تقرير: سليمان سري
تتزايد الضغوط الإقليمية والدولية بكثافة لإنهاء الحرب في السودان، في ظل تصاعد الأزمة الداخلية من انهيار اقتصادي، وتدهور أمني وعسكري بتراجع الجيش السوداني على جبهات القتال في كردفان بعد سيطرة “الدعم السريع على أجزاء واسعة من دارفور، في ظل تلك المعطيات يزور رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان، هذه الأيام العاصمة التركية أنقرة بدعوة رسمية من الرئيس رجب طيب أردوغان، ربما تكون الثالثة منذ اندلاع حرب 15 أبريل/2023م،.
وأجرى البرهان خلالها مباحثات رسمية مع نظيره أردوغان، بالقصر الرئاسي بحثت عدد من الملفات الشائكة والمعقدة والتي تتصل بمستجدات الوضع في السودان وجهود إنهاء الحرب، إلى جانب ملفات التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي بين البلدين، إضافة إلى القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، لاسيما الأوضاع في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي وانعكاسات ذلك على الوضع في السودان. وأكدت تركيا موقفها الثابت لدعم وحدة وسيادة السودان وسلامة أراضيه.
وجاءت هذه الزيارة في أعقاب جولات مماثلة قام بها البرهان إلى كل من الرياض والقاهرة، وسط محاولات لإقناعه بمبادرة الآلية الرباعية، التي تضم إلى جانب الولايات المتحدة كل من السعودية ومصر والإمارات، واستكمال تلك الجهود بإشراك تركيا وقطر بحسب تصريحات سابقة لمستشار الرئيس ترامب لأفريقيا مسعد بولس.
وعلى الرغم من أن الزيارة ذات طابع رسمي غير أنها لم تخلو من لقاءات مكثفة أجراها البرهان مع قيادات النظام السابق من عناصر الحركة الإسلامية، إلى جانب أن الزيارة كانت ذات طابع اجتماعي وشخصي تتعلق بتفقد عائلته المقيمة في أنقرة، ما أدى لتمديد فترة الزيارة لأكثر من خمسة أيام في أطول زيارة لرئيس سوداني خارج البلاد.
وزير الخارجية السابق السفير د.علي يوسف : ارشيفمثلث التعاون الاستراتيجي:
ووصف وزير الخارجية السابق السفير د.علي يوسف إن زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان بأنها هامة جداً، وذات أبعاد متعددة تتعلق بالسياسي والعسكري والاقتصادي والتجاري.
ويقول يوسف في مقابلة مع “راديو دبنقا” إن العلاقات مع تركيا ذات أهمية استراتيجية للسودان في هذه المرحلة، مشيراً إلى أنها دولة هامة ولها وزنها ومتطورة اقتصادياً وتجارياً وتلعب أدواراً كبيرة فيما يجري في الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، بجانب أنها عضو في منظمة حلف شمال الأطلسي”الناتو” وواحدة من الدول التي لديها علاقات متميزة مع السودان على امتداد الفترات السابقة.
ويضيف بأن الزيارة تأتي استكمالا لتفاهمات تمت في مقابلات سابقة في منتدى التعاون الذي استضافته العاصمة التركية أنقرة قبل بضعة أشهر.
ويعتقد السفير علي يوسف أن الزيارة تأتي في اعقاب تطورات كبيرة حدثت خلال هذه الفترة، أولها تتعلق بتشكيل دول الآلية الرباعية، ثم بيانها حول الأوضاع في السودان، وتطورات موقف السودان من هذه الآلية.
ويرى في المقابلة مع دبنقا أن زيارة البرهان إلى تركيا تأتي في أعقاب زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، ثم زيارة البرهان لكل من السعودية ومصر، وتابع قائلاً: “الآن يكتمل مثلث التعاون الاستراتيجي للسودان مع هذه الدول بزياة البرهان إلى تركيا، وما سينجم عنها، من اتفاقيات مهمة.. هذا في تقديري، “.
ويشير وزير الخارجية السابق السفير د. علي يوسف إلى أن تشكيل الوفد يشير إلى هذه الزيارة مهمة ولها ارتباط بالقضايا الأمنية والعسكرية السياسية الجارية.
ورافق البرهان في هذه الزيارة كل من وكيل وزارة الخارجية معاوية عثمان خالد، ومدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل ومدير عام منظومة الصناعات الدفاعية الفريق أول ميرغني إدريس.
ويؤكد السفير علي يوسف بأن هنالك جهود كبيرة من كل الأطراف إلى إنهاء الحرب والتوصل اتفاق سلام في السودان مشيراً إلى أن تركيا ستكون واحدة أضلاع الدول التي تسعى لتحقيق هذا الهدف.
والباحث السياسي والأكاديمي د. النور حمدورطة البرهان:
على العكس من ذلك يرى المفكر والباحث السياسي والأكاديمي د. النور حمد أن الفريق البرهان أدخل نفسه في ورطة منذ أن مزق الوثيقة الدستورية وقام بالانقلاب على الفترة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021م.
ويقول حمد في مقابلة مع “راديو دبنقا” إنَّ البرهان ظل طوال هذه المدة يعمل على شراء الوقت، في محاولة منه لكسب الحرب وتحقيق انتصار على الدعم السريع.
ويشير إلى أن الجيش السوداني بقيادة البرهان بدأت بالهجوم على قوات الدعم السريع في المدينة الرياضية جنوبي الخرطوم، غير أن قوات الدعم السريع تغلبت على وحدات الجيش وسيطرة على مقاره.
ويؤكد بأن القوات المسلحة لم تتمكن لاحقاً من استعادة السيطرة إلا بدعم خارجي واسع، وباستخدام الأسلحة الكيميائية وهي “محظورة دولياً”، الأمر الذي مكّنها من إخراج قوات الدعم السريع من الخرطوم وولايتي الجزيرة وسنار.
وعقب ذلك، كما يقول د. النور حمد، أعادت قوات الدعم السريع انتشارها باتجاه حواضنها الاجتماعية في غرب السودان، حيث شرعت في السيطرة على عدد من المدن تباعاً، إلى أن أصبح كل إقليم دارفور بالكامل تحت نفوذها، مع استمرار التقدم باتجاه إقليم كردفان، الذي يوشك أن تسقط في يده.
ووفقاً لذلك يرى المحلل السياسي والباحث الأكاديمي د. النور حمد في المقابلة مع دبنقا أن الزيارة ربما تكون للبحث عن دعم عسكري، وجلب مزيد من الطائرات المسيرة، ويشير إلى أنه تردد مؤخراً أنباء عن توقيع اتفاق توأمة بين مينائي بورتسودان ومرسين التركية، لكنه يرى أنها للتغطية على البحث عن الدعم العسكري.
لم يعجبه حديث السعوديين:
ويقول الباحث السياسي والأكاديمي د. النور حمد إنَّ البرهان في الأسبوعين الماضيين قام بثلاثة زيارات، إلى كل من المملكة العربية السعودية ومصر وفي اليومين الأخيرين زار تركيا.
ويعتقد بأنه في زيارته للسعوديين لم يعجبه ما دار من حوار هناك، مشيراً إلى أنه بعد ذلك توجه إلى مصر والتي اعلنت عن تفعيل ما سمته باتفاقية “الدفاع المشترك” مؤكداً أنها لا أساس لها بعد نقضها في فترة حكومة رئيس وزراء الأسبق السيد الصادق المهدي.
وخلص الباحث الأكاديمي في حديثه لراديو دبنقا بأن البرهان شعر بانه في حاجة للذهاب إلى تركيا ايضاً للبحث عن ما وصفه بـ”الورطة” مضيفاً قائلاً: كأنه يحاول أن يلتف على مبادرة الآلية الرباعية التي قال بأنها واضحة في إبعاد القوة العسكرية من السلطة والاقتصاد وأن تدار الفترة الانتقالية عبر المدنيين.
وأعاد التذكير بأن الرباعية بحسب التراتيبة الذي جاء فيها أن يتم الاتفاق على هدنة لمدة 3 أشهر تسمح بتوصيل المساعدات الإنسانية ويتم تمديدها إلى 9 شهور ليبدأ التفكير في العملية السياسية.
ويرى حمد، أن البرهان يحاول “بتوجيه من مصر” أن يلتف على مبادرة الألية الرباعية، ولكنه يشكك بأن مصر على الرغم من عضويتها في الرباعية لكنها تعمل باستمرار ضدها، لتقويضها، وتابع قائلاً: “اعتقد أن هذه الزيارات الثلاثة محاولة لاجهاض المبادرة الرباعية وأيضاً إرسال كامل إدريس إلى الامم المتحدة في واشنطن وتقديم مبادرة جديدة أمام مجلس الأمن”.
وخلص إلى أن هنالك سيناريو وعمل مصري ــ سوداني ممثل في البرهان يتم الإعداد له لإجهاض الرباعية، ويعتقد بأنهم يحالون أن يجدوا سند سياسي وعسكري من تركيا، ويقول إن هذا ما دفع البرهان لأن يقوم بهذه الزيارات الثلاثة في هذه الفترة الوجيزة.
ويختم المحلل السياسي والباحث الأكاديمي د. النور حمد حديثه بالقول: ” ننتظر لنرى ما سيحدث وماذا ستفعل الولايات المتحدة في المبادرة الرباعية حسب ما هي اعلنت عنها ووافقتها عليها بقية الأعضاء سواء كان الامارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السورية اشتركوا في القناة.
استاذ علم الاجتماع السياسي د. عبدالناصر علي الفكيالبحث عن سند:
من وجهة نظر استاذ علم الاجتماع السياسي د. عبدالناصر علي الفكي أن زيارة البرهان الي تركيا جاءت عقب زيارات مماثلة إلى السعودية ومصر، ويرى أنها تفهم ضمن التحرك الإقليمي للحكومة، التي يرى بأنها تحتاج إلى المساندة سياسياً عقب الضغط الذي مارستة الحكومة الأمريكية ودول الرباعية، بضرورة التوصل لهدنة بوقف إطلاق النار قبل نهاية العام الحالي وأيضاً في ظل تضعضع الوضع الميداني العسكري للجيش السوداني، بعد سقوط بابنوسة ومحاصرة كادوقلي من قبل قوات الدعم السريع و”تأسيس”.
ولايستبعد عبد الناصر الفكي في حديثه لـ “راديودبنقا” أن تكون للزيارة أهداف أخرى أيضاً، أي، قد تكون طلباً لمزيد من الدعم السياسي والعسكري والتعاون الأمني، لما لتركيا من قوة وتأثير إقليمي ودولي يمكن أن يحدث تحول ميداني لصالح الجيش السوداني.
وكذلك ربما المناورة في التنسيق، كما يعتقد الفكي، بضرورة تضمين تركيا وقطر ضمن مبادرة الآلية الرباعية.
ويقول استاذ علم الاجتماع السياسي لراديو دبنقا : “أيضاً يأمل البرهان في أن تلعب تركيا أدواراً سياسيةً مساندةً بحكم وجودها في حلف الناتو كحليف استراتيجي للويات المتحدة الأمريكية”.
ويضيف قائلاً: “هذا بالإضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بكآفة المجالات التجارية والتعدين والزراعة، عموما.. الزيارة تأتي للتأكيد علي التحالف الاستراتيجي منذ عهد نظام الإنقاذ “النظام السابق” بين السودان وتركيا مع الجيش”.
ويعتقد استاذ علم الاجتماع السياسي د. عبدالناصر الفكي أن تركيا تريد أن تعزز قواعدها العسكرية والتجارية في دول شرق أفريقيا والقرن الافريقي. بما فيها ميناء سواكن في شرق السودان في إطار الأمن الإقليمي والدولي في منطقة البحر الأحمر.
استاذ الإعلام بالجامعات د.حيدر بدوي المتحدث السابق بإسم وزارة الخارجية السودانيةبعد رسمي وتنظيمي:
ويري السفير واستاذ الإعلام بالجامعات د.حيدر بدوي المتحدث السابق بإسم وزارة الخارجية السودانية أن زيارة البرهان ذات بعد رسمي وتنظيمي، والأخيرة يقصد بها مقابلة قيادات الإسلاميين من فلول النظام السابق المقيمين في تركيا.
ويقول بدوي في حديثه لـ”راديو دبنقا”: “في ظل تعنت “سلطة الأمر الواقع”، لا أدري إن كان دخول تركيا في الخط سيفيد في إيجاد حلول سريعة، خاصة وأن هناك دعم عسكري تركي للجيش السوداني”. ويضيف: الجيش يريد أن يرجح الموازين في ميدان الحرب لصالحه، وتركيا أحد مصادره لتدعيم هذا الاتجاه.
لكنه يرى بأن “من المؤكد لن تخلو الزيارة من مناقشة الأبعاد الاقتصادية والسياسية الثنائية، خاصة وأن تركيا تبحث عن موطئ قدم في البحر الأحمر”.
وتطرق السفير بدوي إلى تصريحات سابقة منسوب إلى الوسيط الأمريكي مسعد بولس عن إمكانية إشراك تركيا وقطر في إيجاد حل سلمي لواقع الحرب في السودان قائلاً: بأنه قد لا يصمد. في ظل الدعم المصري والتركي والقطري، المعلن والخفي، للجيش السوداني ويضيف: أتوقع ألا يستجيب الدعم السريع للضغوط خاصة بعد أن انقلبت الموازين في الميدان لصالحه.
البرهان خلال لقاء مع شخصيات سودانية وتركية بمبنى السفارة السودانية في أنقرة يوم السبت 27 ديسمبر 2025لن يقبل بأي هدنة مغ الدعم السريع
وكان رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان اعلن يوم ، الأحد، عن ثقته “التامة” في نوايا السعودية ومصر والولايات المتحدة لعلاج الأزمة وتحقيق السلام في السودان.
وطالب البرهان الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن ينظر للقضية السودانية من وجهة نظر السودانيين، وقال إنه “قادر على معالجة الأزمة، خاصة أنه يريد أن يكون رجل السلام في هذا العام”.
وأضاف البرهان، خلال لقائه شخصيات سودانية وتركية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بمقر السفارة السودانية في العاصمة التركية أنقرة، أن “السودان لن يقبل بأي هدنة أو وقف لإطلاق النار” ما دامت قوات الدعم السريع “موجودة في أي شبر من أرض الوطن”، مشدداً على أن “استعادة الأمن وبسط سيادة الدولة يمثلان أولوية قصوى”.
وأوضح في ذلك اللقاء أن المبادرة، التي قدمها رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس في الأمم المتحدة، “تمثل مبادرة حكومة السودان لمعالجة الأزمة، وحظيت بتوافق مجلسي السيادة والوزراء، على أن تُستكمل بإجراءات عملية عبر مؤسسات الدولة لوضع الآليات اللازمة لاعتمادها والترويج لها كمبادرة وطنية جامعة”.
وأضاف ( نحن لسنا دعاة حرب، غير أن إنهاء التمرد شرط أساسي لأي حل سياسي”، مبيناً أن “الحل العسكري لا يعني بالضرورة استمرار القتال، بل قد ينتهي بالاستسلام”، ومعبّراً عن ثقته في “تحقيق النصر بدعم الإرادة الشعبية والتفافها حول القوات المسلحة”.
المصدر:
الراكوبة