آخر الأخبار

“من البندقية الى الهتاف”.. صراع الجنرالات يلتهم الفضاء المدني بالسودان

شارك

في وضع مفارق لطبيعة النزاعات المسلحة ترك طرفي الصراع بالسودان ميدان المواجهات العسكرية، ونقلوا خلافاتهم إلى الفضاء المدني في محاولة لحسمها عبر التعبير السلمي بالمظاهرات الجماهيرية. وذلك بعد ما يقارب الـ3 سنوات من القتال المميت دون حسم عسكري يلوح في الأفق.

واستبعد سياسيون ومحللون أن يكون ذلك مؤشراً على فتور طرفي الصراع من القتال، بقدر ما هو تحايل جديد لإطالة أمد الصراع عبر التنافس على الشرعية الجماهيرية.

وحذّروا من خطورة الاستمرار في استخدام مثل هذه الأساليب، مؤكدين أنها تسهم في إطالة أمد الصراع، وتعقيد مسارات الحل السلمي، وتهديد وحدة السودان ومستقبله.

وكانت حشود جماهيرية مؤيدة للجيش السوداني خرجت يوم السبت، في مظاهرات سلمية بعدد من المناطق، للتنديد بقوات الدعم السريع والترويج لرؤية الجيش.

وجاءت هذه المظاهرات بعد يومين من مسيرات مشابهة انطلقت في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، مؤيدة لقوات الدعم السريع ومنددة بالجيش السوداني والحركة الإسلامية.

تنافس على الشرعية

وصف د. بكري الجاك، المتحدث الرسمي باسم تنسيقية “صمود”، ما جري بأنه “سباق محموم بين طرفي الحرب للبحث عن الشرعية عبر المواكب المحشودة مما يشكل عائقاً حقيقياً أمام الوصول إلى السلام”.

وقال الجاك، لـ”دروب”، إن التنافس على الشرعية بات أحد العوامل الرئيسة التي تسهم في إطالة أمد الحرب، وفي الوقت ذاته تعقّد فرص التوصل إلى تسوية سياسية.

وأوضح الجاك أن المجتمع الدولي يتعامل مع سلطة بورتسودان بوصفها تعبيراً عن استمرار الدولة، لا باعتبارها حكومة مكتملة الشرعية، مشيراً إلى أن هذه السلطة تسعى إلى توظيف «شرعية الأمر الواقع» لتحويلها إلى شرعية دولة تُختزل في الجيش، لا في حكومة مدنية تعبّر عن الإرادة الشعبية.

وأضاف أن “الدعوات إلى مسيرات التأييد، التي تُنظم أحياناً تحت ضغوط مباشرة أو غير مباشرة، يمكن فهمها في هذا السياق باعتبارها محاولة لتعزيز هذا التصور وإكسابه بعداً جماهيرياً”.

وأشار الجاك إلى أن قوات الدعم السريع بدورها تحاول إرسال رسائل للداخل والخارج مفادها أن المناطق الخاضعة لسيطرتها آمنة وأن الحياة فيها تسير بصورة طبيعية، معتبراً ذلك محاولة للتوسل بشرعية جماهيرية موازية، تهدف إلى تثبيت واقع السيطرة السياسية والعسكرية.

وذكر أن التنازع المحموم حول الشرعية لا يخدم سوى استمرار الحرب وتعقيد فرص الحل السياسي، محذراً من أن تحويل الصراع إلى سباق لإثبات قبول شعبي مزعوم يبعد البلاد أكثر عن مسار السلام الشامل والتحول المدني الديمقراطي.

أدوات دعائية

وكانت المظاهرات التي خرجت هنا وهناك جرى الترويج لها باعتبارها تعبيراً عن التفويض الشعبي والدعم الجماهيري لطرفي الصراع العسكري، كل حسب حشوده وجماهيرية. غير أن مراقبين، اعتبروها “لا تعكس تحولاً في موازين الشرعية، بقدر ما تمثل أدوات دعائية تهدف إلى إعادة إنتاج الصراع بشكل مختلف”.

وقال المحلل السياسي د. مصعب فضل المرجي، لـ”دروب” إن المواكب التي خرجت في 13 ديسمبر دعماً للقوات المسلحة وقائدها البرهان، والتي سبقتها في مدينة الفاشر مساندة لقوات الدعم السريع، تندرج جميعها في إطار محاولات متبادلة لنقل الصراع من ميدانه الحقيقي إلى ساحات رمزية، لا تغيّر من جوهر الأزمة ولا تُحدث أثراً حقيقياً في مسارها.

وطرح فضل المرجي تساؤلاً حول دوافع سعي طرفي القتال إلى ما يُسمّى بـ”التفويض الشعبي”، معتبراً أن الحاجة إلى هذا التفويض تعكس إدراكاً ضمنياً لأزمة الشرعية التي تحيط بالحرب ذاتها، ومحاولة لتعويض النقص عبر استعراضات جماهيرية لا تُحسم بها الصراعات، ولا تُكتسب من خلالها المشروعية السياسية أو الأخلاقية، وفق قوله.

وأضاف أن “اختبار ميادين بديلة خارج الميدان العسكري، عبر توظيف الأدوات المدنية والمواكب، لا يمكن أن يمنح أياً من الطرفين شرعية شعبية حقيقية”.

وأوضح أن الشرعية لا تُنتج بالتحشيد ولا تُقاس بعدد الحشود، وإنما بمدى التعبير الصادق عن الإرادة العامة، وحماية حياة المدنيين، والسعي الجاد لإنهاء الحرب.

وأشار فضل المرجي إلى أن التجربة السودانية القريبة تقدّم دليلاً واضحاً على فشل هذه الأساليب، مستشهداً بما عُرف بـ«اعتصام القصر» كنموذج سابق لاستخدام الأدوات المدنية بغرض الحصول على تفويض سياسي أو شعبي، وهو ما لم ينجح في تحقيق أهدافه، بل أسهم في تعميق الانقسام وإرباك المشهد السياسي.

وختم بالقول إن “المواكب الداعمة لأي من طرفي القتال لا تعدو كونها أدوات دعائية لإيهام الداخل والخارج بوجود قبول شعبي للحرب، في حين أن المزاج العام للسودانيين يميل، في جوهره، إلى رفض الحرب ومآلاتها والمطالبة بوقفها”.

أدوات قديمة ومستهلكة

من جهتها، قالت د. رجاء شوكت، المحللة السياسية والباحثة السابقة في مركز الدراسات الأفريقية بجامعة أفريقيا العالمية، “إن وسائل المظاهرات السلمية في زمن الحروب لا تُستخدم بوصفها أدوات مدنية حقيقية لاكتساب شرعية للحرب، بقدر ما تُوظَّف كآليات دعائية تهدف إلى إيهام الخارج بوجود قبول شعبي لها.

وأضافت لـ”دروب” أن “الحروب، بطبيعتها، لا تُحظى بتأييد الشعوب، وأن الشعب السوداني ليس استثناء من هذه القاعدة”.

وأوضحت شوكت أن ما يجري لا يعدو كونه إعادة إنتاج لأدوات قديمة ومستهلكة، تُستخدم لتجميل صورة السلطة القائمة أو قوات الدعم السريع، ومحاولة إظهار امتلاكهما سنداً شعبياً لا وجود له على أرض الواقع.

وأضافت أن “توجيه هذا الجهد والموارد نحو دعم مسار التفاوض، أو أي مبادرات تسهم في بناء رأي عام ضاغط لوقف الحرب، كان سيكون أكثر جدوى وأقل كلفة، خاصة في ظل الأوضاع الإنسانية القاسية التي يعيشها السودانيون”.

وأكدت أن الدفع نحو حلول سلمية حقيقية هو الطريق الأقرب لسلام دائم يتطلع إليه السودانيون كما يتطلع إليه المجتمع الدولي، وفق قولها.

دروب

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا