في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
يعيش المجتمع الأميركي حالة استقطاب حادة عززها الانقسام السياسي بشأن عدة قضايا وملفات حساسة، وهو ما ظهر جليا في ردود الأفعال على اغتيال الناشط اليميني تشارلي كيرك في العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي أثناء فعالية جماهيرية في جامعة يوتا (جنوب غرب البلاد).
ويرى الكاتب مارك إدموندسون في مقال بنيويوك تايمز بعنوان "لماذا يختلف الأميركيون حول كل شيء؟"، أن الانقسام في صفوف الأميركيين يزداد عمقا، واستشهد بنتائج استطلاع رأي أجرته صحيفة تايمز/سيينا وأظهر زيادة حادة في عدد الأشخاص الذين يعتقدون أن أميركا وصلت إلى حالة استقطاب متقدمة بحيث أصبح من الصعب أن تحل البلاد مشاكلها بشكل توافقي.
وعلق إدموندسون على تلك النتائج بالقول إن المرء لا يحتاج إلى استطلاع رأي ليعرف ما يسود من انقسام بين الأميركيين، ودعا القارئ إلى النظر في انتشار طريقة التفكير السائدة لدى الناس وهي مبنية على التفكير الثنائي، أي الشيء ونقيضه.
وتوقف إدموندسون عند مقتل تشارلي كيرك (34 عاما) وقال إن الكثير ممن يعرفهم عن قرب بادروا سريعا إلى إيجاد ما يبرر اغتيال كيرك، وعثروا في تصريحاته ما يثبت في نظرهم أنه عنصري ويدعو للتمييز.
وخلال حفل تأبين كيرك، اتضحت جليا حالة الانقسام الذي تعرفه أميركا؛ إذ جاهر الرئيس دونالد ترامب في كلمة بالمناسبة باختلافه مع كيرك في التعامل مع الخصوم، وقال إن كيرك "لم يكره خصومه، بل أراد لهم الأفضل. وهنا اختلفتُ مع تشارلي. أنا أكره خصومي، ولا أريد لهم الأفضل".
وعلق الكاتب على ذلك التصريح بالقول إن الرئيس ترامب ينظر إلى الأمور وفق مبدأ التفكير الثنائي: إذا لم تكن صديقا، فأنت عدو، وإن كنت عدوا، فلن تكون صديقا أبدا.
التفكير بمنطقة الثنائيات المتناقضة فيه نوع من الاستسلام لما سماه عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد "نرجسية الاختلافات البسيطة" التي تضمن الحفاظ على تلك الثنائيات.
ولاحظ الكاتب أن الثقافة الأميركية تعج بالثنائيات كما هو الحال في الساحة السياسية حيث يوجد حزبان رئيسيان (الحزب الديمقراطي ونظيره الجمهوري) وهما في حالة تعارض دائم، وعندما تحاول مجموعة ما تأسيس حزب ثالث يتم تعطيله فورا.
وتنطبق حالة الانقسام أيضا على الساحة الرياضية، ويقول الكاتب بشأنها إنها أكثر الأنشطة استقطابا وهي محكومة بمنطق الفائز والخاسر ولسان الحال يقول: شجع فريقك بقوة، وسيقضي الشيطان على الفريق الخصم.
ويرى إدموندسون وهو مؤلف "عصر الذنب: الأنا الأعلى في العالم الإلكتروني" أن التفكير بمنطقة الثنائيات المتناقضة فيه نوع من الاستسلام لما سماه عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد "نرجسية الاختلافات البسيطة" التي تضمن الحفاظ على تلك الثنائيات.
ورغم ذلك، يميل الكاتب إلى الإقرار بأن التفكير الثنائي ليس دائما مُدمرا ومثيرا للصراع، بل بإمكانه أن يساعدنا أحيانا على توضيح المواقف المُعقدة وعلى تحديد توجهاتنا واتخاذ القرارات المناسبة.
واستشهد إدموندسون بالفيلسوف الفرنسي الراحل جاك دريدا الذي كان معارضا شديدا للتفكير الثنائي، وحاول تفكيكه لأنه يدفع المرء دائما إلى المعارضة في كل مكان وهو ما قد يؤدي بسهولة إلى العنف.
وأكد دريدا على حرية العقل ودعا إلى تفكير لا يقوم على توتر الأضداد، بل على تقاربها وارتباطها الغني.
وخلص الكاتب إلى أن التفكير الثنائي لا ينبغي أن يكون أسلوب تفكيرنا الوحيد بل الأجدر هو التحلي بروح الفضول وعدم إصدار الأحكام، وقال "نملك جميعا نفس الروح، هذه النظرة لا تُثير المعارضة أو الصراع، بل تتقبل ما يعترضها دون انحياز أو إثارة الفتنة".