تقرير: رشا حسن
في خطوة لافتة تعيد فتح ملف الرموز الوطنية في اللحظة الأكثر تعقيداً من تاريخ البلاد، اقترح رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق عبدالفتاح البرهان تغيير علم السودان الحالي والعودة إلى العلم القديم الذي رُفع يوم استقلال البلاد في عام 1956. وجاء حديث البرهان خلال مشاركته في حفل تأبين شهداء حركة جيش تحرير السودان، حيث أكد أن العلم القديم – بألوانه الثلاثة – يمثل رمزاً تاريخياً حمله الآباء والأجداد، مشدداً على أن هذا المقترح يأتي ضمن رؤية أوسع تهدف إلى “إعادة صياغة الدولة السودانية من الأول وبناء سودان على أسس صحيحة”.
عودة العلم
كما علّق عثمان عبدالرحمن سليمان، الناطق الرسمي باسم القوى المدنية المتحدة “قمم” في السودان، على تصريحات البرهان قائلاً إنه “استغرب جداً لمثل هذا الحديث، وكأنما هناك جهة تستعمر البلاد”، معتبراً أن مقترح تغيير العلم “لا يعدو كونه محاولة يائسة للتسويق لنفسه”.
وأكد سليمان في حديثه ل”الراكوبة” أن علم السودان الحالي يحمل دلالات تاريخية ومجتمعية راسخة، مشيراً إلى أن معالجة الأزمة السياسية لا تتم عبر الرموز، بل عبر خطوات جادة نحو السلام وإتاحة المجال للمدنيين. وأضاف: “الأزمة السياسية في السودان مصدرها تدخل الجيش المتكرر في الشأن السياسي”.
وشدد على أن تغيير العلم “لن يغيّر شيئاً”، موضحاً أن الطريق الحقيقي يبدأ من إعادة بناء الضمير الوطني، وأنه “لا توجد منصة توحّد السودانيين سوى طاولة الحوار وقبول الآخر وإبعاد النظام البائد من المشهد السياسي والعسكري”، معتبراً أن هذه الخطوات وحدها قادرة على إعادة توحيد الشارع السوداني.
أزمة السودان
أما رئيس دائرة الإعلام في حزب الأمة القومي السوداني، مصباح أحمد، فقد وصف تصريحات الفريق أول عبدالفتاح البرهان الأخيرة بأنها محاولة جديدة لاختزال الأزمة السودانية في مقترحات شكلية لا تعكس جوهر المأساة الوطنية، متجاهلاً حقائق المرحلة واستحقاقاتها العاجلة.
وأشار أحمد في حديثه لـ”الراكوبة”، الى أن الأزمة في السودان أعمق بكثير من خطوات تكتيكية أو حلول سطحية؛ فهي أزمة بنيوية تتطلب معالجات جذرية ورؤى واضحة تُعيد صياغة الدولة على أسس وطنية، وتُلبي تطلعات الشعب في إدارة التنوع وبناء وطن معافى من الحروب، متجاوزًا إخفاق التجارب السابقة.
وأوضح، أن السودان في هذه اللحظة الحرجة يحتاج إلى إرادة شجاعة لإنهاء الحرب وتحقيق سلام مستدام عبر عملية سياسية شاملة، تُطرح فيها رؤى واضحة لصياغة عقد اجتماعي جديد، يؤسس لسودان موحد تسوده قيم الحرية والسلام والعدالة والمساواة والديمقراطية.
وأشار إلى أن الفريق البرهان لم يلتزم بهذه المبادئ طوال السنوات الماضية، إذ ظل أحد أبرز معوّقي مسار الانتقال منذ الأيام الأولى للثورة. وأكد أن مقترحاته الحالية لا معنى لها في ظل تمسّكه بالسلطة واستمراره في إشعال الحرب، وعرقلته المتكررة لكل الجهود الوطنية والدولية الساعية لإنقاذ البلاد، مؤكدًا أن الرجل دأب على الهروب من الاستحقاقات الوطنية، محاولًا تقديم نفسه كحريص على وحدة البلاد، بينما يقود السودان فعليًا نحو مزيد من الانقسام والانهيار عبر ممارسات هو ومن حوله من دعاة الحرب.
ويرى أحمد أن ما يطرحه البرهان اليوم ليس أكثر من خطوة تكتيكية لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية، دون أي ارتباط بجذور الأزمة السودانية أو بمتطلبات الحل الحقيقي للأزمة المتجددة منذ عقود.
وشدد على أن السودان بحاجة إلى مقاربة جادة ومسؤولة لبعث قضيته الوطنية من جديد، عبر مشاركة كل أبنائه وقواه الحية في صياغة عقد اجتماعي يستند إلى مبادئ وطنية راسخة ويعبّر عن تطلعات الشعب السوداني في كل مناطقه، ويستكمل أهداف ثورة ديسمبر المجيدة.
وتابع أحمد: “من كان سببًا في تفاقم الأزمة وإشعال نار الحرب لا يملك أهلية أخلاقية أو سياسية لطرح الحلول. الحل الحقيقي ينبع من حوار سوداني–سوداني شامل تشارك فيه كل القوى السياسية والمدنية والاجتماعية، ما عدا مشعلي الحروب (الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني وواجهاتهما)، لوضع البلاد على مسار سلام دائم وانتقال رشيد”.
المصدر:
الراكوبة