في ظل تحولات اقتصادية عالمية عميقة وسياق دولي موسوم بارتفاع تكاليف التمويل وتشديد السياسات النقدية، يبرز ملف الدين الخارجي لتونس كأحد الملفات الاستراتيجية لضمان استدامة المالية العمومية وتعزيز صلابة الاقتصاد الوطني.
و رغم الزيادة المسجلة في حجم الالتزامات الخارجية خلال السنوات الأخيرة نتيجة تسريع دعم الميزانية، تؤكد المعطيات الرسمية وعدة تقييمات محلية ودولية أن مستويات الدين تبقى ضمن حدود قابلة للتحكم، بفضل الإصلاحات المالية المتواصلة واعتماد مقاربة متدرجة للتحكم في عجز الميزانية وتوجيه التمويلات نحو مشاريع مدرة للعملة الاجنبية تعزز قدرة الاقتصاد على الصمود وكسب ثقة المؤسسات الدولية.
و بينت، في هذا الصدد، احدث المؤشرات النقدية والمالية المحنية والصادرة عن البنك المركزي التونسي، تراجع خدمة الدين الخارجي المتراكمة بنسبة 13،8 بالمائة بين عامي 2024 و2025 (إلى غاية 20 ديسمبر) منتقلة من 14 مليار دينار إلى 12 مليار دينار.
و تشير المعطيات المفصح عنها من قبل مؤسسة الاصدار ان إجمالي مداخيل الشغل والعائدات السياحية قادر على تغطية خدمات الدين الخارجي المتراكمة بنسبة 135،9 بالمائة، وهو ما ساهم في استقرار الموجودات الصافية من العملة الأجنبية عند مستوى 25 مليار دينار أي ما يعادل 108 أيام توريد.
في نفس السياق، سجل حجم الدين الخارجي للدولة انخفاضا ملحوظا من 66874 مليون دينار، سنة 2023 إلى 62539 مليون دينار سنة 2024، ومن المنتظر أن يتواصل انخفاض الدين الخارجي إلى 56971 سنة 2025 و56486 مليون دينار سنة 2026، حسب تقرير لوزارة المالية.
و في هذا الاطار، تؤكد البيانات المالية بوضوح ان الدين الخارجي لتونس يظل في مستويات قابلة للاستدامة وفق المعايير المعمول بها دولياً باعتبار انها مستويات يمكن التحكم فيه في ظل استمرار إصلاح المالية العمومية واستقرار الإطار الاقتصادي الكلي. وتسير البلاد، بشكل عام، في مسار تدريجي لخفض عجز الميزانية، مستفيدة من توقعات تضخم منخفض وسياسة نقدية مستقرة، وهو ما يمنح هامشاً مناسباً لإعادة التمويل والتصرف في آجال الاستحقاقات دون ضغوط على المالية العمومية.
هذا وتقوم استراتيجية البلاد في مجال الاقتراض الخارجي أساساً على تعبئة التمويلات الميسرة وطويلة الأجل من المؤسسات المالية الاقليمية والشركاء الثنائيين، إلى جانب توسيع استخدام أدوات تمويل مبتكرة، بهدف تمويل مشاريع البنية التحتية والماء والطاقة بطريقة متوازنة تحافظ على التوازنات المالية وتسهم في تحقيق التنمية.
و يكمن مفتاح الاستدامة على نحو خاص في ربط الدين بمشاريع تُولد ايرادات بالعملة الاجنبية، وهو ما تبرزه جهود السلط المالية الوطنية في تطوير قطاعات الفسفاط والاستثمار الخارجي والطاقات المتجددة والسياحة واللوجستيك، والتي تمثل روافع أساسية لخلق تدفقات خارجية مستدامة ولتعزيز قدرة الاقتصاد الوطني على خدمة الدين على المدى المتوسط والبعيد.
لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب
المصدر:
الرقمية