آخر الأخبار

بلا مأوى ولا حماية.. سودانيات يهربن من الحرب الى فخ الجوع والتحرش

شارك

أظهرت نتائج دراسة حديثة أجرتها جامعة الأحفاد افتقار بائعات الشاي وعاملات المنازل في أم درمان بولاية الخرطوم والقضارف شرقي السودان للحماية، وسط تدهور أوضاعهن المالية وتعرضهن للتحرش.

وتسبب النزاع المندلع منذ 15 أبريل 2023 في فقدان معظم وظائفهن وأعمالهن التجارية، فيما وجدت آلاف النساء النازحات أنفسهن مدفوعات نحو اقتصاد البقاء في القطاعات غير الرسمية، حيث يواجهن مزيجًا قاتلًا من الاستبعاد المالي وغياب الحماية القانونية والمخاطر الأمنية المتزايدة.

وكشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة الأحفاد بالتعاون مع منظمات مجتمع مدني محلية، اطلعت عليها “سودان تربيون”، عن واقع مأساوي لبائعات الشاي والعاملات المنزليات في مدينتي أم درمان والقضارف.

ووثقت الدراسة، التي اعتمدت على منهج بحثي مختلط، كيف تحولت الحرب إلى محرك رئيسي لدفع النساء نحو مهن تفتقر لأدنى مقومات الأمان.

مواجهة الصدمة

وقالت نتائج الدراسة إن الحرب حولت نحو 57% من النساء اللواتي شملتهن الدراسة إلى عائلات معيلات لأسرهن، حيث تقع على عاتق 83% منهن مسؤولية إعالة أربعة أشخاص أو أكثر.

وفي مدينة أم درمان، تبين أن 75% من بائعات الشاي هن نازحات من مناطق النزاع، حيث ينحدر معظمهن من جنوب كردفان.

وبالرغم من أن 66% منهن يشعرن بأمان نسبي في مواقعهن المباشرة، إلا أن 33% عبّرن عن قلق عميق جراء انتشار الأسلحة و”تدهور المعايير الأخلاقية” الناجم عن تداعيات الحرب.

وعلى الصعيد المالي، كشفت الدراسة عن “استبعاد مالي كامل” بنسبة 100% للمشاركات، حيث لا تمتلك أيٌّ منهن حسابًا مصرفيًا رسميًا، ويعتمدن بالكامل على “الصناديق” التقليدية والتعامل النقدي، بسبب غياب الأوراق الثبوتية والفقر المدقع.

أما في قطاع العمل المنزلي بولاية القضارف، فتسود “العقود الشفهية” بنسبة 95%، مما يترك العاملات عرضة لإنكار الحقوق والأجور.

وتبرز “العزلة المكانية” داخل المنازل كأكبر عائق أمام الإبلاغ عن الانتهاكات، حيث يخشى 68% من العاملات المنزليات الانتقام المتمثل في فقدان الوظيفة والسكن.

عنف سراً وتحرش علناً

وتختلف طبيعة المخاطر باختلاف بيئة العمل، فبينما تواجه بائعات الشاي تحرشًا لفظيًا وتنمرًا مستمرًا في الأماكن العامة من قبل الزبائن بنسبة 55%، تواجه العاملات المنزليات تهديدًا أكبر بالعنف الجسدي والجنسي داخل المنازل، حيث يمثل “رب العمل” مصدر الخطر الرئيسي بنسبة 35%.

وتشير الأرقام إلى فجوة ثقة حادة في الأجهزة الرسمية، إذ لا يثق سوى 8% فقط من النساء في آليات الإبلاغ الرسمية، مما يدفع الكثيرات للصمت خوفًا من “الفضيحة” أو الملاحقة السلطوية.

وتعمل النساء في هذه القطاعات ما بين 10 إلى 14 ساعة يوميًا، وهو ما وصفه الباحثون بـ “فقر الوقت” الذي يحرمهن من فرص التعليم أو تطوير المهارات.

كما تفتقر 83% من الأسر المشمولة بالبحث إلى أي شكل من أشكال التأمين الصحي، مما يجعل تكلفة الدواء عبئًا لا يُطاق لـ 58% من المشاركات.

وكشفت الدراسة عن تحول مرعب في النسيج الاجتماعي داخل أم درمان، حيث أصبحت الشوارع ساحة لما يُعرف بـ “العدوان الممنهج”.

وأفادت بائعات الشاي بأن التغيير الأبرز بعد الحرب يتمثل في الانتشار الكثيف للسلاح، حيث وصفت المشاركات واقعًا يرفع فيه الجميع السلاح في وجه الآخر، مما جعل البقاء اليومي مغامرة مستمرة.

وعلى الرغم من وجود شعور نسبي بالحماية المجتمعية لدى البعض، إلا أن 33% من بائعات الشاي أكدن شعورهن بعدم الأمان نتيجة لهذا العدوان المتزايد ووجود المسلحين في الأماكن العامة.

وفيما يخص العنف القائم على النوع الاجتماعي، تعاني النساء في القطاع غير الرسمي من مخاطر مزمنة دون وجود سبل انتصاف.

وتعرضت ثلث بائعات الشاي للمضايقات من قبل الزبائن، وسط غياب تام للثقة في آليات التبليغ الرسمية، حيث تسود قناعة بأن الشرطة تستهين بالشكاوى وتعتبر الإساءات نتيجة طبيعية للعمل في الشارع.

فخ الانتقام
أما العاملات المنزليات، فيواجهن عزلة أشد داخل المنازل الخاصة، حيث أفادت 50% منهن بعدم الثقة في آليات التبليغ خوفًا من “فخ الانتقام”، أي فقدان الوظيفة والمأوى في حال الشكوى ضد صاحب العمل.

وأفرزت الحرب ندوبًا نفسية غائرة، حيث أبلغت 58% من النساء عن تعرضهن لإصابات جسدية أو ضغوط نفسية حادة. ومع انهيار سيادة القانون، بات إشراك الأقارب الذكور في النزاعات استراتيجية عالية المخاطر قد تؤدي إلى عنف مميت، مما يدفع الكثير من النساء إلى “الكبت” وتجرّع الصدمات داخليًا لتجنب المزيد من الصراعات.

واقتصاديًا، كشفت البيانات عن تهميش مالي كلي، حيث تفتقر 100% من بائعات الشاي للوصول إلى الأنظمة المصرفية الرسمية، سواء بسبب نقص الأوراق الثبوتية أو انعدام الثقة في المؤسسات.

وتتسع الفجوة بين الدخل والمنصرفات بشكل حاد؛ فبينما يتراوح دخل معظم بائعات الشاي بين 301,000 و600,000 جنيه سوداني شهريًا، تصل تكاليف المعيشة الأساسية للأسر التي تعولها هؤلاء النساء إلى ما بين 600,000 ومليون جنيه. هذا الوضع وضع 57% من النساء في موضع “المعيل الوحيد” للأسرة، مما دفعهن للاعتماد على استراتيجيات بقاء غير رسمية ومحفوفة بالمخاطر، مثل “الصناديق” المجتمعية، أو استخدام رصيد الهواتف المحمولة كعملة، أو إرسال التحويلات النقدية عبر أفراد موثوقين يقطعون مناطق النزاع الخطرة.

وعلى الصعيد القانوني والتعليمي، يسيطر “الخوف من المأسسة” على العاملات؛ إذ تخشى العاملات المنزليات من أن يُفهم تنظيمهن في مجموعات أو سعيهن للحصول على وضع قانوني كنوع من الانحياز السياسي لأطراف النزاع.

ويؤدي هذا التوجس إلى بقاء قوة عاملة كبيرة متوارية عن الأنظار ومحرومة من الخدمات الحكومية الأساسية.

ويتفاقم هذا الوضع بسبب الأمية القانونية، حيث تفتقر 100% من العاملات المنزليات و83% من بائعات الشاي لأي معرفة بقوانين العمل، كما تعمل 80% من العاملات المنزليات دون عقود مكتوبة تضمن حقوقهن.

ويواجه الجيل القادم، وفق الدراسة، أزمة تعليمية خانقة، حيث تقف التكاليف الباهظة ورفض المدارس لنظام الأقساط عائقًا أمام تسجيل الأطفال.

ومع إعالة أكثر من 83% من النساء لأربعة أفراد أو أكثر، وغياب التأمين الصحي، تُستنزف الميزانيات المخصصة للتعليم في الحالات الطبية الطارئة. وتدرك هؤلاء الأمهات، اللواتي لم يتجاوز 58% منهن التعليم الابتدائي، أن غياب التعليم الرسمي يعني استمرار أطفالهن في دائرة العمالة غير الرسمية والهشاشة الاقتصادية التي يواجهنها اليوم.

صندوق استجابة
ووضعت الدراسة خارطة طريق عاجلة للتدخل، شملت الحماية وذلك بإنشاء “صندوق استجابة سريعة” للعاملات المنزليات وتعيين مسؤول ارتباط مجتمعي “غير شرطي” لبائعات الشاي.

وأوصت الدراسة بالتمكين الرقمي عبر إطلاق برامج ثقافة مالية عبر الهواتف المحمولة لكسر حاجز الاستبعاد المالي.

كما شددت التوصيات على الحقوق، وذلك بتضمين بنود “كرامة العامل” في الاتفاقيات، ومعالجة الصور النمطية التي تضعف ثقة النساء في قدراتهن القيادية.

وخلص التقرير إلى أن استمرارية عمل هذه الفئات بكرامة تتطلب “نهجًا تحويليًا” يبدأ من بناء قدرات منظمات المجتمع المدني لخلق بيئة تحمي النساء وأطفالهن من مخالب الاقتصاد غير الرسمي المتردي.

سودان تربيون

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا