فرحة عارمة سادت منزل الناشط المصري المعارض علاء عبد الفتاح بعد الإفراج عنه ضمن 6 آخرين وعودته، إثر قرار العفو الرئاسي عنه ضمن مجموعة من السجناء المحكومين.
ونشرت شقيقته منى سيف صوراً له في منزله في مصر بصحبة أسرته ووالدته الأكاديمية والناشطة المصرية ليلى سويف التي عانت من أجل الإفراج عنه، حيث أنهت في يوليو تموز الماضي إضراباً عن الطعام استمر 10 أشهر للمطالبة بالإفراج عن نجلها المسجون منذ أكثر من خمس سنوات لاتهامه بنشر أخبار كاذبة، وهو الاتهام الذي تقول منظمات حقوقية إنه "ذو دوافع سياسية".
جاء قرار العفو عن عبد الفتاح بعد توجيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للجهات المعنية منذ نحو أسبوعين، بدراسة الالتماس الذي تقدم به المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي يعين مجلسه رئيس الوزراء المصري، أوائل الشهر الجاري بشأن الإفراج عن عبد الفتاح وعدد من المحكومين.
وكانت محكمة مصرية قد رفعت في يوليو/تموز الماضي، قبل هذه الخطوة، اسم عبد الفتاح من قوائم الإرهاب. وكان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قد ناشد الرئيس السيسي في وقت سابق من هذا العام إطلاق سراح عبد الفتاح الذي يحمل الجنسية البريطانية.
لاقى قرار العفو عن عبد الفتاح ترحيباً كبيراً على مختلف المستويات، إذ رحبت به وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر، وقالت عبر حسابها على موقع إكس، إنها تتطلع إلى عودته إلى المملكة المتحدة، ليلتقي بعائلته.
كما أشادت لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب المصري بالقرار، واعتبرته استجابةً محمودة لمناشدات حقوقية.
ورحب المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر بقرار العفو الرئاسي عن علاء عبد الفتاح وباقي المجموعة المفرج عنها.
وقال المجلس في بيان، إن هذا القرار يعتبر تجسيداً عملياً لإعمال الصلاحيات الدستورية المخولة لرئيس الجمهورية، وخطوة تعكس اتجاهاً متنامياً لتعزيز مقومات العدالة الناجزة، واحترام الحقوق والحريات الأساسية.
وجدد المجلس التزامه بمواصلة تقديم توصيات ومقترحات عملية للسلطات المختصة، بشأن تطوير السياسات العقابية، وتوسيع نطاق بدائل العقوبات المقيدة للحرية، وضمان احترام الضمانات الدستورية والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها مصر.
تواجه الحكومة المصرية انتقادات حادة بسبب أوضاع حقوق الإنسان في مصر من قبل منظمات حقوقية تتهمها بالتعسف في استخدام الحبس الاحتياطي، وتدهور أوضاع السجون، والتعذيب والإخفاء القسري، وهو ما تنفيه مصر دائماً دافعة بقيامها بخطوات إيجابية منها تفعيل لجنة للعفو الرئاسي عن المحبوسين سياسياً أواخر 2023 والتي ساهمت في الإفراج عن المئات منهم.
يقول محمد زارع الباحث في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إنه سعيد جداً بالعفو الرئاسي عن علاء عبد الفتاح، لكنه يرى أنه قرار تأخر كثيراً، وهذا التأخير صاحبه كلفة وعبء كبير على أسرة علاء، معرباً عن أمله في الإفراج عن باقي سجناء الرأي، والكف عن ملاحقة نشطاء الرأي ومعارضي الحكومة، على حد تعبيره.
بينما يرى الكاتب الصحفي أشرف العشري مدير تحرير جريدة الأهرام، أن هذا القرار يأتي في إطار المراجعات الدورية التي تقوم بها الدولة المصرية، واستجابة سريعة لمناشدة المجلس المصري لحقوق الإنسان، كما يرى أن هناك درجة كبيرة من إعادة النظر في كثير من الأمور التي تتعلق بحقوق الإنسان في مصر، خاصة أن هناك استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان في السنوات الثلاث الماضية، وأن هذه الاستراتيجية وضعت خطوطاً عريضة وركائز أساسية يمكن التعامل معها، خاصة أن القاهرة أصبح لديها ملف جاهز سنوياً يتم التعاطي معه فيما يتعلق بمجلس حقوق الإنسان في جنيف، بحسب تعبيره.
يختلف الباحث محمد زارع مع هذه الرؤية، إذ يرى أنه لا يوجد تحسّن في ملف حقوق الإنسان، وخاصة ملف سجناء الرأي في مصر، وأنه ليست هناك استراتيجية لدى الدولة لتحسين هذا الملف، بالرغم من عدم تصديق الرئيس السيسي على قانون الإجراءات الجنائية المثير للجدل ورده لمجلس النواب لإعادة النظر في المواد محل الخلاف، مشيراً إلى أن الإفراجات عن سجناء الرأي محدودة جداً، وما زال عدد كبير داخل السجون، حتى ما سُميت باستراتيجية حقوق الإنسان التي أطلقتها الدولة في 2022 لم يتحقق منها شيء حتى الآن، وقد اقتربت على الانتهاء، بحسب وصفه.
عانت مصر طيلة السنوات الماضية من مطالبات دولية بتحسين ملف حقوق الإنسان وسجناء الرأي، كان آخرها دعوة مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الشهر الماضي، السلطات المصرية إلى وضع حد لممارسة تسمح باحتجاز منتقدي الحكومة بشكل تعسفي ولفترات طويلة، حتى بعد قضائهم مدة عقوبتهم أو بلوغهم الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، بحسب بيان للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
يوضح مدير تحرير جريدة الأهرام أن قرارات العفو الأخيرة بالتزامن مع الموقف من قانون الإجراءات الجنائية، تمثل رسالة للمجتمع في مصر والمجتمع الدولي وأيضاً للمنظمات الحقوقية الدولية، بأن هناك مساراً جديداً في مصر، فيما يتعلق بكل القضايا التي كانت محل انتقاد في السنوات الماضية، وأن القيادة المصرية تريد أن تفتح صفحة جديدة، ويشير إلى أنها تلعب دوراً كبيراً في إنعاش أو إحداث تطوير لمسار الحياة السياسية في مصر.
فيما يشير زارع إلى القرارات الأخيرة لم تأتِ إلا بعد ضغوط كبيرة سواء من الداخل أو الخارج، كالضغوط الدولية في قضية علاء عبد الفتاح على سبيل المثال ومثابرة أسرته وخاصة والدته، وكذلك ضغوط مورست على الحكومة البريطانية، للمطالبة بالإفراج عنه باعتباره حاملًا للجنسية البريطانية.
ويقول زارع إن الممارسات القمعية لم تنتهِ، إذ يتم الإفراج عن نشطاء واستمرار حبس الكثيرين غيرهم، فضلاً عن إلقاء القبض على نشطاء جدد.
وهي اتهامات تنفيها الحكومة المصرية طوال الوقت، نافية وجود سجناء سياسيين في مصر، ومؤكدة في مناسبات سابقة، على استقلال القضاء وعدم تسييس الأحكام القضائية، إلى جانب احترام حرية الرأي والتعبير في البلاد.