آخر الأخبار

أموال بـ «خطأ التحويل».. أشخاص يعتبرونها رزقاً ويرفضون إرجاعها

شارك

يتسلّم بعض الناس تحويلات مالية تصلهم بالخطأ إلى حساباتهم المصرفية، ويعتبرونها رزقاً، أو هدية غير متوقعة جاءتهم من أحد الأشخاص، لكن عندما يتبين لهم أنها وصلتهم عن طريق الخطأ، يرفض بعضهم ردها إلى أصحابها، ما يُعرّضهم للمساءلة القانونية والعقوبة التي تصل إلى الحبس والغرامة المالية.

وسجلت محاكم الدولة، خلال السنوات الأخيرة، عدداً من القضايا لأشخاص تسلّموا مبالغ مالية عن طريق الخطأ، وامتنعوا عن ردّها، رغم مطالبة أصحابها أو المصارف بذلك، وانتهت تلك القضايا في معظمها بإدانتهم، وتغريمهم مبالغ مالية، إضافة إلى إلزامهم ردّ المبالغ التي حصلوا عليها.

وفي قضية نظرتها إحدى محاكم الدولة، أقام شاب دعوى قضائية ضد فتاة طالب فيها بإلزامها أن ترد له مبلغ 23 ألف درهم، إذ ذكر أنه حوّل على حسابها عن طريق الخطأ المبلغ محل الدعوى، وبعد تواصل البنك بالمدعى عليها رفضت إرجاع المبلغ، وقد تمت إدانتها جزائياً، فيما طلبت المدعى عليها أجلاً للرد.

وأكّدت المحكمة، في حيثيات حكمها، أنه وفقاً للمقرر من قانون المعاملات المدنية، لا يسوغ لأحد أن يأخذ مال غيره بلا سبب شرعي، فإن أخذه فعليه رده.

وفي قضية ثانية ألزمت المحكمة شخصاً بردّ مبلغ مالي، حوّله إليه شخص آخر على حسابه بطريق الخطأ، والتعويض عن عدم الرد.

وتتلخص وقائع القضية في تحويل شخص مبلغ 4970 درهماً إلى حساب شخص آخر (المدعى عليه) عن طريق الخطأ، ورفض المدعى عليه إعادة المبلغ، وأُقيمت ضده دعوى جزائية قضي فيها بإدانته، ورفع الشخص دعوى قضائية طالب فيها بإلزام المدعى عليه إرجاع المبلغ الذي حصل عليه عن طريق التحويل الخطأ وبالتعويض بمبلغ 3000 درهم عمّا لحق المدعي من أضرار من جرّاء حبس المبلغ.

وقضت المحكمة بإلزام المدعى عليه أن يؤدي إلى المدعي المبلغ المحول بطريق الخطأ، إضافة إلى 500 درهم تعويضاً.

وأكّدت المحكمة في حيثيات حكمها أن المدعى عليه تحصل لنفسه على مال المدعي بالمبلغ المطالب به، وكان ذلك الخطأ الذي دِين بموجبه المدعى عليه هو ذاته الخطأ الذي على أساسه استند إليه المدعي في إقامة الدعوى الماثلة.

وفي قضية ثالثة، أقام شخص دعوى قضائية في مواجهة آخر، طلب إلزامه بأن يؤدي له 52 ألف درهم قيمة المبلغ الذي تم تحويله له من المدعي بموجب إيصال تحويل بنكي، إضافة إلى إلزامه أن يؤدي 20 ألف درهم، تعويضاً عن الأضرار التي أصابت المدعي، وسداد غرامة تأخيرية قدرها 12% وفقاً للقانون، والرسوم والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

وقال المدعي إن المدّعى عليه استولى على 52 ألف درهم، وذلك أثناء قيام المدّعي بتحويل المبلغ بصورة خطأ على حساب المدّعى عليه، إلا أنه بالتواصل معه لم يرد المبلغ وتجاهل ذلك، وعليه قدّم شكوى لدى النيابة العامة، وصدر حكم جزائي بإدانة المدّعى عليه بما أُسند إليه ومعاقبته بالغرامة 10 آلاف درهم.

وقضت المحكمة بإلزام المدعى عليه رد المبلغ، فضلاً عن تغريمه 5000 درهم، لمصلحة المدعي، حيث إنه استولى على المبلغ بعد تسلّمه عبر تحويل بنكي بالخطأ.

وأكّدت المحكمة في حيثيات حكمها، أنه وفق المقرر قانوناً بنص المادتين 304، 308 من قانون المعاملات المدنية: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه، فمن غصب مال غيره وجب عليه ردّه إليه بحالته التي كان عليها عند الغصب وفي مكان غصبه، لذا قضت المحكمة بإلزام المدّعَى عليه رد المبلغ، كما قدرت التعويض الذي يستحقه المدّعي عن تلك الأضرار التي لحقت به هو 5000 درهم».

من جانبه، قال المستشار القانوني الدكتور يوسف الشريف، إنه مع تزايد الاعتماد على الخدمات المصرفية الرقمية في دولة الإمارات، باتت التحويلات المالية تتم في ثوانٍ معدودة، غير أن هذه السرعة لا تخلو من أخطاء بشرية، فبين ضغطة زر وأخرى، قد تؤدي إلى تحويل مبالغ مالية إلى حسابات أشخاص لا تربطهم أي علاقة بالمرسل.

وأضاف أنه رغم وضوح الخطأ، يرفض بعض المتسلّمين إعادة المبالغ التي تصلهم، متذرعين بأنها «هدية أو هبة أو منحة أو حق مكتسب»، غير مدركين أن سلوكهم هذا يقع تحت طائلة التأثيم والعقاب وفقاً للقانون لتتحول الواقعة البسيطة في نظرهم إلى قضية جنائية أمام المحاكم.

وأشار الشريف إلى أن الأحكام الصادرة في هذا النوع من القضايا أكّدت أن الاحتفاظ بالأموال المحوّلة عن طريق الخطأ يُعدّ استيلاءً غير مشروع على أموال الغير، وهو فعل مجرَّم بموجب قانون الجرائم والعقوبات الاتحادي، باعتبار أن الموقف القانوني في هذه الحالات واضح بأن مجرد علم المتسلّم بأن المال ليس محولاً له أو بالأدق محول له بطريق الخطأ، يصبح ملزماً بإعادته لصاحبه أو مصدر تحويله له فوراً، وأي تأخير أو تصرف فيه يُعدّ جريمة يعاقب عليها القانون، حيث يُعدّ امتناع المتسلّم بطريق الخطأ عن إعادة المبلغ المحول له بعد علمه بخطأ التحويل بمثابة نية تملّك بغير وجه حق، ما يجعل الواقعة جريمة مكتملة الأركان.

ونبّه إلى أنه مجرد تلقي المبلغ المحول بطريق الخطأ لا يترتب عليه مسؤولية جنائية لعدم وقوع ذلك بفعل أو إرادة المتسلّم ما لم يكن لسلوكه دخل في ذلك، إلا أن استمرار حيازة المال بعد التأكد من تحويله بطريق الخطأ يُشكّل جريمة مؤثمة يعاقب عليها القانون، وعلى أنه في حال تعذر التواصل بين المرسل والمتسلّم، يمكن للأخير مراجعة المصرف أو الصرافة التي تم التحويل عن طريقها لتصحيح الوضع، تجنباً لأي مساءلة.

ولفت إلى أنه نظراً إلى خطورة هذه الجريمة رصد لها القانون عقوبة مشددة بموجب المادة 454 من قانون الجرائم والعقوبات الاتحادي التي نصت على أن: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة التي لا تقل عن 20 ألف درهم كل من استولى بنية التملك على مال ضائع مملوك لغيره أو على مال وقع في حيازته خطأ أو بقوة قاهرة مع علمه بذلك».

وأكّد أن التجريم والعقاب يأتيان لبث الثقة بالمعاملات المصرفية، لأن البنوك أو شركات الصرافة لا يمكن لها سحب المبلغ من حساب الشخص المحول إليه بالخطأ دون موافقته، التزاماً منها بسرية الحسابات، وكل ما يمكنها هو إخطار العميل فور اكتشاف الخطأ وطلب إعادة الأموال إلى المرسل، وفي حال رفضه، تحال الواقعة إلى السلطات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية.

وحذّر من أن التعامل مع هذه التحويلات باستهتار أو طمع يُعرّض للمساءلة والعقوبة، لأن المال الذي يصل بطريق الخطأ لا يُعدّ رزقاً أو هدية، بل أمانة يجب ردها، فالالتزام بالقانون والأمانة في المعاملات المالية الإلكترونية هما الضمان الحقيقي لسلامة المجتمع وثقة أفراده بالمنظومة المصرفية، ومثل هذه الحوادث تسلّط الضوء على ضرورة رفع الوعي المالي والقانوني لدى الأفراد، فالأمانة في التعاملات الإلكترونية لا تقل أهمية عن الأمانة في التعاملات التقليدية، ويبقى المبدأ واضحاً: المال الذي يأتيك بالخطأ ليس رزقاً، بل هو اختبار لنزاهتك وأمانتك.

أضرار مادية

أكدت محاكم الدولة، في حيثيات بعض قضايا تحويل الأموال بالخطأ، أن الامتناع عن ردّ هذه الأموال يُلحق بأصحابها أضراراً مادية، تتمثّل في الحرمان من مبلغ المطالبة، إضافة إلى شعورهم بالحزن والأسى والألم، ما يستحقون معه تعويضاً عن كل الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بهم.

يوسف الشريف:

• امتناع المتسلّم بطريق الخطأ عن إعادة المبلغ، بمثابة نيّة تملّك بغير وجه حق، ما يجعل الواقعة جريمة مكتملة الأركان.

• يمكن لمتسلّم المال عن طريق الخطأ مراجعة المصرف تجنباً لأي مساءلة، في حال تعذر التواصل مع المرسل.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا