آخر الأخبار

تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز يكشف كيف غطّى نظام الأسد جرائمه وأخفى أدلة التعذيب والقتل

شارك

كشف تحقيق موسّع نشرته نيويورك تايمز أن أجهزة نظام بشار الأسد نفذت، خلال السنوات الأخيرة من الحرب السورية، عملية منهجية لإخفاء أدلة التعذيب والقتل داخل مراكز الاحتجاز، في مسعى منظم لطمس مصير أكثر من مئة ألف سوري اختفوا قسرًا في سجون سرية، وذلك بعد عام كامل على سقوط النظام وبقاء عائلات الضحايا بلا إجابات.

وأفاد التحقيق، الذي أعدّته الصحفية كريستينا غولدباوم من دمشق ونُشر في 30 كانون الأول/ديسمبر 2025، بأن أجهزة الأمن التابعة للنظام البائد احتفظت بسجلات تفصيلية لكل معتقل، وهي دفاتر وقيود كانت تُعدّ الأمل الأخير لعائلات المفقودين لمعرفة مصير أبنائهم بعد انهيار السلطة، غير أن تلك السجلات نفسها تعرّضت للتلاعب والإخفاء المتعمد في إطار خطة عليا لإعاقة أي مساءلة لاحقة.

وقالت الصحيفة إن فريقها راجع على مدار عام آلاف الصفحات من وثائق حكومية داخلية، شملت مذكرات مصنفة “سرية للغاية” متبادلة بين كبار ضباط الأمن، كما أجرى مقابلات مع أكثر من خمسين مسؤولًا أمنيًا وسياسيًا سابقًا، بينهم محققون، وحراس سجون، وأطباء شرعيون، وعمال مقابر جماعية، جميعهم عملوا داخل منظومة النظام البائد.

تحوّل في أسلوب التستّر بعد انكشاف الجرائم

وأوضح التحقيق أن قيادة النظام انتقلت، مع تصاعد الأدلة الدولية على الانتهاكات، من سياسة إنكار الجرائم والتشكيك في التقارير الحقوقية إلى نهج أكثر فاعلية يقوم على محو الأدلة أو تزويرها أو إخفائها بالكامل. وأشارت الصحيفة إلى أن أول صدمة كبرى تلقاها النظام وقعت عام 2014، عندما سرّب مصور الشرطة العسكرية المنشق المعروف بالاسم الحركي Caesar أكثر من ستة آلاف صورة لجثث معتقلين قضوا تحت التعذيب، وهي الصور التي خرجت إلى العالم وكشفت حجم الجرائم داخل مراكز الاحتجاز.

وبيّنت الوثائق، بحسب الصحيفة، أن كبار المسؤولين حينها حاولوا الطعن بمصداقية المصور والادعاء بأن عددًا من الجثث تعود لمقاتلين قُتلوا في المعارك أو لموقوفين جنائيين، إلا أن هذا الخطاب تغيّر ابتداءً من عام 2018، عندما خلصت الدوائر العليا إلى أن الإنكار لم يعد مجديًا، فصدرت توجيهات مباشرة بالعمل على طمس الأدلة ذاتها.

تزوير السجلات واختلاق اعترافات بعد الوفاة

وأورد التحقيق أن بعض الأفرع الأمنية غيّرت، بدءًا من عام 2019، آليات توثيق الوفيات في محاولة لعزل نفسها عن أي تتبع قانوني، حيث بدأت أفرع بإرسال جثث المعتقلين إلى مشافي عسكرية من دون أرقام فروعها أو بيانات تعريفية أساسية. ونقلت الصحيفة عن محققين في الفرع 248 أن إدارتهم أوقفت إرسال رقم الفرع مع الجثث، فيما أكد محققون في ما يُعرف بفرع فلسطين، إلى جانب عامل في أحد المشافي العسكرية، أن الفرع حذف كذلك أرقام السجناء بالكامل.

وفي ما يتعلق بالمعتقلين الذين قضوا في السنوات السابقة، قالت الصحيفة إن أوامر صدرت من مستويات عليا بإنشاء اعترافات مكتوبة مزوّرة تُنسب للضحايا بعد وفاتهم وتُؤرخ بأثر رجعي، تتضمن في بعض الحالات إقرارات بالانتماء إلى “تنظيمات إرهابية دولية”، في محاولة لتبرير القتل داخل السجون وإضفاء غطاء قانوني شكلي عليه.

نقل جثث من مقبرة جماعية قرب القطيفة

وتطرّق التحقيق إلى مسعى آخر لإخفاء الأدلة، تمثّل بالتعامل مع مقبرة جماعية قرب مدينة قطيفا بريف دمشق كانت قد كُشفت للعالم عبر صور أقمار صناعية. وذكرت الصحيفة أن مسؤولين حكوميين شرعوا عام 2019 في نقل جثث معتقلين دُفنوا هناك إلى موقع جديد وسري في بادية قريبة من دمشق، في عملية استمرت نحو عامين، وكانت Reuters قد كشفت تفاصيلها لأول مرة في تشرين الأول/أكتوبر.

التعذيب استمر بلا أي تغيير

ورغم كل الجهود المبذولة لإخفاء الجرائم، أكدت نيويورك تايمز أن التعذيب داخل الأفرع الأمنية استمر بالوتيرة ذاتها. ونقلت عن ثمانية محققين سابقين قولهم إنهم لم يتلقوا أي تعليمات تخفف من أساليب التعذيب، حتى بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات عام 2019 بهدف ردع الانتهاكات.

وأضاف محققون في جهازين أمنيين، وفق الصحيفة، أن تدهور الوضع الاقتصادي وانهيار قيمة رواتبهم دفع بعض العناصر إلى مزيد من القسوة، تعبيرًا عن غضبهم من الأوضاع المعيشية، في وقت سادت فيه مخاوف متزايدة داخل الأجهزة من أن يؤدي الإفراج عن المعتقلين إلى كشف تفاصيل ما تعرضوا له أمام منظمات حقوق الإنسان.

وختم التحقيق بالإشارة إلى أن هذا الخوف من انكشاف الحقيقة شكّل دافعًا إضافيًا لاستمرار الاحتجاز والتعذيب، حتى في اللحظات التي كان فيها النظام البائد منشغلًا بإخفاء آثار جرائمه، ما جعل عائلات المفقودين، بعد سقوطه، تصطدم بحقيقة أن الإجابات التي انتظرتها سنوات طويلة جرى محوها عمدًا من السجلات.

شبكة شام المصدر: شبكة شام
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا