آخر الأخبار

سُمّ في الدسِم في فيديو جميل المظهر قبيح المخبر لمحاربة الرباعية

شارك
قطعًا لا اتّفِق مع خُلاصة ما جاء في فيديو اعتقد ان الكثير من السودانيين شاهدوه، ولا أوزعه ولا أضعه في صفحتي بفيسبوك لعدم الترويج له، وأكتب عن محتواه للتعليق عليه ونقده.. عِلمًا بأنّ مَن أنتجه أو روّج له أرفَقه برسالة كتب فيها: “السودان قارة مجمده بقرار دولي.. اصحي يا شعب يا سوداني.. شاهد وشيّر الفديو على أوسع نطاق”.
الفيديو يستغِلّ لهفة المواطن السوداني لمشاهدة مناظِر جميلة عن بلده، بدءًا بهطول أمطار وتساقُط فاكهة المانجو ومشاهِد أشجار خضراء تلامِس السُحب فوق جبل مرّة بدارفور، ومشهد طفل وطفلة يذهبان للمدرسة في جو خريفي رائع، وسيارات وحافلات و”مُقالدة” بين سودانيين، ويعود الفيديو لمشاهِد الخُضرة في دارفور والشلالات وينتقِل لخُضرة جبال النوبة ثُمّ لحقول زراعية مُمْتدّة حدّ البصر، ومشاهد لكبري النيل الأبيض بالخرطوم وبعض شوارعها، بلْ يمرّ على مباني دمّرتها الحرب، ويذهب سريعا ليتجوّل مع حيوانات ترعى وأخرى برية في حظيرة الدِنْدِر، وحتّى في جنوب السودان الذي اصبح دولة قائمة بذاتها، والأهمّ أنّ كل ذلك يجري في مُدّة دقيقتين فقط على خلفية صوت نسائي جميل من دولة عربية تتحدّث بلُغة بسيطة مفهومة ومُستوعبة للجميع، فيما يشبه قراءة مقالًا قصيرّا من 277 كلمة فقط، منها 218 تستعرض ثروات السودان الكامِنة فيه الأمر الذي لا ريب يزيد الإعجاب بالمشاهِد والتقرير. بيد أنّ الفيديو يخفي غرضه في آخر 61 كلمة لا أستطيع إلّا أنْ انقلها حرفيّا كما جاءت، فهي تقول:
“السودان اليوم ليس ضحية فوضى، بلْ ملف مُجمّد بقرارٍ دولي. لا يُسمح له أنْ ينهُض. لأنّ نهوضه يعني إعادة رسم خرائط النفوذ في أفريقيا. وبلُغة الاقتصاد السياسي، السودان ليست دولة فقيرة الموارِد، بلْ دولة فُقِّرت عمداً لتظلّ ثرواتها مفتوحة مِمّا لا يتيح لها تحقيق تنمية حقيقية ومستدامة”.
وفي نهاية الفيديو صوت رجالي لشخص غير سوداني أيضًا يقول: شير كتير للفيديو الرهيب ده.

خُلاصة رسالة الفيديو المطبوخة تقول ما معناه “إنّ سوداننا بلد غنيّ بالثروات ولكنه يقع تحت مؤامرة دولية حتّى لا يَسْتَغِلّ تلك الثروات ولا تتغيّر موازين القوّة في العالم وفي أفريقيا”.. ومَن أنتج الفيديو حتمًا سيتبعه بآخر وأكثر من آخر في ذات الاتجاه المُحرّض ضد دول لَمْ يسمّها الآن، ولا أدرى لماذا جعل “الطاقية الحايمة كبييييرة جدًا” لا يُمكِن أنْ تناسِب حتّى “رأس أمريكا” نفسها، فالرسالة تتحدّث عن أن السودان “ملف مُجمّد بقرارٍ دولي”، فتأمّل قرار، أي نعم “قرار، وقرار دولي كمان، يجمّد نهضة السودان”، كبرت كلمة تخرُج من أفواههم.
الذين وراء هذا الفيديو لا ريب ينتظرون من المواطن السودان أنْ ينوم في العسل وعلى العسل، فحتمًا ستنهزِم المؤامرة الدولية وينتهي أمدها ومفعولها.. بيد أنّ المواطن الفطِن يجِب أنْ يجلس ويفكِّر ويتأمّل في هذا الحديث الخبيث والفطير ويستعمل عقله لقراءة رسالة الفيديو وربطها بما جرى حقيقة في بلده أمس، وهو ليس تاريخاً بعيدًا إنِّما واقِعًا قريبًا نعيش نتائجه حتّى اليوم، وبما يجري فيه الآن من حرب ودمار يرفُض القائمون على سُلطة الأمر الواقِع في بورتسودان وقفها وبالتالي عدم الاستجابة لما يطلبه الشعب السوداني والمجتمع الإقليمي والدولي بالطبع، وعلى المواطن الفطِن أنْ يستشعر ويتحسّس ما سيجري في بلده، وما سيكون عليه بلده، غدًا ومستقبلًا باستمرار هذه الحرب اللعينة.
لماذا نحمّل فشلنا إلى العالم ودول أخرى و”قرار دولي يريد أنْ يُبقي السودان في تخلُّفه وتدهوره وحروبه حتى لا يَسْتَغِلّ ثروته الكبيرة، كما جاء في الفيديو؟”.
نحن وحدنا، وكشعب وليس نُخبًا فحسب، دمّرنا بلدنا وأشعلنا فيها الحروب. ونشرنا فيها وبيننا العصبية والعنصرية والكراهية والبغضاء. فلماذا نبحث عن شمّاعة نعلّق فيها قرفنا ووسخنا الذي عشنا به وفيه؟
وبعكس ما جاء في الدعوة المكتوبة المُصاحِبة للفيديو، والتي تروِّج له، أقول.. “أصح يا شعب يا سوداني واعترف بحقائق فشلك، فالاعتراف بذلك أوّل خطوة للجلوس دون مزايدات على بعضنا بعضًا ومُعالجة الوضع في بلادنا بالبحث عن الحلول المُتوفِّرة والعمل على إنزالها وتطبيقها وتنفيذها بصِدْقٍ وأمانة ووطنية وتجرُّد”.
علينا أنْ نعترِف بحقائقنا ونتوقّف عن الأوصاف الجميلة والرائعة التي ليست فينا ونخدِّر بها أنفسنا ونردِّدها بغباءٍ كببغاءٍ.
نحن شعب فاشِل أدرنا حروبًا في بلادنا وتركنا أنظمة ساقِطة أخلاقيًا وشرعيًا وسياسيًا واقتصاديًا تحكُمنا. تارة لسِتّة عشر عامًا، وبعد أنْ فعل نظام السفاح نميري فينا ما فعل، أسقطناه ثُمّ أفشلنا ثورتنا كما أفشلنا قبلها ثورة أكتوبر 64 على أوّل نظام عسكري دكتاتوري حكمنا، وهو نظام الجنرال عبود.
وتارة ثالثة تركنا نِظامًا قاهِرًا ظالِمًا فاسِدًا يحكُمنا لثلاثة عقود باسم الإسلام والشريعة والخزعبلات التي أنتجها الترابي والبشير وكل الكيزان ومَن لفّ لفّهم من شموليين، وعندما أسقطت الأجيال الشابة الجديدة نظامهم عملوا للعودة للسُلطة بإشعال حرب قذرة لعينة دمّرت كل البلد وقتلت وشرّدت أهله بين نازح ولاجئ وهارب.
حَكَمتنا أنظِمة، مرّة باسم الاشتراكية والوحدة العربية وديمقراطية الحزب الواحد الشمولي وتحقيق تنمية كاذبة وشعارات تلوكها ذات الألسن التي تبصقها في أوّل مُنْعطف تبدّل بعده مسار نظام نميري.
وفي التارةِ الثالثة الأشدّ سوءًا، حَكَمتنا ديكتاتورية بغيضة وفاسِدة باسم العقيدة والدين والشريعة الإسلامية، فتأمّل في هذا الخلط الغبي من المشاريع التي دمّرت السودان وقسّمته لبلدين وشتّتت شعبه في كل أصقاع الدنيا حتّى صِرنا عبءً على دول الجوار وحملنا لهم كل أمراضِنا وسلوكياتنا الفاشلة لنعيش بها في بلادهم.
يجِب ألّا تسْكِرنا كلمات وجُمل في فيديو فنرقُص على أنغامها وهي تحسِب ثروات البلاد فوق وتحت الأرض وتعدِّدها، ثُمّ تخدِّرنا بأنّنا فشلنا في استغلالها لأنّ هنالك مؤامرة دولية على بلادنا فرضت علينا ذلك وأقعدتنا وحاربتنا، وبالتالي نحن ضحاياها وعلينا أنْ لا نلوم أنفُسنا على ما فعلنا بأيدينا في بلدنا.
بيد أنّ كل ذلك، وللحقيقة والتاريخ وأيضًا المُستقبل الذي ننشُد، كِذْبٌ وخِداعٌ بيّن. نحن شعوب فاشلة. هذه هي الحقيقة إلى أنْ نغيّر ما بأنفُسنا كما حاولت الأجيال الجديدة “من تلاتين سنة لِتِحْت” التي “نفَدت” من الفشل وتحصّنت من وراثته وصنعت ثورة عظيمة للتغيير نحو مستقبل أفضل.. ولكننا، الأجيال “من تلاتين سنة لفوق” تسلّمنا قيادتها وأفشلناها لهم.. فيا لضياعِنا ويا للوضيعة التي عِشنا بها وفيها.. قال شعب مُعلِّم قال. أصحْ يا سوداني على حقائقك.
فهل تنهُض أجيال ثورة 18 ديسمبر 2018- 11 أبريل 2019 بثورتهم من جديد؟
الأمل معقود عليهم ولذلك أتشرّف أنْ أضع في صفحتي مع هذا التعليق فيديو تحت عنوان “الثورة مشوار طويل.. الثورة ما دايره البِقيف” لصاحِبات “زغرودة” الواحِدة ظهرًا التي كانت تُطْلَق لتدشين المُظاهرات، فاستمرّت أربعة أشهر حتّى أسقطت أسوأ ديكتاتور مرّ على السودان، المجرم القاتل عمر البشير الذي سبق واعترف بعضله فمه بجرائمه في دارفور دون أنْ ترْتجِف له وجنة.
حرائر السودان انجزن ثورة لا مثيل لها، فلماذا أدخلنا عليها كل سفلة القوم؟
علينا أنْ نوضِّح ذلك لا لنحاسِب أحد من القوى المدنية التي شاركت في السُلطة الانتقالية التي انقلب عليها البرهان، وإنّما لتحصين التغيير القادِم، وهو حتمًا قادِم بأمرِ الأجيال التي تريد استرداد ثورتها.
إنّ الفيديو الذي أتحدّث عنه في هذا التعليق، حتمًا جرى إنتاجه في غُرف التضليل والتزوير والكِذب التي يقوم عليها الكيزان لمُقابلة خُطط الرباعية والاهتمام الدولي بضرورة وقف الحرب القذرة في السودان وإسقاط الانقلاب على الثورة والعودة لحكومة مدنية كاملة الدسم تعمل على تحقيق التغيير الذي عملت على إنجازِه ثورة الشباب التي اقتلعت نظام الإنقاذ بكيزانه وفلوله. ومع ذلك، استغلّ الكيزان ضُعف وتهاون وتآمُر البرهان ورهطه في قيادة الجيش الذي أصبح مليشيا كيزانية 100%، فأشعلوا حربّا قذرة ليعودوا للسُلطة.
ما يجِب أنْ نلتفت إليه ونؤيده، هو أنّ دول الرباعية والمجتمع الدولي بأكمله تقريبًا، أصبحوا يقِفون ضد الذين أشعلوا الحرب ويؤجِّجونها، وباتوا يعملون على تخليص الشعب السوداني من الحرب وقد حرّكتهم مأساة ومعاناة الشعب.
تعمل دول الرباعية على إنجاز خارطة طريق جاءت في بيان 12 سبتمبر 2025، الأمر الذي يحتاج لتنسيق محلي وإقليمي ودولي لضمان تنفيذ بنودها التي تبدأ بهُدنة ثُمّ وقف الحرب وتشكيل سُلطة مدنية كامِلة الدسم تخرُج أطراف الحرب من معادلتها. فمَن يريد أنْ يوقِف هذا المسار الذي يؤدي للسلام سوى الكيزان ومَن لفّ لفّهم؟
لا ريب أنّ العبارات المُصاحبة لفيديو جميل المظهر قبيح المخبر وسيء المقْصَد، وُضِعت على لسان وصوت امرأة من دولة عربية حتى يبدو “النجر” والخِداع مقبولًا، والكيزان لا يعدمون أنْ يجِدوا لهم صوتًا نسائيًا جميلًا من جماعات الإسلام السياسي فإنّهم منتشِرون في العديد من الدول، ليخدعوا به السودانيين.. ولا شك أنّهم مُتمرِّسون في ذلك. فهل نسينا ما فعلوا فينا لأكثر من ثلاثة عقود؟ وما يفعلونه في هذه الحرب القذرة بتسجيلات وكتابات تسمِّم جسد المجتمع السوداني؟
فتِّش عن الصحفي اليمني الحوثي الكوز وستجِده وراء هذا الفيديو.. وقد استعمل صورًا ومشاهِدَ سودانية خلّابة، لمُدّة دقيقتين فقط، دسّ فيها ومعها وخلالها مُخدّرًا مُسمِّمًا للعقول والأنفُس، عِلمًا بأنّه قبض مُقدّمًا ثمن كل ذلك من حكومة سُلطة الأمر الواقِع في بورتسودان.
تبقّى القول.. جمع الفيديو مناظِرَ خلّابة للسودان واستعرض بالقول في صوتٍ شجيٍ، جوانِبّا من ثرواته الطبيعية الكامِنة وإحصاءات عنها، وأدخل في كل ذلك الدسَم من الكلام الطيب الذي يدفعك لتصدِّق كُلّما تراه وتسمعه وبالطبعِ يعجِبك، وأنت كمُشاهِد ومُستمِع لا تخالِف الطبيعة البشرية في ذلك، أدْخَل فيه السُمّ لتسمَع عبارات تجعلك تنتفِض كمَن “قرصه دبيب” وتحيل كل فشل الراهن الذي تعيشه ويمرّ به بلدك السودان لآخرين ولمؤامرة دولية ضُدّك وضُد وطنك وهذا هراء وكِذب واضِح وصريح لا يقوم به إلّا الكيزان أصحاب المصلحة في استمرار الراهن القميء بحربه ودماره ليعودوا للسُلطة التي أُخِذت منهم أخذًا بثورة شعبية عارِمة وضعت حدّاً لنظامهم الفاسد الظالم الذي سام كل الشعب العذاب.
لا ولنْ ينطلي علينا حديث مؤامرة دولية ضُدّنا، ونحن نرتكِب الحرائق والجرائم ونشعِل الحروب بأنفُسنا وبأيدينا في بلدنا.
اختِم تعليقي بنداء إلى الشباب صُنّاع الثورة وأقول: ارموا مِثل هذا الفيديو في الزِبالة.. وأعملوا على وقفِ الحرب اللعينة لتقوموا إلى ثورتكم وتواصِلوا فيها.. لا شيء يعدل الوطن إلّا ثورتكم واستمرارها وتحقيق كافة قضايا التغيير التي طرحتها.. حرية سلام وعدالة.. كل البلد دارفور يا مُفتري ومغرور.. ما في مليشيا، كيزانية وغيرها، بتحكُم دولة..
عصام محجوب
بوخارست- رومانيا
الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا