في خان يونس جنوب قطاع غزة، ترقد الرضيعة رهف على سريرها في قسم العناية المركزة في مجمع ناصر الطبي للاستعانة بجهاز للتنفس الاصطناعي، متأثرة بإصابتها بفيروس غير مشخص بدقة، ومعاناتها من صعوبة في التنفس.
فبعد أيام من تحذيرات أطباء في قطاع غزة، أعلنت وزارة الصحة، نهاية الشهر الماضي، وجود "موجة شديدة من الإنفلونزا تضرب أطفال غزة واكتظاظ الأقسام الطبية بالمصابين".
وقالت منظمة الصحة العالمية لبي بي سي، إن مسؤولي الصحة في غزة لاحظوا زيادةً في حالات التهابات الجهاز التنفسي الحادة خلال الشهر الماضي، ولم يُشخّص مسؤولو الصحة بعدُ مسببات الأمراض بدقة نظراً لمحدودية الإمكانيات المختبرية.
ورجّحت المنظمة أن "تكون هذه الزيادة ناجمة عن الإنفلونزا وكوفيد-19 وفيروسات تنفسية شائعة أخرى".
وأكد الطبيب أحمد الفرا مدير مستشفى التحرير للولادة والأطفال في مجمع ناصر الطبي في خان يونس "موجة فيروسات تعصف بالأطفال في القطاع من الإنفلونزا".
وقال الطبيب محمد أبو سلمية مدير مجمع الشفاء الطبي لبي بي سي، إن حالات الإصابة بالفيروس موجودة بكثرة في القطاع.
قال أطباء في غزة في تصريحات لبي بي سي، إن الأعراض مشابهة لأعراض فيروس كورونا.
وأوضح أبو سلمية، أن الأعراض تتعلق بالصدر والسعال والآم في المفاصل، وإسهال في بعض الأحيان.
وقال مدير الإغاثة الطبية في غزة محمد أبو عفش لبي بي سي إن حالات وردت إلى المراكز الصحية منذ أيام تعاني من صداع، وارتفاع في درجة الحرارة، ورشح، بالإضافة إلى الإسهال.
وأضاف أبو عفش أن الأعراض تشير إلى عدوى فيروسية، تتضمن آلاماً في المفاصل وجميع أنحاء الجسم، ولا تميز بين الأطفال والنساء وكبار السن.
"فترة الإنفلونزا العادية، بحاجة تقريباً إلى سبعة أيام حتى تذهب الأعراض، لكن الآن هناك حاجة لأكثر من أسبوعين للمريض الذي يعاني من هذه الالتهابات والأعراض في قطاع غزة"، وفق أبو سلمية.
ووصف فوزي فريد (32 عاماً) لبي بي سي، الأعراض التي أصابته هو وزوجته وطفلته، بـ"الحرارة الشديدة" والإسهال وألم في العظام واحتقان وسيلان في الأنف.
ولم تدُمْ الأعراض على أفراد عائلة فوزي أكثر من 4 أيام.
وأوضح فوزي الموجود حالياً في منطقة مواصي خان يونس، أنه فضّل عدم الذهاب للمستشفى أو أي مركز طبي، بسبب الضغط والإقبال الكثيف على المستشفيات، كما أنه لا يوجد لديهم ما يقدمونه "إلا نشر العدوى".
واكتفى فوزي بالتعامل مع الأعراض والمرض بالكمادات الباردة، ودواء خافض للحرارة وجده "بأعجوبة"، لأنه لا توجد أدوية في القطاع، على حد قوله.
أما أم آدم (30 سنة)، ففضّلت هي أيضاً عدم الذهاب للمستشفى بعد معاناتها لمدة تسعة أيام من رشح وسعال جاف وصداع مستمر وإرهاق وارتفاع في درجة الحرارة، وفق حديثها لبي بي سي.
واكتفت أم آدم الموجودة في منطقة مواصي خان يونس بشرب سوائل ساخنة ودواء خافض للحرارة.
لاحظ مدير وحدة المعلومات في وزارة الصحة في غزة زاهر الوحيدي، أن الحالات تتشابه مع أعراض الإنفلونزا الموسمية وفق إعلان منظمة الصحة العالمية عن فيروس كورونا.
ولا يمكن الجزم وتشخيص الفيروس بالضبط بسبب عدم توافر فحوص تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR)، والمواد اللازمة للكشف عن الفيروس، وفق حديث الوحيدي لبي بي سي.
ولفت الوحيدي إلى عدم توافر الإمكانيات المتعلقة بالمختبرات لفحص وتشخيص هذا الفيروس.
وتحدّث أبو سلمية عن تواصل منظمة الصحة العالمية، وأطباء بلا حدود بشأن هذا الفيروس، وعبّر عن أمله في أن يساعدوا في إدخال الفحوص لتشخيص الفيروس.
وناشد عفش منظمة الصحة العالمية والمجتمع الدولي لوضع حلول عاجلة، وإدخال الفحوص السريعة للكشف عن فيروس كورونا في القطاع.
وطالب الفرا بتوفير أدوية مفيدة في التعامل مع أعراض الإصابة بهذا الفيروس.
وتحدثت منظمة الصحة العالمية لبي بي سي، عن "دعمها للسلطات الصحية في البحث الجاد عن أسباب التهابات الجهاز التنفسي، وتحديد العلاج الأكثر فعالية للمرضى"، بدون توضيح كيفية الدعم.
وتواصلت بي بي سي، مع منظمة "أطباء بلا حدود" التي فضّلت عدم التعليق.
وتحدث تقرير صادر مطلع الشهر الحالي عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا)، بأن الوكالة والشركاء الصحيين أشاروا إلى زيادة في عدد حالات الأمراض المعدية، بسبب الاكتظاظ، وسوء الظروف الصحية، ومحدودية الوصول إلى المياه النظيفة.
وأضاف التقرير: "حسبما أفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، لا تزال التهابات الجهاز التنفسي الحادة والإسهال المائي الحاد أكثر الحالات المبلغ عنها شيوعاً، وشكلتا 58 في المئة إلى جانب 41 في المئة على التوالي من جميع الأمراض المبلغ عنها في الفترة بين 3 و9 آب/أغسطس الماضي".
وقالت المنظمة لبي بي سي، إن السكان في القطاع أنهكهم الجوع وسوء الأحوال المعيشية، ويعانون من الإسهال والتهاب السحايا ومتلازمة غيلان باريه وغيرها من الأمراض الخطيرة.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن الغارات الجوية ونقص الإمدادات الطبية والغذاء والماء والوقود - كل ذلك أدى إلى استنزاف النظام الصحي الذي يعاني أصلاً من نقص الموارد.
ومارست المستشفيات عملها بما يتجاوز طاقتها الاستيعابية بسبب ارتفاع أعداد المرضى، بالإضافة إلى المدنيين النازحين الباحثين عن مأوى، وبات تقديم الخدمات الصحية الأساسية عرضةً للخطر الشديد.
ومنذ ثلاثة أشهر، حذّر رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة أدريان زيمرمان، من أن النقص الحاد في الإمدادات الطبية "يضع حياة وسلامة سكان غزة ممن يحتاجون إلى خدمات الرعاية الصحية، في خطر".
أوضح مدير مجمع الشفاء وهو أكبر مستشفيات القطاع، أن المرضى يعانون من سوء التغذية مما يؤثر سلباً على المناعة، وبالتالي تنخفض مقاومة الجسم للفيروسات.
وبناءً على ما سبق فإن الأعراض تكون أشد وتستمر لفترة أطول، وفق أبو سلمية.
وأشار أبو سلمية إلى أن المياه غير نظيفة، كما أن المنظفات مثل الصابون غير متوافرة في ظل الحصار المفروض على القطاع.
ويؤدي الازدحام وتكدس الخيام إلى زيادة انتشار الفيروس.
ويُفترض ألا يشكّل الفيروس خطراً حقيقياً في الظروف العادية، لكن في ظل ظروف قطاع غزة ونقص المناعة سيكون له تداعيات على "الفئات الهشة" مثل الأطفال الصغار والنساء الحوامل وكبار السن ومَن يعانون من أمراض القلب والسكري وارتفاع الضغط والأمراض المزمنة، وفق أبو سلمية.
ولم يُشِرْ أبو سلمية إلى وجود وفيات بسبب الإصابة بالفيروس، لكن هناك حالات ساء وضعها حتى أُدخلت إلى العناية المركزة، كما استُخدم جهاز التنفس الاصطناعي في بعض الحالات.
وأكد المدير العام لمنظّمة الصحّة العالميّة تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن نقص الغذاء والمياه النظيفة وظروف المعيشة الصعبة تؤدي إلى ترك الأشخاص الذين يعانون من ضعفٍ في جهاز المناعة معرّضين لمزيد من الأمراض.