بدل أن يوجّه سهامه نحو الديمقراطيات الأوروبية (فأمريكا دونالد ترامب تزداد ابتعاداً عن الديمقراطية)، و بدل أن يساعد روسيا على تمزيق أوكرانيا و أوروبا، كان يجدر بالرئيس الأمريكي أن يهتم بالنار المستعرة في بلاده.
فالحريق اقتصادي و مالي، بسبب عجز عمومي لا مثيل له في العالم، و هو أيضاً اجتماعي، نتيجة الرسوم الجمركية التي يقول الجمهوري إنها درّت عليه نحو 400 مليار دولار، لكنها رفعت في الوقت نفسه كلفة الواردات وأجّجت التضخم.
و مشكلة ترامب سياسية أيضاً، بفعل خيارات و توجهات غير عقلانية بالمرة، نزل ضدها ملايين الأمريكيين إلى الشارع يوم 18 أكتوبر الماضي.
و تطور آخر يدل على أن الوضع ينذر بالخطر بالنسبة لترامب.
فقد فازت الديمقراطية إيلين هيغينز أمس الثلاثاء 9 ديسمبر برئاسة بلدية ميامي في فلوريدا؛ إذ سحقت المرشح الجمهوري المدعوم من الرئيس ترامب.
لتنهي بذلك نحو ثلاثة عقود من النكسات لحزبها، وتعيد الاعتبار لصورة الديمقراطيين في واحدة من آخر المعارك الانتخابية قبل انتخابات منتصف الولاية (midterm) لعام 2026. كل ذلك يفوح منه رائحة الاحتراق والهزيمة لساكن البيت الأبيض في نوفمبر 2026.
و تبلغ السيدة هيغينز 61 عاماً، وستكون أول امرأة تتولى قيادة مدينة ميامي.
و قد كثر حديثها عن هذه المدينة ذات الأغلبية الناطقة بالإسبانية، خصوصاً عندما كانت تشن هجوماً لاذعاً على سياسة ترامب المتشددة في ملف الهجرة.
و كانت قد صرّحت بأن العديد من المواطنين في ميامي باتوا قلقين على أفراد من عائلاتهم زُجّ بهم خلف القضبان، إثر مداهمات عشوائية وعمياء لا تمييز فيها. رئيسة بلدية ميامي الجديدة ستحمل صوت هؤلاء.
و جدير بالتذكير أن الإقامة الرئيسية لترامب، مارالاغو، تقع في فلوريدا، في إطار طبيعي ساحر على شاطئ البحر.
و قد اتخذ الرئيس الأمريكي منها مقراً له منذ سنة 185، وراح يمزج فيها، في خلطة لا تخلو من الشبهات، بين شؤون الدولة وأعمال العائلة التجارية؛ وغالباً ما ترجح كفة الأعمال الخاصة على المصالح العليا للأمة.
خلال حملتها الانتخابية رفعت السيدة هيغينز بفخر ألوان الحزب الديمقراطي، رغم أن ترشحها كان رسمياً غير حزبي. ونصرها هذا يرفع معنويات الديمقراطيين إلى أقصى حد في أفق استحقاق منتصف الولاية.
فقد سحقت مرشح ترامب، إميليو غونزاليس، المدير البلدي السابق، بفارق يناهز 19 نقطة مئوية.
و كان الديمقراطيون في حالة شلل منذ هزيمتهم القاسية في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024، وربما يكون هذا بداية نهاية حالة الخمول…
يُضاف إلى ذلك انتكاسة مرشح الرئيس الأمريكي في «مدينته» نيويورك، أمام اشتراكي يكرهه ترامب، ويبادله الشعور نفسه. كل هذا كثير على الجمهوري.
و سيكون من الأفضل له أن يبدأ في شحذ أسلحته تمهيداً لهجوم مضاد، بدل أن يغرق في مشاريع جنونية من قبيل دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا بهدف تفجير القارة العجوز من الداخل.
«نحن نواجه خطاباً يصدر عن مسؤولين منتخبين، خطاباً لا إنسانيّاً وقاسياً إلى حد بعيد، خاصة تجاه فئات المهاجرين»، قالت السيدة هيغينز لوكالة «أسوشييتد برس» بعد خطاب النصر. وأضافت: «سكان ميامي كانوا مستعدين لوضع حد لذلك»…
و الأمريكيون عموماً، في سائر أنحاء البلاد، قد يغريهم هم أيضاً قلب الطاولة، بعدما راهنوا على ترامب إثر الفشل الذريع لحملة كامالا هاريس.
صحيح أن الديمقراطيين ما زالوا في طور استعادة توازنهم، لكن انتصارين مدوّيين في اثنتين من أبرز مدن البلاد يمنحانهم أجنحة.
و قد تلقى ترامب التحذير : كي ينجو من العاصفة الانتخابية المقبلة، سيكون عليه أن يعيد تركيز اهتمامه على مشكلاته الداخلية، بدل التصرّف كـ«سيّد العالم».
لمتابعة كلّ المستجدّات في مختلف المجالات في تونس
تابعوا الصفحة الرّسمية لتونس الرّقمية في اليوتيوب
المصدر:
الرقمية