في شقة لا تتجاوز مساحتها الـ 90 متراً في شارع السودان بمحافظة الجيزة، يعيش المُهندس الشاب أحمد مجدي (37 عامًا) رفقة زوجته وأطفاله الصغار، بينما يزداد خوفه من تصديق "مُحتمل" للرئيس المصري على مشروع "قانون الإيجار القديم" ، الذي أقره البرلمان المصري مؤخرا، والذي بموجبه تزيد أجرة الشقة من جنيهات معدودة إلى مئات، بل آلاف الجنيهات.
ليس هذا ما يشغل بال الشاب فقط، بل إخلاء المسكن هو أكثر ما يؤرقه، حيث تنص المادة الثانية من التعديلات، التي أقرها البرلمان على: "انتهاء عقود الإيجار بعد 7 سنوات من تاريخ العمل بالقانون بالنسبة للوحدات السكنية، وبعد 5 سنوات للتجاري، غير السكني ".
أما المادة السابعة من مشروع القانون ذاته فتُشدد على تسليم المستأجر للوحدة إلى مالكها الأصلي في نهاية المدة (7 أو 5 سنوات)، أو في حالة ترك المكان مغلقا لمدة أكتر من سنة بدون سبب، أو امتلاكه وحدة سكنية أو تجارية ثانية صالحة للاستخدام. وفي حال رفضه الإخلاء يحق للمالك طلب تدخل المحكمة لطرده فورًا.
يصف أحمد مجدي، في حديثه لـ DW، مشروع القانون، الذي أقره البرلمان بـ "الظالم والمُخالف للأحكام الدستورية وغير المراعي للظروف الاقتصادية لفئة كبيرة من الشعب". ويرى فيه أيضًا ضياعا لحقه، ليس كونه مُستأجرًا بل وارثا لشقة عن والده المتوفي، تعيش فيها أسرته منذ أكثر من 30 عامًا (تحديدا منذ عام 1992)، وذلك طبقًا لحكم المحكمة الدستورية الصادر عام 2002، الذي أتاح للمُستأجر الأصلي توريث الشقة لجيل واحد فقط.
المُهندس الشاب أحمد مجدي يخشى إذا تم التصديق على قانون الإيجارات أن يخلي هو وزوجته وأطفاله الصغار مسكنهم بشارع السودان بمنطقة الجيزة.صورة من: Mahmoud el tabakh/DW
ويقول رب الأسرة الشاب إنه طبقًا للعقد الموقع بين والده والمالك بالتراضي "لا يحق لطرف الإخلاء لطرف آخر"، بينما يُهدد التصديق المُنتظر على القانون بتشريد أسرته رفقة ملايين الأسر المُستأجرة في مصر - وفق قوله - مُطالبًا في نهاية حديثه بسَن قيمة إيجارية "عادلة" يقدر على دفعها، وإلغاء المادة المُحددة لمُدة الإخلاء، مع تطبيق التوريث على الجيل الأول من المُستأجرين.
وفي هذا السياق، تكشف آخر أرقام رسمية مُعلنة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والتي تعود لعام 2017، وجود 3 ملايين و20 ألف وحدة عقارية بعقود يسري عليها نظام الإيجار القديم في مصر، موزعة بين شقق سكنية ودكاكين وجراجات (مَرَائِب ) للأغراض التجارية، بينما تسكن الأسر أكثر من نصفها بواقع 1.6 مليون وحدة سكنية (تضم 6.5 مليون مواطن)، يعيش نحو ثلثيهم في نطاق القاهرة الكبرى.
وعلى النقيض من المُستأجر أحمد مجدي، يتمنى المالك محمد إبراهيم (51 عامًا)، سرعة تصديق الرئيس السيسي على القانون، كونه يُعيد الحقوق لأصحابها ويضمن "إرادة المالك على ملكه".
يمتلك محمد إبراهيم، عمارة سكنية قرب كورنيش النيل بمنطقة العجوزة يتجاوز عمرها 70 عامًا، مكونة من 40 شقة بواقع 200 متر، مساحة الشقة الواحدة، ويسري عليها نظام الإيجار القديم، إلا أن إيجار الشقة الواحدة شهريًا لا يصل إلى 15 جنيهًا مصرياً (قيمتها حوالي ربع يورو فقط).
يشير إبراهيم، إلى أن الوضع الحالي يمثل ضررًا مستمراً كبيرًا عليه وعلى أسرته، وهو ما دفعه، في إطار "جمعية حقوق المُضارين من قانون الايجار القديم" - وهي كيان غير حكومي يضم ملاك العقارات الخاضعة للإيجار القديم -، إلى طرح مشروع قانون في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يُطالبون من خلاله بتسلم شققهم في غضون 3 سنوات للسكني وسنة واحدة للوحدات التجارية، و6 أشهر للشقق الآيلة للسقوط.
بالنظر إلى تاريخ قانون الإيجار القديم، الذي تعود أصوله إلى عام 1920 وتعديلاته اللاحقة، تمّ "منح المُستأجر الحق في البقاء بالوحدة السكنية مدى الحياة وتوريثها للجيل الأول مع الالتزام بسداد نفس القيمة الإيجارية وعدم جواز إخراجه منها إلا بحكم محكمة". وهو أمر يعتبره الملاك يسلب حقوقهم.
أما مشروع القانون الحالي المُقدم من الحكومة، والذي أقره البرلمان الأربعاء الماضي (الثاني من يوليو/ تموز) وأحاله إلى الرئيس المصري للتصديق عليه ليصبح قانونًا ساريًا، فقد حدد المُهلة الزمنية لإخلاء العقارات لتصبح "7 سنوات للوحدات السكنية و5 سنوات للتجارية"، وهي فترة مُختلفة عن التي طالب بها الملاك في مشروعهم، ولكن موافقة الرئيس عليه بمثابة انتهاء لـ "ظلم واقع على الملاك مُنذ سنوات"، وفق ما يقول محمد إبراهيم.
يمتلك محمد إبراهيم، عمارة سكنية قرب كورنيش النيل بمنطقة العجوزة، يبلغ إيجار الشقة الواحدة شهريًا أقل من 15 جنيهًا مصرياً (قيمتها حوالي ربع يورو فقط).صورة من: Mahmoud el tabakh/DWينظر محمد إبراهيم، خلال حديثه لـ DW، إلى خطوات الحكومة في ملف الإيجار القديم على أنها "تحرير للعلاقة بين المالك والمستأجر وإعادة لضبط الأسعار الخاصة بالإيجار، وليس دعوة لإخلاء الشقق السكنية قسرًا"، رافضًا في الوقت ذاته ما يُشاع حول "طرد المستأجر"، بل يُطالب بتوفير شقق إسكان اجتماعي بديلة لغير القادرين؛ تجنبًا لوقع ضرر عليهم أو على أسرهم.
وبالعودة إلى بنود مشروع القانون الذي أقره البرلمان، فقد أجرى تحريكًا في أسعار الإيجارات القديمة، وفقًا لما نصت عليه (المادة 4)، بواقع (20 مثل) القيمة الإيجارية القانونية السارية وبحد أدنى مقداره 1000 جنيه مصري (حوالي 17 يورو) للأماكن السكنية "المُميزة"، أما المناطق المتوسطة فمن المقرر دفع 400 جنيه (قرابة 7 يورو) شهريًا كحد أدنى أو بواقع (10 أمثال) القيمة الإيجارية السارية.
فيما نصت المادة القانونية ذاتها، على رفع الأجرة إلى 250 جنيهاً كحد أدنى للأماكن السكنية الاقتصادية "العشوائية" أو بواقع (10 أمثال) القيمة الإيجارية السارية، على أن تزيد القيمة الإيجارية المحددة سنويًا بصفة دورية بنسبة (15%) للفئات السابقة.
وفي هذا الإطار ألزم القانون في مادته الثالثة، الحكومة بسرعة حصر المناطق السكنية المشمولة بنظام الإيجار القديم وإعادة تصنيفها إلى فئات ثلاثة "مميزة، ومتوسطة، واقتصادية".
لا تزال أصداء إقرار مجلس النواب لمشروع القانون واسعة، وسط اتهامات مُتبادلة بين نواب الأغلبية و المعارضة في البرلمان بمراعاة مصالح الحكومة والمستثمرين دون النظر إلى المُستأجرين المُهددين بالطرد من منازلهم.
وقد شهدت الجلسات العامة التي مرر فيها البرلمان بنود المشروع، المُقدم من الحكومة، جدلاً واسعاً ابتداءً من غياب إحصاءات دقيقة حول المُستأجرين الأصليين ونوعهم، مرورًا بعدم جاهزية ممثلي الحكومة للمناقشات، وهو الأمر الذي أشار إليه رئيس البرلمان المستشار حنفي الجبالي.
كما شهدت الجلسة النهائية انسحاب "22 نائبًا"، بينهم النائب عاطف مغاوري والنائبة سناء السعيد والنائب ضياء الدين داود، مُعللين في بيان لهم هذه الخطوة بضرب الحكومة بمقترحاتهم وآرائهم عرض الحائط ورفضها وضع حلول "عادلة ومُرضية" للمالك والمستأجر، وإصرارها على تمرير "المادة الثانية" التي تُحدد مدة زمنية لإخلاء الوحدة، وهو ما يُعد مساسًا واضحًا بحقوق المستأجرين الاجتماعية والإنسانية ويهدد بتشريد الملايين منهم.
وفي المقابل ردت الحكومة عبر بيان ممثلها المستشار محمود فوزي، وزير شؤون المجالس النيابية، بأن الحكومة لم تنصف المالك على المستأجر، لكنها تُعالج مشكلة مزمنة مُستمرة مُنذ عشرات السنوات، وأنها لن تسمح بتشريد المُستأجرين أو تركهم في الشارع بلا مأوى.
ويشير فوزي، إلى أن الحكومة قطعت عهدًا بتخصيص وحدات سكنية للمستأجر الأصلي والزوج أو الزوجة، الذين امتد إليهم العقد قبل إقرار القانون، وذلك قبل عام، كحد أقصى، من انتهاء مدة الـ 7 سنوات الممنوحة للإخلاء، نافيًا بحث الحكومة عن أي مكاسب من وراء القانون.
لم تمر ساعات قليلة على إقرار البرلمان لمشروع القانون، حتى ناشد عضو لجنة العفو الرئيسي المحامي طارق العوضي، الرئيس بعدم التصديق عليه. وعبر حسابه على منصة "إكس" كتب العوضي "رسالة مفتوحة إلى الرئيس"، ينتقد فيها إقرار مجلس النواب للمشروع، ويدعو الرئيس المصري إلى عدم التصديق عليه.
من جانبه، قدم شريف الجعار، المحامي بالنقض والدستورية العليا ورئيس "اتحاد مستأجرين مصر"، التماسًا إلى الرئيس يطالبه فيه بعدم التصديق على القانون "كونه يُهدد حياة أُسر فقيرة من محدودي الدخل وكبار السن والأيتام والأرامل"، فضلاً عن إغلاقه لأماكن خدمية واقتصادية تمثل الحياة لكثير من المناطق في مصر، بحسب رأيه.
وفي حديث خاص لـ DW، يقول الجعار إن العمارات التي يطبق عليها قانون الإيجار القديم جرى بناؤها بقصد التأجير وليس التمليك، وهو أمر منصوص عليه في "رخصة البناء"، لافتًا إلى أن الملاك قد حصلوا على حقهم واستفادوا تمامًا، لأن الدولة أعطت لهم إعفاءات ضريبية كبيرة في ذلك الوقت، كاشفًا عن ملاحقة القانون - حال تصديق الرئيس عليه - برفع دعاوى أمام المحكمة الدستورية العليا من أجل إبطاله.
وعلى الجانب الآخر، يرفض المحامي أحمد البحيري، المستشار القانوني لرابطة اتحاد الملاك، الأقوال السابقة، ويرى أن "مشروع القانون في طريقه إلى التصديق" وهو أمر أقرب للواقع، حيث أعلنت الحكومة المصرية في (6 يوليو/ تموز)، البوابة الرسمية لحصر المستأجرين، الذين تنتهي عقودهم بعد فترة السماح المقررة قانونًا لتوفير وحدات سكنية بديلة، وهي خطوة تشير إلى الاستعداد الفعلي للتصديق على القانون.
المحامي أحمد البحيري، المستشار القانوني لرابطة اتحاد الملاك، يرى أن "مشروع القانون في طريقه إلى التصديق".صورة من: Mahmoud el tabakh/DWويقول البحيري، لـ DW، إن من حق المستأجرين ومن ينوب عنهم اتخاذ الإجراءات القانونية التي يريدونها، وإن كانت هذه الخطوة - في رأيه - لن تجدي نفعًا، "فلا يمكن رفع دعاوى قضائية مباشرة أمام المحكمة الدستورية بشأن القانون بعد التصديق عليه".
وفي نظر البحيري، فإن أغلب المستأجرين هم أشخاص "مُقتدرين" ولديهم أموال وعقارات، بعكس ما يتم الترويج له بأن أغلبيتهم من الفقراء ومحدودي الدخل، مُطمئنًا المستأجرين الفقراء بقوله: "سندعمهم ونقف بجانبهم، والدولة ستفعل ذلك أيضًا".
وسط حالة الترقب التي يشهدها المُجتمع، يبرز سيناريوهان بشأن أزمة الإيجار القديم، الأول يكمن في تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الأيام القادمة على مشروع القانون، الذي وافق عليه البرلمان، ونشره في الجريدة الرسمية للبلاد، ويصبح ساريًا بداية من اليوم التالي. وهو السيناريو الذي ينتظره الملاك ولا يرضى به المستأجرون.
أما السيناريو الآخر، فيتمثل في رفض الرئيس للقانون والاعتراض عليه كليًا أو ربما على بعض مواده، وإعادته مرة أخرى إلى البرلمان لمناقشته، وذلك وفق المادة 123 من الدستور المصري، التي تمنح رئيس الجمهورية هذا الحق خلال 30 يوما من قرار البرلمان.
بعد موافقة البرلمان المصري على مشروع قانون الإيجار القديم، أصبح الأمر الآن بيد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي؛ فإما أن يصدق على القانون وإما أن يرفضه أو يرفض أجزاء منه ويعيده للبرلمان. لكن الأمر في كل الأحوال لن يكون سهلا. صورة من: Hadi Mizban/REUTERSوفي هذا الشأن، يلتمس صلاح فوزي، أستاذ القانوني الدستوري، من البرلمان التريث في إنهاء دور الانعقاد التشريعي المُقرر له في (يوليو/ تموز) الجاري، حتى يتخذ الرئيس قراره النهائي بشأن القانون المرفوع إليه. وفي حديثه لـ DW،، لفت فوزي إلى أنه في حال سارع البرلمان في إنهاء دور انعقاده قبل صدور الموقف النهائي للرئيس ستكون هناك إشكالية كبرى، وستصبح المواد التي قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها واجبة النفاذ.
وكانت المحكمة الدستورية العليا في مصر، قد أصدرت حُكمًا وصفه الخبراء والمختصون بـ "التاريخي" في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، حيث قضى بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1، 2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، والمتضمن عدم دستورية ثبات الأجرة السنوية المنصوص عليها بالقانون رقم 136 لسنة 1981.
وبناء على ذلك، أعطت المحكمة الدستورية العليا، الحكومة المصرية مُهلة قبل انتهاء دور الانعقاد التشريعي للبرلمان في يوليو/ تموز 2025، للتدخل وتنظيم العلاقة بين المالك والمُستأجر، لتقترح الحكومة المصرية بعدها مشروع قانون الإيجار القديم إلى البرلمان في 29 أبريل/ نيسان 2025 الماضي.
ويوضح الخبير صلاح فوزي، أنه حال رفض الرئيس للقانون وإعادته إلى البرلمان خلال دور انعقاده، فسيكون مجلس النواب أمام أمرين: إما أن يتبنى وجهة نظر رئيس الجمهورية ويقر التعديلات التي اقترحها، أو يتمسك بالنصوص التي رفضها الرئيس، ويحق له إصدار القانون بعد موافقة "ثلثي الأعضاء".
لكن الأمر الأكثر خطورة الذي يخشاه الفقيه الدستوري، هو رفض الرئيس لمشروع القانون وإعادته إلى البرلمان، بعد انتهاء دور الانعقاد التشريعي، ما يفتح الباب أمام الملاك لرفع ملايين الدعاوى القضائية على المستأجرين تنفيذًا لحُكم المحكمة الدستورية، و"هي خطوة لها تداعيات سلبية لا يتمناها أحد في مصر".
تحرير: صلاح شرارة