أيُعقل أن تناقش ليبيا المعروفة بثرائها النفطي مسألة كيفية الوفاء برواتب موظفيها؟ المعطيات التي طرحها كبار مسؤولي الدولة تنذر بهذا الأمر.
تمتلك ليبيا أحد أكبر الأحواض النفطية في أفريقيا، باحتياطات تفوق 48 مليار برميل، وإنتاج يومي يقرب من 1.41 مليون برميل وفق بيانات المؤسسة الوطنية للنفط، لكن في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، قدم محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى خلال مؤتمر الاستثمار المصرفي المنعقد في العاصمة طرابلس، صورة قاتمة عن الوضع الاقتصادي، إذ بلغت مصروفات الدولة الشهرية نحو 3 مليارات دولار، في حين لا يتجاوز الإيراد 1.5 مليار دولار.
وحذر عيسى من أن أي تغيّر في أسعار النفط العالمية قد يهدد قدرة الدولة على الوفاء بدفع مرتبات الموظفين، مرجعا سبب تردي الوضع الاقتصادي إلى الانقسام السياسي ووجود حكومتين متنافستين شرق وغرب البلاد.
من جانبه، قال رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة في المؤتمر ذاته إن الدين العام وصل إلى نحو 300 مليار دينار (حوالي 54.9 مليار دولار بحسب السعر الرسمي) مقارنة مع 284 مليار دينار (52 مليار دولار) خلال أغسطس/آب الماضي.
وأمام هذه المعطيات، استطلعت الجزيرة نت وجهات نظر نخبة من المحللين الاقتصاديين والخبراء المصرفيين بشأن سؤال: هل ستصل ليبيا إلى نقطة تعجز فيها عن دفع المرتبات؟
يرى الخبير الاقتصادي محمد الشحاتي -في حديثه مع الجزيرة نت- أن الوضع الاقتصادي الراهن في ليبيا لا يمكن قراءته بمعزل عن تراكمات إدارية ومالية متجذرة منذ سنوات، مشيرا إلى مكامن الخلل في غياب الانضباط المالي وضعف التنسيق بين السياسات الاقتصادية المُختلفة، ناهيك عن الانقسام السياسي.
وفيما يتعلق بتحذير المركزي، اعتبر الشحاتي ذلك قراءة حذرة أكثر من كونه توقعا واقعيا واصفا إيّاه بالمتشائم نسبيا في ضوء الاتجاهات الحالية للسوق النفطية.
وحسب تقديرات الشحاتي التقريبية، فإنه وإن تراجع سعر النفط إلى 55 دولارا للبرميل:
من جهته، يقول المحلل الاقتصادي علي الفارسي -في حديث مع الجزيرة نت- إن تحذيرات المركزي تفتقر إلى الأساسي الاقتصادي الموضوعي، مؤكدا أن الحديث عن الإفلاس أو العجز المالي المهدد للرواتب في دولة تمتلك موارد ضخمة أمر مبالغ فيه.
قال الفارسي إن "الأزمة الحقيقية لا ترتبط بعجز الدولة عن دفع المرتبات، وإنما في الخلل المؤسسي المتمثل في ضعف التنسيق والتخطيط المالي بين الحكومتين ومصرف ليبيا المركزي".
وأضاف: "بيئة الانقسام السياسي أسهمت في ضعف الرقابة المالية"، معتبرا أن "المركزي أخطأ عندما لوح بالرواتب التي تُصرف وفق قاعدة 1/12 في ظل غياب موازنة موحدة.. مما يجعل المسألة إجرائية أكثر من كونها المالية".
ويتفق وكيل وزارة المالية الأسبق والعضو السابق في مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي مراجع غيث مع وجهتي نظر الشحاتي والفارسي، معتبرا أن العجز المسجل ببند الرواتب يرتبط بالتضخم الهيكلي في الأجور وليس شح السيولة.
وتحدث غيث عن رفع مرتبات بعض القطاعات بما يقرب من 50 ضعفا دون وجود مسوّغ اقتصادي أو تنظيمي، مما أطلق موجة ارتفاع في الأسعار رافقت زيادة الدخول.
وبشأن تضخم الدين العام، اعتبر غيث أن جذور الأزمة تعود إلى الإنفاق الحكومي الذي وصفه بالمُنفلت، "فالدولة منذ العام 2020 تنفق بلا موازنة معتمدة"، مؤكدا أن جميع الأطراف شرقا وغربا مسؤولة عن هذا الإنفاق.
وعن إمكانية التخفيف من حدة الأزمة دعا الشحاتي -في حديث جزيرة نت- إلى إقرار موازنة واقعية قائمة على العدالة في توزيع الموارد ومبنية على تقديرات متحفظة لأسعار النفط، بما يتيح للحكومة مساحة أمان مالية تحميها من التقلبات الحادة في السوق العالمية.
ودعا إلى إعداد موازنة العام 2026 بحيث تتضمن أدوات استباقية لمواجهة أي تراجع محتمل في أسعار النفط خلال السنوات المُقبلة عبر:
وقال الشحاتي إذا تمكنت مؤسسة النفط من رفع الإنتاج بمعدل 200 ألف برميل يوميا فسيتم تعويض انخفاض الأسعار بنحو 5 دولارات للبرميل.
ولتجنب سيناريو عجز الدولة عن دفع الأجور دعا الشحاتي إلى:
في ظل هذه التعقيدات المالية والاقتصادية المتراكمة، يمضي المركزي في مسار توسيع الخدمات الرقمية، غير أن هذا التحول يصطدم بتحديات تتعلق بالسوق واختلالات في البيئة النقدية الراهنة.
ولاحظ مواطنون تفاوتا في الأسعار بين الدفع النقدي والإلكتروني، مما ولّد فجوة في الأسعار وزاد من تعقيد المعاملات اليومية على الرغم من تحديد المركزي العمولة على السحب عبر أجهزة الصراف الآلي في المصارف بـ0.5 دينار عن كل 100 دينار (18.34 دولارا) مسحوب.
وأكد مواطنون للجزيرة نت أن عمولات السحب تتراوح في بعض المصارف بين 5 دنانير إلى 10 دنانير عن كل عملية سحب.
وفي هذا الصدد، أوضح المتحدث باسم نظام الدفع الموحد بمصرف ليبيا المركزي فرع بنغازي فراس بوسلوم أن المركزي رصد تصاعدا لافتا في استخدام خدمات الدفع الإلكتروني من قبل الأفراد والتجار، إلا أنه أقر بوجود ممارسات غير مبررة ساهمت في تفاوت الأسعار بين الدفع النقدي والإلكتروني.
وأكد للجزيرة نت أن المصرف يتعامل مع هذه الممارسات عبر:
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة