أظهرت دراسة أجراها المكتب الاجتماعي لنقابة معلمي السودان، اتساع الفجوة بين الأجور وتكاليف المعيشة الحقيقية، حيث أشارت إلى أن المعلم يحتاج 100 ضعف راتبه الحالي لمواجهة متطلبات الحياة الأساسية من سكن وطعام وعلاج.
يأتي هذا في ظل صعوبات بالغة يواجهها الاقتصاد السوداني بسبب الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023، والتي أدت إلى انكماش الناتج المحلي بنحو 40 في المئة، وفقدان أكثر من 60 في المئة من معيلي الأسر لمصادر دخلهم.
وارتفعت تكاليف المعيشة بشكل كبير مع استمرار انخفاض الجنيه وبلوغه مستويات قياسية، حيث جرى تداول الدولار الواحد بنحو 3400 جنيه في تعاملات السوق الموازي، يوم الاثنين، مقارنة مع نحو 600 جنيه قبل اندلاع القتال.
تدهور مريع
بسبب انفلات الأسعار وخروجها عن سيطرة المستهلك العادي، تتزايد أعداد الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع بشكل خطير، حيث ارتفعت معدلات الفقر إلى أكثر من 70 في المئة بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
وتخطت مستويات الفقر الحدود العادية للفقر التي يصنف ضمنها كل من يتقاضون أقل من دولارين في اليوم، في حين تراجعت قيمة أجور معظم العاملين في الدولة إلى أقل من دولار ونصف.
ويعزي الخبير المالي عمر سيد أحمد الانفلات الراهن في الأسعار إلى تداخل عدة عوامل هيكلية وظرفية، من بينها انهيار الجنيه حيث فقدت العملة أكثر من 80% من قيمتها في السوق الموازي، مما أدى إلى ارتفاع شامل في أسعار السلع المستوردة تقريبًا، بما في ذلك الوقود والقمح والدواء.
ويقول سيد أحمد لموقع سكاي نيوز عربية إن اضطراب سلاسل الإمداد والإنتاج انعكس سلبا على استقرار الأسواق، مشيرا إلى أن الحرب عطّلت حركة النقل بين الولايات، وقطعت خطوط الإمداد الرئيسية، ما خلق ندرة في السلع حتى المنتجة محليا، وفتح الباب أمام المضاربة وارتفاع الأسعار.
ويلفت سيد أحمد أيضًا إلى فقدان الدولة أدوات الضبط، موضحًا: "فقد بنك السودان المركزي السيطرة على السياسة النقدية وسوق الصرف، في ظل تعدد مراكز القوى الاقتصادية، وغياب الرقابة الحكومية على الأسواق، كما لجأت إلى تمويل نفقاتها عبر التوسع في طباعة العملة، وهو ما غذى معدلات التضخم بشكل متسارع، وزاد من تآكل القوة الشرائية للأجور".
ويصف سيد أحمد الوضع المعيشي الحالي بأنه "حلقة تضخم مفزعة ناجمة عن انهيار العملة وارتفاع الأسعار وتآكل الأجور وضعف الإنتاج".
إفرازات خطيرة
يرى مراقبون أن انتشار جرائم السرقة والنهب والقتل وغيرها من الظواهر السالبة هو أحد أخطر إفرازات التدهور المعيشي الحالي.
ويحذر عثمان فضل الله، رئيس تحرير صحيفة "أفق جديد"، من أن يؤدي اتساع الفجوة بين الأجور وتكاليف المعيشة إلى مفاقمة التوترات الاجتماعية.
ويوضح في حديث لموقع سكاي نيوز عربية: "في ظل هذا الوضع، يتزايد الشعور بالإحباط والغضب بين الفئات العاملة، مما يخلق بيئة خصبة للاحتجاجات والاضطرابات الاجتماعية، كما تتزايد جرائم السرقة والنهب بسبب عدم قدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم الأساسية".
ويشير فضل الله إلى أن الأوضاع المعيشية الحالية تعمّق الفجوة الطبقية وتنعكس سلبًا على الاستقرار السياسي والأمني، مما يزيد من صعوبة إيجاد حلول مستدامة للصراعات الداخلية.