آخر الأخبار

لماذا أفرج عن ساركوزي، وهل يعيده "شبح" القذافي إلى السجن؟

شارك
مصدر الصورة

أفرجت محكمة الاستئناف عن الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، بعد 20 يوما قضاها في سجن لاسانتي في باريس. وأثار الإفراج عنه جدلا وتساؤلات في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، مثلما أثار إيداعه السجن ضجة إعلامية وسياسية.

حكم على ساركوزي بالسجن 5 سنوات نافذة، بعدما أدانته المحكمة الابتدائية، يوم 21 أكتوبر تشرين الأول، "بالسماح لاثنين من مساعديه" بالسعي من أجل الحصول على تمويل من نظام الزعيم الليبي السابق، معمر القذافي، لحملته الرئاسية في 2007.

وأصدر القضاة أمرا بتنفيذ الحكم فورا، وإحالة الرئيس السابق إلى السجن، على الرغم من أنه تقدم بطلب لاستئناف الحكم. وهو ما أثار موجة من التعليقات السياسية والإعلامية المنتقدة للقرار، باعتباره تجاوزا لمبدأ "براءة المتهم، حتى تثبت إدانته" في الدرجة الثانية.

فهل ناقضت محكمة الاستئناف المحكمة الابتدائية بإفراجها عن ساركوزي؟

وهل سجنت المحكمة الابتدائية ساركوزي وهو بريء في نظر القانون، بعدما استأنف الحكم؟ ولماذا لم تنظر محكمة الاستئناف في طلب الإفراج عنه قبل إيداعه السجن؟

ذكرت المحكمة الابتدائية أسباب قرارها بتنفيذ عقوبة السجن فوار على ساركوزي. وقالت إن "خطورة الجريمة" هي التي دفعتها إلى اتخاذ ذلك القرار، إضافة إلى أن الرئيس الفرنسي السابق أدين وحكم عليه بالسجن في قضية سابقة، تعرف إعلاميا باسم بيسموث أو التنصت.

ولم تنظر محكمة الاستئناف في سوابق ساركوزي القضائية، ولا في "خطورة الجريمة"، لأنها قرارها كان بشأن إجراءات تنفيذ عقوبة السجن الفوري، وليس بشأن موضوع القضية التي أدين فيها. ورأت أن الإفراج المؤقت عن الرئيس السابق هو الإجراء المناسب.

والواقع أن الادعاء العام لم يعترض على الإفراج المؤقت، بل طالب بشروط معينة لهذا الإفراج، وافقت عليها المحكمة.

مصدر الصورة

ولكن لماذا يدخل ساركوزي السجن 20 يوما، ثم يفرج عنه، إذا كان الادعاء العام لا يعترض أصلا على تأجيل تنفيذ العقوبة؟

تتعلق المسألة كلها بالإجراءات القانونية. فالمحكوم عليه بعقوبة السجن، في القانون الفرنسي، لا يمكنه أن يقدم طلبا لمحكمة الاستئناف بتعليق التنفيذ إلا بعدما يدخل السجن فعلا. وأمام المحكمة شهران للنظر في طلبه. وهو ما حدث مع ساركوزي، إذ أفرج عنه بعد ثلاثة أسابيع.

قد يبدو للبعض أن هناك تناقضا بين الحكم بالسجن على ساركوزي، في المحكمة الابتدائية، وقرار محكمة الاستئناف بالإفراج المؤقت عنه. وربما يتبادر إلى ذهن هؤلاء أن هذا دليل على أن قضاة الدرجة الثانية يميلون إلى تبرئة الرئيس الفرنسي السابق.

الحقيقة أن هذا غير صحيح. فالإفراج المؤقت قرار إجرائي بحت، ومنفصل تماما عن المحاكمة في موضوع قضية "التمويل الليبي"، التي أدين بها ساركوزي وعدد من مساعديه والمتعاملين معهم. ولا تبدأ المحكمة بالنظر في موضوع القضية إلا في شهر مارس آذار المقبل.

وفي جلسة النظر في طلب الإفراج قال ساركوزي للمحكمة من سجنه عن طريق الفيديو: "لم يكن في نيتي أن أطلب تمويلا من القذافي. ولم تخطر هذه الفكرة الجنونية ببالي أبدا". ولكن رئيس المحكمة قاطعه بالقول: "لن نخوض اليوم في موضوع القضية".

لماذا أفرجت محكمة الاستئناف عن ساركوزي إذن؟

السؤال الوحيد، الذي طرحه القضاة في هذه الجلسة، هو: هل وجود الرئيس السابق خارج السجن يعرقل إجراءات المحاكمة؟. والجواب، الذي اهتدوا إليه، هو أنه لا يعرقل المحاكمة، إذا توفرت شروط معينة.

فمحكمة الاستئناف ليس أمامها أي سند قانوني للإبقاء على ساركوزي في السجن إلا إذا تبين لها أن الإفراج عنه سيعرقل سير المحاكمة. ويكون ذلك بطمس الأدلة، أو التأثير على الشهود، أو تهديد أمنهم. وربما كان في الإفراج تهديد لساركوزي نفسه. ولم يتبين لها أي شيء من هذا.

شروط الإفراج وماذا تعني

لم يعترض الادعاء العام على الإفراج، ولكنه طالب بشروط، فرضتها المحكمة على ساركوزي، ليخرج من السجن، في انتظار محاكمته مجددا. بعض هذه الشروط اعتيادية، ومتوقعة، في مثل هذه القضايا. ولكن المحكمة فرضت شروطا خاصة على الرئيس الفرنسي السابق.

أصدرت محكمة الاستئناف في باريس يوم 10 نوفمبر تشرين الثاني قرارا بالإفراج المؤقت عن ساركوزي، بعد 20 يوما من سجنه. وكانت المحكمة الابتدائية أدانته مع عدد من مساعديه "بتشكيل عصابة أشرار"، في قضية "التمويل الليبي".

وفرضت على الرئيس السابق شروطا صارمة، مقابل الإفراج عنه، من بينها عدم الاتصال بوزير العدل، جيرالد دارمنان، والموظفين في ديوانه، ومع من يخلفه في الوزارة. وذلك من أجل سد الباب أمام مخاطر "التأثير على المحاكمة" والمساس "باستقلالية القضاء".

وذكرت أن ساركوزي سبق له أن أدين في 2021 باستغلال النفوذ في قضية بيسموث. عندما عرض امتيازات على أحد القضاة مقابل الحصول على معلومات سرية تخصه. وأدين في العام نفسه بالتمويل غير الشرعي لحملته الانتخابية لعام 2012 وحكم عليه بالسجن.

مصدر الصورة

الحقيقة أن هذا غير صحيح. فالإفراج المؤقت قرار إجرائي بحت، ومنفصل تماما عن المحاكمة في موضوع قضية "التمويل الليبي"، التي أدين بها ساركوزي وعدد من مساعديه والمتعاملين معهم. ولا تبدأ المحكمة بالنظر في موضوع القضية إلا في شهر مارس آذار المقبل.

وفي جلسة النظر في طلب الإفراج قال ساركوزي للمحكمة من سجنه عن طريق الفيديو: "لم يكن في نيتي أن أطلب تمويلا من القذافي. ولم تخطر هذه الفكرة الجنونية ببالي أبدا". ولكن رئيس المحكمة قاطعه بالقول: "لن نخوض اليوم في موضوع القضية".

لماذا أفرجت محكمة الاستئناف عن ساركوزي إذن؟ السؤال الوحيد، الذي طرحه القضاة في هذه الجلسة، هو: هل وجود الرئيس السابق خارج السجن يعرقل إجراءات المحاكمة؟. والجواب، الذي اهتدوا إليه، هو أنه لا يعرقل المحاكمة، إذا توفرت شروط معينة.

فمحكمة الاستئناف ليس أمامها أي سند قانوني للإبقاء على ساركوزي في السجن إلا إذا تبين لها أن الإفراج عنه سيعرقل سير المحاكمة، وسلامة الإجراءات، أو أنه سيؤثر على الشهود. إذا كان يشكل تهديدا على أمنهم أو أمن ساركوزي نفسه. ولم يتبين لها أي شيء من هذا.

واستفاد من الإفراج المشروط أيضا المصرفي، ناصر وهيب، البالغ مع العمر 81 عاما. ولكن المحكمة رفضت الإفراج عن الوسيط، أحمد "ألكسندر" جوهري، المحكوم عليه بالسجن 6 سنوات، وبغرامة مالية قدرها 3 ملايين يورو، لأنه لم يقدم ضمانات كافية على عدم الهروب.

وتمنع شروط الإفراج ساركوزي أيضا من الاتصال بمسؤولين وفاعلين في النظام الليبي السابق، من بينهم بشير صالح، مدير مكتب معمر القذافي. وحكم على صالح بالسجن 5 سنوات، وبغرامة مالية قيمتها 4 ملايين يورو. وأصدرت المحكمة مذكرة بتوقيفه.

مصدر الصورة

شهادة سيف الإسلام القذافي

مصدر الصورة

بعد سنوات من الصمت، تحدث سيف الإسلام القذافي، ابن الزعيم الليبي السابق، معمر القذافي، عن "تمويل حملة ساركوزي الرئاسية في 2007". وقال في حوار مكتوب مع إذاعة فرنسا الدولية، إنه أشرف شخصيا على نقل 5 ملايين يورو إلى الرئيس الفرنسي السابق.

وأوضح أن نصف المبلغ كان لتمويل الحملة الرئاسية، والنصف الثاني مقابل إسقاط التهم عن 6 ليبيين مدانين بتفجير طائرة يو تي أي الفرنسية، التي قتل فيها 170 شخصا، في 1989. وفي مقدمة المدانين، صهر القذافي ومدير مخابراته، عبد الله السنوسي.

وأضاف أن ساركوزي تطرق إلى "تمويل حملته الانتخابية" مع الزعيم الليبي، معمر القذافي، شخصيا في طرابلس في 2005، ثم أجرى مكالمة هاتفية مع السنوسي، بهذا الخصوص. ولكن الرئيس الفرنسي السابق ينفي كل هذه الاتهامات، ويصفها بأنها بدافع الانتقام.

لماذا قتل القذافي؟

تطرح إدانة ساركوزي في قضية "التمويل الليبي" العديد من التساؤلات بشأن الدور الفرنسي في الحملة العسكرية، التي أسقطت نظام معمر القذافي في 2011 من بينها ما إذا لم يكن قتل القذافي يوم 20 أكتوبر تشرين الأول بهدف "دفن أسرار" علاقته مع الرئيس الفرنسي السابق.

فبعد انتخابه رئيسا في 2007، استقبل ساركوزي الزعيم الليبي، معمر القذافي، استقبالا "تاريخيا" في باريس. ووقع معه على اتفاقيات بقيمة 10 مليارات يورو، تشمل صفقات بيع 21 طائرة إيرباص لطرابلس، ومساعدتها في تطوير الطاقة النووية.

وكانت الشركات الفرنسية في يناير 2011، بصدد تزويد ليبيا ببرمجيات متطورة، لابد أنها حصلت بشأنها على موافقة المؤسسات الأمنية والسياسية العليا في البلاد. وكان الرئيس الفرنسي يعتمد على علاقاته الجديدة مع القذافي لاستعادة نفوذ فرنسا في أفريقيا.

وفي مارس آذار 2011، شنت فرنسا بالتعاون مع بريطانيا والولايات المتحدة وإيطاليا وكندا حملة "فجر الأوديسة". وكان الهدف منها، وفق قرار مجلس الأمن الدولي، فرض حظر طيران على ليبيا لحماية المدنيين في بنغازي من "هجوم وشيك" لقوات النظام.

وخرج القذافي في أكتوبر تشرين الأول من مدينة سرت، بعد سيطرة المتمردين عليها. وتعرض موكبه في الطريق إلى غارة جوية، أصيب فيها. وظهر في صور نشرتها تلفزيونات العالم وهو مضرج بالدماء والمتمردون ينهالون عليه ضربا.

ونقل بعدها إلى مسراتة. وأعلن عن مقتله يوم 20 أكتوبر تشرين الأول. ولا يعرف إلى اليوم من قتله، ولا لماذا قتل بتلك الطريقة. ولابد أن القذافي أخذ معه إلى قبره أسرارا، ومعلومات لا تزال خفية بشأن علاقاته بالرئيس الفرنسي السابق.

تهمة جديدة لساركوزي

وفي 2021، وسعت السلطات القضائية الفرنسية تحقيقاتها في قضية "التمويل الليبي"، لتشمل شبهة جديدة وهي "رشوة مسؤولين في دولة أجنبية". ويجري التحقيق مع 11 شخصا يشتبه في أنهم دبروا تراجع اللبناني زياد تقي الدين عن اتهامه لساركوزي بتلقي الأموال الليبية.

وكان تقي الدين يزعم لسنوات أثناء التحقيق معه أنه حمل شخصيا الأموال الليبية إلى كلود غيون في مكتبه، وأن ساركوزي كان علم بذلك. ولكنه قال في حوار مع مجلة باريس ماتش في 2020 إن الرئيس السابق لم يتلق أي أموال من نظام معمر القذافي.

ويتشبه المحققون في أن تقي الدين، الذي توفي سبتمبر أيلول 2025، تلقى أموالا من محيط ساركوزي للتراجع عن شهادته. ويعتقد أن العملية التي تعرف باسم "أنقذوا ساركو" من تدبير ميمي مارشون وصديقتها كارلا بروني، وأنها تمت بعلم وموافقة الرئيس السابق.

وينفي ساركوزي وزوجته كارلا بروني أي علاقة لهما بالعملية. ولكن نويل دوبيس، أحد المشتبه في أنهم دبروا تراجع تقي الدين عن شهادته في بيروت، قال للمحققين، إن مارشون أخذته معها لمقابلة ساركوزي في بيته ثلاث مرات في 2020 و2021.

ويبحث المحققون في قضية أخرى مرتبطة بالرئيس السابق و"التمويل الليبي"، وهي أن بعض المشتبه فيهم حاولوا في ربيع 2021 التفاوض على الإفراج عن حنبعل القذافي، المسجون وقتها في لبنان. ومقابل ذلك يحصلون على تصريحات من عائلته تبرئ ساركوزي.

هل يعود ساركوزي إلى السجن؟

تبدأ محكمة الاستئناف في مارس آذار المقبل النظر في الحكم على الرئيس الفرنسي السابق بالسن 5 سنوات، بعد إدانته "بتشكيل عصابة أشرار" في قضية "التمويل الليبي". وسيتمكن ساركوزي من الدفاع عنه نفسه خارج أسوار السجن، بعدما استفاد من الإفراج المؤقت.

ويؤكد خبراء القضاء أن الإفراج المؤقت عن الرئيس السابق لا يعني أبدا أن محكمة الاستئناف ناقضت في قرارها الحكم الصادر عن الابتدائية. ولا ينبغي أن يفهم منه أن محكمة الاستئناف تميل إلى تبرئة ساركوزي من الأفعال التي أدين بها.

ويرون أن قرار محكمة الاستئناف مفتوح على ثلاثة احتمالات هي: تأييد الحكم والسجن 5 سنوات، أو إلغاؤه، وإخلاء سبيل ساركوزي، لعدم كفاية الأدلة. ولكنها قد تقرر رفع العقوبة، إذا قبلت بعض التهم، التي أسقطتها المحكمة الابتدائية، مثل الفساد السلبي واختلاس الأموال.

وفي قضية "التمويل الليبي" نفسها، يواجه ساركوزي محاكمة جديدة بتهمة "التأثير على الشهود"، رفقة زوجته كارلا بروني، وصديقتها سيدة الأعمال، ومصورة المشاهير، ميشال "ميمي" مارشون، التي هي مقربة أيضا من بريجيت، زوجة الرئيس إيمانويل ماكرون.

يعتقد المحامون أن ساركوزي قد يعود إلى السجن، بناء على قرار محكمة الاستئناف، أو في قضية "التأثير على الشهود" التي تليها. ولكنهم يشيرون إلى أنه سيستفيد من الظروف المخففة، لأن القانون الفرنسي يتيح تكييف عقوبة السجن للمدانين، إذا بلغوا 70 سنة من العمر.

ففي 2024، حكم على ساركوزي بالسجن ثلاث سنوات، بعدما أدانته بالفساد واستغلال النفوذ عندما سعى لدى أحد القضاة للحصول على معلومات تساعده في قضية أخرى. وبدل دخول السجن، أمرته المحكمة بوضع سوار إلكتروني في رجله.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا دونالد ترامب روسيا أمريكا

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا