يشهد إقليم كردفان ، خلال الأيام الأخيرة، تصعيداً عسكرياً متسارعاً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلى جانب القوات المتحالفة معها والمعروفة محلياً باسم قوات “تأسيس”، وسط تغيّرات ميدانية متلاحقة ومؤشرات على اتساع نطاق المواجهات، وفق مصادر عسكرية ميدانية تحدثت لـ”الشرق”.
وقالت المفوضة الأوروبية لإدارة الأزمات حاجة لحبيب، الجمعة، إن هجوم قوات الدعم السريع على منطقة كلوقي في ولاية جنوب كردفان بالسودان “جريمة حرب صارخة”، بعد أن أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 47، معظمهم من الأطفال.
وأضافت في منشور على إكس: “لا ينبغي أبداً استهداف المدنيين أو البنى التحتية المدنية، ويجب احترام القانون الدولي الإنساني.. هذا العنف يتطلب مساءلة عاجلة”.
وأفادت شبكة أطباء السودان، في وقت سابق من الجمعة، بسقوط أكثر من 50، من بينهم 33 طفلاً، في هجوم استهدف روضة أطفال في جنوب كردفان، واتهمت قوات الدعم السريع بتنفيذه.
وكان ذلك قبل أن تصدر وزارة الخارجية السودانية بياناً، في ساعة متأخرة، قالت فيه إن الهجوم، الذي وصفته بـ”المذبحة”، أسفر عن سقوط 79 مدنياً، بينهم 43 طفلاً و6 نساء.
وذكرت الخارجية السودانية أن هجوماً بطائرة مسيرة استهدف روضة أطفال بقصف صاروخي، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الأطفال، وعندما هب الأهالي لإنقاذ أطفالهم المصابين، “عاودت المليشيا قصف الروضة لتقتل عدداً منهم، بمن فيهم أطفالاً لم يصابوا في المرة الأولى”.
واتهمت الوزارة، في بيان، قوات الدعم السريع بملاحقة الضحايا والمسعفين في المستشفى الريفي الذي نقل إليه المصابون بالقصف.
وحذر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، الخميس، من أن السودان يواجه خطر موجة جديدة وشيكة من الفظائع في إقليم كردفان، مشيراً إلى أن المفوضية سجلت سقوط 269 مدنياً على الأقل جراء الغارات الجوية والقصف والإعدامات الميدانية” في شمال كردفان منذ 25 أكتوبر.
ويأتي ذلك، وفق ما نشر موقع الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (مكتب المفوض السامي) وسط تصاعد القتال العنيف بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال.
وفي المؤتمر الصحفي اليومي في نيويورك، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك إن هذه الهجمات تأتي في ظل “تدهور حاد في الوضع الأمني في ولايتي كردفان منذ أوائل نوفمبر، مما أدى إلى نزوح واسع النطاق وتفاقم الاحتياجات الإنسانية”.
وقال دوجاريك إن المنظمة تواصل العمل مع شركائها لتقديم الدعم المنقذ للحياة في السودان، “لكن حجم الاحتياجات يفوق بكثير الموارد المتاحة”.
وتُعدّ ولاية شمال كردفان من أبرز مناطق نفوذ الجيش السوداني، إذ يفرض سيطرته على عاصمتها “الأُبيّض”، التي جعلها مقراً رئيسياً لقيادته العملياتية، إضافة إلى مدينتي “الرهد” و”أم روابة” والقرى المتاخمة للمحاور الرئيسية.
وتبقى مدينة “بارا” الاستثناء الأبرز خارج السيطرة الكاملة للجيش، إلى جانب بعض البلدات والقرى الملاصقة للمدن الكبرى الثلاث.
في المقابل، تشهد المناطق الواقعة جنوب وغرب “الأُبيّض”، خاصة “أم صميمة وأبو قعود”، مواجهات متقطعة وتوتراً متصاعداً، مع حشود عسكرية كبيرة من الطرفين، مما يجعل المنطقة مرشحة لاشتعال مواجهة وشيكة وفق تقديرات مصادر عسكرية.
وفي الوقت نفسه، يحاول الجيش استعادة السيطرة على “بارا” من جديد لتأمين حدودها مع “الأُبيّض”.
وتُمسك قوات الدعم السريع بزمام السيطرة في غالبية “محليات” غرب كردفان، بما في ذلك “النهود والخوي والفولة والمجلد”.
وتتركز المواجهات حالياً في “بابنوسة”، المدينة التي يسيطر عليها الدعم السريع.
وبحسب المعطيات الميدانية، فإن سيطرة الدعم السريع على المدينة تعني عملياً أن اللواء 90 للجيش السوداني، الموجود في منطقة “هجليج” النفطية المحاذية لجنوب السودان، هو القوة الوحيدة للجيش التي لا تزال تواجه الدعم السريع في الولاية.
في جنوب كردفان، يمسك الجيش بمدينتي “كادقلي والدلنج”، إضافة إلى “أبو جبيهة وكلوقي وتلودي”، فيما تسيطر قوات الدعم السريع وحليفتها “الحركة الشعبية–جناح عقار” على مناطق “كاودا وهبيلا” إلى جانب بلدات مجاورة.
وتشهد الأطراف القريبة من “كادقلي والدلنج” اشتباكات متقطعة بين الجانبين ومعارك كر وفر بينهما.
أما في الجهة الشرقية من الولاية، فتدور أعنف المواجهات بين الجيش و”الحركة الشعبية – شمال” بقيادة عبد العزيز الحلو (متحالفة مع الدعم السريع) حيث تمكن الجيش من السيطرة على مناطق “مبسوطة والجبال الستة”، متقدماً نحو “الموريب” التي تُعد أحد أكبر معاقل الحركة الشعبية.
وفي تطور لافت، تعرضت مدينة “كاودا”، وهي المعقل الرئيسي للحركة الشعبية، لقصف بطائرات مسيّرة تابعة للجيش، فيما ردّت الحركة بقصف مدفعي استهدف محلية “كلوقي” الخاضعة لسيطرة الجيش، في مؤشر على اتساع نطاق الاستهداف المتبادل بين الطرفين.
وتخشى الأمم المتحدة أن يتحوّل الإقليم إلى فاشر وشمال دارفور جديدة بسبب المواجهات العسكرية المستعرة وموجات النزوح المتعاقبة، التي تجاوزت حتى الآن مئات الآلاف من المدنيين، الذين توجهوا نحو مدينة “الأُبيّض” في شمال كردفان كوجهة أساسية، إضافة إلى الولاية الشمالية وولاية النيل الأبيض.
الشرق
المصدر:
الراكوبة