هديل غبّون
عمّان، الأردن ( CNN ) -- في 26 أكتوبر/تشرين الأول، مرت الذكرى الواحدة والثلاثون لإبرام اتفاقية السلام الأردنية–الإسرائيلية، بينما كان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني يرسم ملامح المرحلة المقبلة لبلاده في خطاب العرش، لدى افتتاحه الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة، وفق مقاربة سياسية عليا لإدارة الدولة في ظل صراع إقليمي محتدم، عنوانه الأخطر ضم إسرائيل للضفة الغربية .
الخطاب الذي جاء بعد نحو خمسة أيام من تصويت "الكنيست" الإسرائيلي على الصيغة التمهيدية لمشروعي قانونين لضم الضفة الغربية ومستوطنة "معاليه أدوميم" شرق القدس المحتلة، قدّم رسائل سياسية مزدوجة غير تقليدية في تثبيت الموقف الأردني من القضية الفلسطينية بحسب مراقبين، مع إظهار القلق "المشروع" من أزمات الإقليم والتصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية، مع التأكيد على القدرة بالرد عليه، وقد عبّر عنه الخطاب بتساؤل "أيقلق الملك"؟
ويرى مراقبون أن مرتكزات استمرار دعم "صمود غزة"، ورفض استمرار "الانتهاكات الإسرائيلية" في الضفة الغربية ومواصلة الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، برزت في الخطاب، لكنها طُرحت في سياق "تحفيزي" داخلي للأردنيين رغم التحديات الاقتصادية، ارتبط بالشباب والجيش والشعب "القريب" من الملك، في "وطن قدّر له أن يولد في الأزمات ."
القلق الملكي المشروع
أفصح الخطاب عن "قلق ملكي" أكثر إلحاحًا، حيال احتمالات ضم الضفة الغربية، وهو القلق المتصاعد منذ بداية الحرب في غزة أردنيًا، كما يعتقد العضو في مجلس الأعيان الأردني عمر عياصرة، عندما قوبل برفض التهجير للفلسطينيين و"تثبيت صمودهم" في غزة والضفة الغربية معًا .
وإن كان ردّ فعل الإدارة الأمريكية الأولي قد حمل رسالةً مطمئنة ضدّ الضم، فإنّ "قلق" الأردن – وفقًا للعياصرة – يتعمّق خشيةَ أن تكون التنازلات الإسرائيلية المحتملة في غزة مقدّمةً "لمكاسب أو جوائز في الضفة الغربية ".
ويقول العياصرة في حديث لموقع CNN بالعربية: "هذا هو الجزء من القلق الأردني، كما أن الإدارة الأمريكية غير متوقعة في سياساتها. هناك خشية من أن انخراط الرئيس الأمريكي ترامب في الملف يتراجع. الهاجس الرئيسي في الملف الفلسطيني لدى الأردن ليس غزة إنما الضفة الغربية من خلال أي ضم أو أي تقطيع لأوصال الضفة الغربية وأي انفعال محتمل. ولذلك فإن الأردن يراقب عن كثب ."
ويشير العياصرة إلى تعاطي الأردن الإيجابي مع جملة "الإصلاحات" التي تقدّمها السلطة الوطنية الفلسطينية حتى الآن، بما في ذلك القرار الدستوري للرئيس الفلسطيني محمود عباس حول شغور منصبه، وعودة القيادي الفلسطيني ناصر القدوة إلى البيت الفلسطيني، مؤكّدًا على أن "مواصلة الانخراط الأمريكي في المشهد الفلسطيني وبذات المنطق في الضفة الغربية، واستمرار المجموعة العربية–الإسلامية أيضًا، هي مقتضيات مركزية للسياسة الأردنية".
ويضيف العياصرة: "هذه جملة من إصلاحات ذكرت في خطة ترامب وهي ترضي الأردن اليوم، لكن فلسفة الضم ستبقى مصدر قلق. نحن نتحدث عن ضرورة استمرار الضغط على الإدارة الأمريكية من قبل المجموعة العربية–الإسلامية، وهنا الحركة الدبلوماسية الأردنية لم تتوقف مع تحركات السعودية وفرنسا ومسار حل الدولتين، لأن الاستجابة الأمريكية لم تحدث دون هذه الضغوطات ."
ولم يأت العاهل الأردني في خطابه على نص الإطار المرجعي التقليدي حول حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، لكن استحضار الضفة الغربية ورفض استمرار الانتهاكات فيها والتمسك بالوصاية الهاشمية على المقدسات ودعم "صمود غزة"، وفق المقاربة الداخلية الأردنية، يؤكد خطورة "الأزمة" والتحذير من التصعيد الإسرائيلي، وفق العياصرة .
ويقول: "المنطقة اليوم في وضع متذبذب، ومفتوحة على احتمالات عدة في غزة والضفة. مثلاً مصر تفسر الوضع بطريقة وحماس كذلك وإسرائيل. الملك كان منسجما مع ما تمر به المنطقة. إغفال الضفة الغربية في الخطاب كان مستحيلًا، ولذلك اكتفى الملك بما قال ."
أولويات الأردن
ويعتبر الحفاظ على استقرار البلاد وهويتها الوطنية أولوية أردنية متسقة مع تثبيت صمود أكثر من 3 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية كما في غزة، في ظل قناعة لدى الإدارة السياسية العليا وفق العياصرة، بتشكّل أفق لفتح مشاريع سياسية في المنطقة تحت عناوين مختلفة .
وأضاف العياصرة: "الأردن متمسك بطبيعة الحال بحل الدولتين، لكن قبل ذلك فهو معني بصمود الفلسطينيين على أرضهم، وبكبح جماح إسرائيل في الضم قبل التحدث عن النتيجة. أعتقد أن هذا سلوك أردني تطوّر جليًا بعد السابع من أكتوبر ."
ولعبت السعودية مع فرنسا دورًا محوريا في إحباط مشروع تهجير الفلسطينيين إلى جانب مصر، وفق العياصرة، وإعادة نتنياهو للجلوس على الطاولة مع الأمريكيين كما يقول العياصرة، لافتًا إلى أن الاستدارة في الخطاب الملكي نحو الداخل في هذا التوقيت شددت على أن القلق لا يعني الخوف، بل رسالة طمأنينة للأردنيين رغم التحديات، ورسالة حازمة للخارج .
وتحتفظ الدولة الأردنية بسيناريوهات "مكتومة" على حد تعبير العياصرة، تجاه أي تصعيد محتمل في الضفة الغربية، من شأنه أن يضفي الطابع الرسمي أو العملي على إجراءات الضم، وفق مسارات دبلوماسية وسياسية وإدارية، دون إظهارها للعلن للتأكيد على "صلابة رفض الضم" كمبدأ أساسي .
ورفع العاهل الأردني في خطابه مستوى المسؤولية أمام شعبه والسلطتين التنفيذية والتشريعية، في مواجهة التهديدات، حيث تتعمق الانتهاكات في الضفة الغربية والقدس بما يضع الأردن في موقع بالغ الحساسية ليس للارتباط الجغرافي فحسب، بل للدور المركزي والتاريخي في القضية الفلسطينية .
وركّز الخطاب الملكي بالمقابل، على ضرورة استمرار الإصلاحات الداخلية في الاقتصاد والإدارة العامة والتحديث السياسي في إطار مشروع أطلقته الدولة الأردنية منذ نحو أربع سنوات .
ما الذي يعنيه الضم؟
وعمل الأردن خلال عامي الحرب على غزة في تثبيت صمود الفلسطينيين في الضفة الغربية من خلال تسيير المساعدات الإغاثية إلى هناك، وكذلك إقامة المستشفيات الميدانية الثلاثة في نابلس وجنين ورام الله، مع جهود دبلوماسية استثنائية إقليمية ودولية حثيثة .
ومن جانبه، يشكك الكاتب والمحلل السياسي الأردني ماهر أبوطير في "الضمانات الأمريكية" بشأن عدم "ضم الضفة الغربية"، معتبراً أن تصويت الكنيست بالقراءة التمهيدية لمشروع قانون الضم "بمثابة إعلان عن انتهاء اتفاق أوسلو"، مع الحرب "الدموية على غزة" وتحويل الفلسطينيين في الضفة إلى "مجرد تجمعات سكانية بحاجة إلى إدارات بلدية تحت مظلة قوة شرطية تضبط الأمن بالمفهوم الإسرائيلي، بكل معاييره ."
ويرى أبوطير في حديث لموقع CNN بالعربية، أن الارتداد الإقليمي لمشروع ضم الضفة الغربية، بعد تصويت الكنيست وإن كان غير نهائي، يشكل خطرًا بالغًا على الأردن .
ويعتبر "الضم أو عدم قيام الدولة الفلسطينية"، وفقا لأبو طير، بالضرورة سعي إسرائيل لاستدراج الأردن نحو إما "تحمّل كلفة ما يجري داخل الضفة عبر إقناعه بالإدارة فيها"، أو "تهجير الفلسطينيين للأردن"، وتحديدًا حملة الأرقام الوطنية، أو حتى "اقتطاع مساحات من الأردن لتهجير أهل الضفة الغربية إليها"، أو محاولة إقامة وطن بديل بمشروع جديد في الأردن ."
و في السياق يشير أبوطير، الذي نشر في وقت سابق عن انتهاء اتفاقية أوسلو بسبب ما يجري في القدس والضفة وغزة، إلى أن الخطاب الملكي عكس بالضرورة حجم الاستعداد لاحتمالات إنفاذ الضم في الوقت الذي عمل "الاحتلال" منذ أوسلو على تكريس الفصل والتقسيم الداخلي وعمليات السطو على الأرض والاستيطان في الضفة الغربية"، قائلاً إن الاستيطان تضاعف منذ اتفاقية أوسلو 1993 بأكثر من 30 بالمائة. وقال: "هذا يعني أن الاحتلال استفاد من عملية السلام لتكريس وجوده في الضفة الغربية، وليس التوطئة للدولة الفلسطينية ."
ويعتقد أبوطير، أن التصويت من شأنه أن يحدث توتراً بين أهل الضفة الغربية، مما يدفع البعض إلى البحث عن حلول "مبكرة" قبل أن يشتد "المشروع الإسرائيلي"، بحسبه، بما في ذلك "استمرار استباحة الحرم القدسي الشريف ".
وقدّمت الشاشات الأردنية طوال يوم إلقاء خطاب العرش تغطيةً شاملة وغير مسبوقة لمضامينه، ركّزت فيها على الدور الأردني التاريخي في دعم القضية الفلسطينية، وعلى التوجّه نحو الداخل بمخاطبة الأردنيين، مؤكدة أن قلق الملك واقعٌ، لكنه لا يخاف إلا الله، ولا يهاب شيئًا ما دام في ظهره "أردنيّ ".
المصدر:
سي ان ان