سفينة ترامب تتلقى الضربات من كل الجهات، لكن ما يشغل باله فعليًا هو فرنسا، وتحديدًا عاصمتها باريس، المدينة الأكثر زيارة في العالم.
الرئيس الأمريكي مولع بها حد الهوس، وإن كان لن يعترف بذلك صراحة.
فهو يكرر أنه «يكره» ما يجري في باريس، وقد سبق أن هاجم بعنف حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في العاصمة الفرنسية، واصفًا إياه بـ«المستيقظ أكثر من اللازم» (woke). غير أن نظراته خلال أول زيارة رسمية له في جويلية 2017 فضحت افتتانه بـ«مدينة النور» — في حين انشغل الباريسيون آنذاك بدهشتهم من ضحالة ثقافة الرئيس الجمهوري.
و قد عبّر ترامب علنًا في تلك المناسبة عن غيرته من العرض العسكري لعيد 14 جويلية، وحاول تقليده في واشنطن في جوان 2025، لكن المحاولة انتهت بفشل ذريع.
و هذه المرة، يطمح إلى ما هو أكثر رمزية: قوس النصر الباريسي.
عاد ترامب إلى العاصمة الفرنسية في ديسمبر 2024 لحضور إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام بعد الحريق الذي دمّرها، لكن اهتمامه هذه المرة كان دنيويًا بحتًا.
فقد وضع نصب عينيه المعلم الباريسي الذي أمر ببنائه نابليون بونابرت في مطلع القرن التاسع عشر.
ترامب يريد نسخته الخاصة، على أن «تتفوق من جميع النواحي» على أحد أبرز رموز فرنسا التاريخية.
هكذا، وبعد قاعة الرقص التي كلفت 250 مليون دولار، تولد هوس جديد لدى ساكن البيت الأبيض. وقد أعلن ذلك صراحة مساء الأحد 14 ديسمبر خلال حفل الاستقبال السنوي لنهاية العام. بل إنه حدد بالفعل الموقع المثالي للمشروع: بالقرب من جسر أرلينغتون، مقابل نصب لنكولن التذكاري.
و بحسب ما أوردته صحيفة لو باريزيان، أُسند الملف إلى فينس هايلي، رئيس السياسات الداخلية، ليصبح المشروع «الأولوية رقم واحد» لرئيس يُفترض أن ينشغل بملفات وطنية ملحة، مثل التعليم، والصحة، والهجرة، والبيئة، والسكن. لكن «الملك ترامب» نطق بالحكم، والنقاش انتهى. خطوة من شأنها أن تغذي غضب ملايين الأمريكيين الذين خرجوا للتظاهر ضده يوم 18 أكتوبر الماضي.
الرئيس الملياردير لا يتراجع قيد أنملة. فقد أكد أن العاصمة الأمريكية «هي المدينة الوحيدة في العالم بهذا الحجم التي لا تملك قوس نصر (…) القوس الأكثر شهرة هو ذاك الموجود في باريس، بفرنسا.
لكننا سنتجاوزه، وبفارق كبير، على ما أعتقد»، مضيفًا: «الشيء الوحيد الذي يملكونه هو التاريخ. 1860، أو ما شابه ذلك… أقول دائمًا إن التاريخ هو الشيء الوحيد الذي لا يمكنك منافسته. لكن سيكون لنا تاريخنا نحن أيضًا، في مرحلة ما».
«قوس ترامب»… ولمَ لا؟ طالما الأمر كذلك، لماذا لا تُستنسخ أيضًا برج إيفل، أو مسلة الأقصر (التي أهدتها مصر إلى فرنسا)، أو جسر الفنون، وغيرها؟ فالإرث الثقافي، والذاكرة الحضارية، و«التاريخ» — كما يسميه الرئيس الأمريكي — لا تُشترى كما تُشترى سلعة عادية. وربما يعتقد ترامب أنه بعد عقود، أو بعد قرن من الزمن، سيُنظر إلى «عمله» بعين مختلفة. إنها طريقته الخاصة في صناعة التاريخ وترك بصمته، طريقة غريبة بلا شك، لكنها تبقى محاولة لفرض حضور دائم.
لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب
المصدر:
الرقمية