومسكي هو الأب الشرعي للذكاء الاصطناعي؟ وما صلته بقراءة العقول؟

نعم، إذا كان اليوم عالم الفيزياء الحاصل على نوبل جيفري هينتون، الذي يُلقب اليوم بـ"أبو الذكاء الاصطناعي" فإن تشومسكي بنظرياته التي افتتح بها هذا المجال هو بالفعل "الأب الشرعي" له. فتنظيره المركّب بين المعنى السطحي وطبقات المعنى العميق (Surface and Deep Meaning) ومفاهيم أخرى كثيرة في كتابه "العقل واللغة" (Language and Mind) وما سُمّي باللغويات البيولوجية، هو الأساس الذي تم من خلاله تدشين هذا المجال. وكنت أرى ذلك ليس فقط في كورسات اللغويات الحاسوبية (Computational Linguistics) وهو علم بيني تكاملي كما ذكرنا في أقسام علوم اللغويات، بل كان ذلك أيضًا قائمًا في كليات الحاسبات بجامعة تكساس، حيث تُدرّس أعمال تشومسكي التأسيسية.

وبالمناسبة، فإن التحذيرات الخطيرة التي أطلقها هذه الأيام جيفري هينتون (الحائز على نوبل في الفيزياء والنجم الحالي الملقب بـ"أبو الذكاء الاصطناعي") من المخاطر الكبرى التي ينبغي أن تتنبه إليها البشرية، وأن "الخطر محدق، وأن الذكاء الاصطناعي يُهدد بانقراض البشرية خلال 30 عامًا" وهي مخاطر تقترب كثيرًا مما حذّر منه تشومسكي، وقد سجّل آراءه هذه عام 2023 في حوارات "الدائرة المستديرة" في مناظرته بصحيفة نيويورك تايمز، وجاء ذلك تحت عنوان "الوعد الزائف لـ"شات جي بي تي".


*

كيف ترى العلاقة بين علم اللغويات الحاسوبية والذكاء الاصطناعي؟

فكرة أن تجعل للحاسوب عقلًا مثل العقل الإنساني لهو أمر يكاد يكون شبه مستحيل، لأن أنظمة الذكاء الاصطناعي، مهما كانت متطورة، هي في النهاية مجرد برمجيات. وتقوم هذه الأنظمة بمعالجة كميات كبيرة من البيانات لإنشاء ردود على الأسئلة الموجّهة إليها، فضلًا عن أن السياقات المركّبة المتداخلة في لغات ولهجات الأمم والأمثال الشعبية لا تزال من الأمور المعقدة على الآلة.

قراءةُ العقول أصبحت اليوم من أكثر المجالات ارتباطًا بالذكاء الاصطناعي وعلوم الأعصاب (شترستوك)

قراءة العقول وفقدان الخصوصية


*

ما التعريف العلمي لعلم قراءة العقول؟

قراءةُ العقول لها مستويات كثيرة، بدأت قديمًا مع أسطورة/حقيقة "زرقاء اليمامة" وقصة عمر بن الخطاب وهو ينادي من على المنبر في المدينة قائدَ الجند في ساحة الحرب على بُعد آلاف الأميال، ويحذّره من العدو، قائلاً "يا سارية، الجبلَ!" أي الزم الجبل. وتواردُ الأفكار، كلّ ذلك يدخل في البُعد الإيماني.

أما قراءةُ العقول بالمعنى المعروف حاليًا (Mind Reading) فقد أصبحت اليوم من أكثر المجالات ارتباطًا بالذكاء الاصطناعي وعلوم الأعصاب، والمقصود بها تحويل النشاط العصبي في الدماغ إلى إشارات رقمية يمكن للذكاء الاصطناعي تفسيرها. فمثلًا: عندما يفكّر الإنسان في تحريك يده، يمكن للخوارزميات أن تلتقط هذا النشاط وتحوّله إلى حركةٍ لذراعٍ آلي.

ولقراءة العقول تطبيقات كثيرة، كان آخرها الإعلان عن الشرائح المزروعة، مثل مشروع ما يسمى Neuralink لإيلون ماسك، حيث تُوضَع أقطاب دقيقة داخل الدماغ، وما نتج عنها من تطبيقات عسكرية ومدنية، مثل التجسّس على الأفكار أو المشاعر.

ويؤدي ذلك إلى فقدان الخصوصية الذهنية (Neuro-Privacy) وما شاع عن استخدام هذه التقنيات في الاستجواب أو السيطرة الذهنية، مما دفع دعاة حقوق الإنسان إلى المطالبة بما يُسمّى مبادئ "الحقوق العصبية" الجديدة: هل للفرد الحق في عدم قراءة دماغه؟

الخطورة اليوم تكمن في الاعتماد المطلق على التكنولوجيا فقط دون أن نعرف إلى أين يتجه بنا التيار (شترستوك)

العبودية الجديدة


*

ما الخطورة التي تراها في الاستعانة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي؟

الخطورة هي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بشكل فوضوي ومطلق، فعندما تتكرر الطلبات من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فإنه يستطيع أن يسيطر على عقلك دون أن تدري، لأنك ارتحت للركون إليه. فعندما يبحث لك، يقوم بتوجيهك والسيطرة عليك، ويؤدي ذلك إلى غلقٍ للتفكير والإبداع والجهد الإنساني. ومع ذلك، فهو يساعدك في كثير من الحالات، ولكن عليك أن تكون يقظًا.

إعلان

وتكمن الخطورة اليوم في الاعتماد المطلق على التكنولوجيا فقط، دون أن نعرف إلى أين يتجه بنا التيار، وهذا يحتاج إلى تكاتف القوى الدولية. وخطورتها أن نصل إلى زراعة الشريحة، فلو حدث ذلك فلن يُعرَف فقط كيف تفكر، بل سيتم إخضاعك وتوجيهك إلى الجهة التي يُراد لك أن تتبعها في المستقبل، وفي هذا نوع من العبودية الجديدة.

والآن يُستخدم الذكاء الاصطناعي في الحروب، وهذا أخطر ما في الموضوع، والخطورة أن ينتقل الأمر إلى أيدي الجماعات الإرهابية والإجرامية. وبالتالي، إن لم تكن هناك رشادة في استخدامات الذكاء الاصطناعي، فقد تحفر الإنسانية قبرها. وبحر الأذى واسع، وإذا آذيتني اليوم سينالك الأذى غدًا.


*

بحكم خبرتك في التفاوض، ما الذي يمكن أن تضيفه تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى فنون التفاوض؟

الذكاء الاصطناعي يفيدني في مجال التفاوض من حيث سرعة توفير المعلومات عن الموضوع، ورسم بروفايل للشخص المفاوض، واختصار الوقت، وإمكانية وضع السيناريوهات المحتملة. فلو أردت أن أعرف من هو كيسنجر مثلًا، أجد سيلًا من المعلومات، ولكن هنا يظهر دور العقل البشري، فهناك دقائق لا يمكن أن يتعامل معها إلا العقل البشري، والعقل هو الذي يستخدم الأدوات.

وإذا كنت ممن يشاركون الأدوات في تحضيرك للتعامل مع موقف تفاوضي ما، فلا تحصل على استجابات الذكاء الاصطناعي أولًا قبل أن تفكر فيه أنت كمفاوض. ولقد لاحظت أنه بالرغم من أن الآلة لديها بيانات كبيرة (Big Data) إلا أنني قد وجدت قصورًا في بيانات مواقف بعينها، فالعقل البشري لديه المرونة في التعامل، ونستمتع بالممكن ولا نُلغي قوانا وإرادتنا.

وسائل الذكاء الاصطناعي أصابتها آفة الكذب والمجاملة وقد تُضلّلك وتراوغك (شترستوك)

الذكاء الاصطناعي يكذب ويزيف أحيانا


*

هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن "يقرأ" مشاعر أو مواقف الطرف الآخر بدقة تفوق البشر؟

لا يمكن طبعًا، فالذكاء الاصطناعي له القدرة على ترتيب الأفكار وربطها والبناء عليها، وهناك تقدم كبير في درجات التطور. والذكاء الاصطناعي أصبح لديه قدرة على المجاملة والكذب والاستفادة من المعطيات التي يتم تدريبه عليها.

وأذكر مثالًا: كاتبة قالت لزوجها إن كل الناس أثنوا على روايتها إلا هو، وحتى "شات جي بي تي". ولما سأل الزوج "شات جي بي تي" بقوله "هل فعلًا أثنيت على الرواية؟" فرد عليه "كنت أجاملها، وكنت أريد أن أقول لها إن روايتك أفضل رواية".

إذن، وسائل الذكاء الاصطناعي أصابتها آفة الكذب والمجاملة، وقد تُضلّلك وتراوغك، وتمدّك بمواد ومعلومات غير صحيحة بحسب ما تم التدريب عليه.


*

هل يمكن مستقبلًا أن يكون للذكاء الاصطناعي مشاعر؟

المتحمسون والمنادون بالتوغل في مجالات الرقمنة لأبعد مدى يحاولون ذلك، ولكن لن يكون له عقل واعٍ ولا مشاعر إنسانية، لأنها من خلق الله سبحانه وتعالى. أما تدريب الذكاء الاصطناعي فيكون من خلال دافع اقتصادي بحت، وهذا هو عين الخطر.


*

ما مدى خطورة أن تستخدم الدول أو الشركات الكبرى هذه التقنيات في استجوابات أو حوارات تفاوضية غير متكافئة؟

سرعة التنافس بين الشركات المتعددة الجنسيات وطبيعة إيقاع العصر قصة طويلة جدًا. وبعد أن كنا غير راضين عما كان يُقال عن "البقاء للأقوى" أصبح الحديث الآن عن "البقاء للأسرع". وفكرة الاستحواذ في الاقتصاد أصبحت أشد توغلًا، وأصبح الشباب الأميركي يشعر أنه لم يعد لديه فرصة للمرور والحركة والأمل مثل آبائه وأجداده.

وهذا ما دفع المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد إلى أن يكتب مقالة في غاية الأهمية عن هذه الأفكار بعنوان "أميركا الأخرى" تناول فيها القرارات السريعة والمفاهيم التي تغيرت كثيرًا. وما زالت الرأسمالية تعمل بأفكار سكينر التي حطمها تشومسكي، وهي أن تفكر في العالم فقط من وجهة نظر اقتصادية جشعة، بعيدًا عن الكبرياء والكرامة والحرية والعدالة.

ولو تُرك الحبل على الغارب للشركات العابرة للقارات لكي تفعل في مجال الذكاء الاصطناعي ما تريد، من وجهة نظر اقتصادية بحتة للربح فقط، ولتأكيد سياسة القطيع، وسياسة "أنا ومن بعدي الطوفان" وسياسة الاقتصاد الأحادي، فقد تُدمّر العالم كله.


*

ما التوازن المطلوب بين الاستفادة من هذه التقنيات وحماية الإنسان من الانتهاكات؟

المسألة لا تحتاج أكثر من وضع التشريعات الجيدة والرشيدة، مع وجود الرقابة ضد كل من يخرق القوانين ويريد الأذى بالإنسان في أي مكان. لأنه إن لم تنتبه الإنسانية لموقع خطواتها المقبلة، وتركت الأمر لمجموعة من المغامرين، فكأنها تحفر قبرها بيدها.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار