يقوم بعض الأزواج بعد الطلاق بممارسة أشكال من التعنيف النفسي ضد زوجاتهم السابقات، من خلال حرمانهن من رؤية الأطفال أو تعطيل ترتيبات الزيارة، إضافةً إلى محاولة إقناع الأطفال بأن أمهم تخلّت عنهم ولا تحبهم، بهدف الضغط عليها نفسياً والانتقام منها لاتخاذها قرار الطلاق.
عادةً ما يقدم بعض الأزواج على هذه الممارسات بدوافع متعددة، من أبرزها معاقبة الزوجة على قرار الانفصال، واستخدام الأطفال كوسيلة للضغط والتأثير العاطفي، والرغبة في السيطرة والهيمنة بعد الطلاق، إضافة إلى الدافع الانتقامي وضعف الوعي بحقوق الأطفال والأمهات.
تروي سحر العمر، 36 عاماً، أمٌّ لأربعة أطفال ومطلّقة منذ نحو خمس سنوات، تقيم في ريف إدلب الشمالي، أنها انفصلت عن زوجها بسبب معاملته القاسية، مضيفة أنه بعد الطلاق صار يحرِمها من رؤية أطفالها؛ إذ كان في البداية يسمح لهم بزيارتها مرة واحدة أسبوعياً في محاولة لدفعها إلى العودة إليه، لكنه عندما لمس إصرارها توقّف عن إرسالهم نهائياً.
وتتابع أن زوجها كان يعيد الهدايا والملابس التي كانت ترسلها للأطفال، كما كان يهددهم بعدم السلام عليها إذا صادفوها في الشارع أو رؤها سراً، الأمر الذي أدخلها في حالة عميقة من الحزن والقلق على أبنائها.
كما تروي رانيا العيسى تجربتها، وتقول إنها كانت تقيم في تركيا عندما حصل الطلاق، بينما عاد زوجها إلى سوريا مصطحباً طفليهما. وتضيف أنها فوجئت لاحقاً بأن الطفلين أصبحا يرفضان التواصل معها أو التحدّث عبر مكالمات الفيديو، رغم محاولاتها المتكررة للاطمئنان عليهما.
وتشير إلى أنها عندما طلبت من أقاربها في سوريا زيارة الطفلين وطمأنتها عنهما، رفض الطفلان استقبال الزيارة أو الجلوس مع أقاربها، الأمر الذي أشعرها بمرارة شديدة وحسرة على ابتعادهما عنها.
وأمام هذه الشهادات وما تحمله من ألمٍ إنساني، يبرز الأثر النفسي لهذه التجارب بوضوح. وفي تصريح خاص لشبكة شام الإخبارية، يقول براء الجمعة، المختص في الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي، في مجتمعنا، إن الأمومة ليست مجرد دور اجتماعي، بل هي الحبل السري الذي يربطنا بالحياة وبالتوازن النفسي. لذا، حين نرى أماً تُحرَم من أطفالها أو تُشوّه صورتها في عيونهم، فنحن لا نتحدث عن مشكلة قانونية عابرة، بل عن جريمة صامتة تُرتكب بحق الإنسانية.
ويضيف الجمعة أن هذا الحرمان يترك الأم في حالة من 'الذهول الوجداني'؛ فهي تعيش فُقداً موجعاً لأطفالٍ ما زالوا على قيد الحياة، لكنهم محاصرون خلف جدرانٍ من التشويه والتحريض. هذا العجز عن ممارسة دور الحماية والرعاية الفطري يخلق داخلها صراعاً مريراً بين حبها الذي لا ينضب، وبين ذنبٍ وهمي يُزرع بداخلها قسراً، مما قد ينتهي بها إلى عزلة خانقة أو انكسار نفسي يصعب جبره.
ويردف أن ما يحدث هنا هو عنف عاطفي منظّم لا يهدف فقط لكسر الأم، بل يغرس في نفوس الأطفال بذوراً من التشتت والضياع، لأنهم يُجبَرون على كرهِ نبع أمانهم الأول. الجروح التي يتركها هذا الحرمان غائرة، ولا تُداوى بالصمت.
ويؤكد في ختام حديثه: "نحن بحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى وعي مجتمعي يحمي قدسية هذه الرابطة. الأمهات اللواتي يواجهن هذا الظلم لسن وحيدات، ودورنا كاختصاصيين ليس فقط توصيف الألم، بل أن نكون صوتاً يطالب بالعدالة العاطفية، وسنداً يساعدهن على الوقوف من جديد، لأن الأم حين تنكسر، ينكسر معها جيلٌ كامل".
وفي المحصّلة، يترك حرمان الأم من رؤية أطفالها أثراً نفسياً متراكماً، يضاعف شعورها بالفقد والقلق، ويضعف قدرتها على ممارسة دورها الطبيعي. كما ينعكس هذا السلوك على الأطفال أنفسهم، عبر تشويه علاقتهم بأمهم وإثارة اضطرابات عاطفية قد ترافقهم مستقبلاً.
المصدر:
شبكة شام