مداميك: ندى رمضان
وسط الحرب يترقب السودانيون تطورات جديدة في المشهد السياسي الدولي تعمل على وقف الحرب بعد تبني رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترمب ملف الأزمة السودانية بتوصية من ولي العهد السعودي، رَحّب على ضوئها القائد العام للجيش عبدالفتاح البرهان واعتبرها خطوة تمهد للحل السياسي. وبعد يومين فقط أعلن ترامب عن اتجاه قوي لتصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، ما دفع قيادات إسلامية للتنديد بالقرار والتمسك بخيار الحرب والقضاء على آخر فرد من قوات الدعم السريع.
وبالمقابل أكد مراقبون أن القرار يفتح طاقة أخرى أمام القوى المدنية لاستعادة الحالة الثورية بعد إنهاء الحرب، واستئناف وحدتها، وتجاوز خلافاتها عبر ميثاق جديد للعمل الوطني.
وبالتزامن مع قرار التصنيف الإرهابي للإخوان المسلمين، كشفت متابعات صحفية عن اجتماع للحركة الإسلامية بولاية الجزيرة أوصت فيه برفض الدخول في أي مفاوضات خلال المرحلة الحالية، في خطوة تعكس تشدداً واضحاً داخل مؤسسات الحركة تجاه المسار التفاوضي. وتعهدوا بمواصلة ما أسموه “معركة الحسم”، وأكدوا استعدادهم للقتال حتى القضاء الكامل على قوات الدعم السريع. وتزامن الاجتماع مع تزايد الضغوط الدولية لإعادة طرفي الحرب إلى طاولة الحوار.
وفي تعليقه على القرار الأمريكي وموقف البرهان، قال الكاتب والمحلل السياسي صلاح شعيب:
(إن القرار سيقلب كل الموازين في منطقة الشرق الأوسط عموماً، والسودان خصوصاً، وحربه بشكل أخصّ). وأكد أن عبد الفتاح البرهان أكبر المتضررين من القرار، وعزا ذلك لاعتماده على جماعات الإخوان المسلمين كقاعدة داعمة مجتمعياً، وعسكرياً، وإعلامياً لسلطته، وكذلك لحربه.
وأضاف: في حال إذعان البرهان لقرار واشنطن المرتقب فإن هذا الموقف سيجعله في مواجهة مكشوفة مع التيارات الإسلامية التي هددت بزواله أكثر من مرة. ولكن في حال رفض حكومته القرار فإنه سيفتقد دعم حلفائه الإقليميين، وذلك يعني تحجيم قدرة الجيش في الاستمرار في الحرب، فضلاً عن عزل حكومته في المنطقة، وأفريقياً، ودولياً.
وتوقع شعيب أن يحاصر القرار “تردادات” ومراوغات البرهان فيما يخص قبول ما تقرره الولايات المتحدة وشركاؤها الرباعيون لإنهاء الحرب دون أي شروط مسبقة، وفقاً لما صرح به بولص كبير مستشاري ترمب.
ونبَّه لوجود تحدي وصفه بالأعظم أمام البرهان، يتمثل في كيفية الابتعاد الكلي عن الحركة الإسلامية بالقدر الذي يجعله متصالحاً مع الرغبة الأميركية في حماية نفسها استباقياً من الإرهاب، وكذلك خلق استقرار طويل الأمد لحلفائها في المنطقة بعد التخلص من التأثير الإيراني، وتقليم أظافر طهران في سوريا، وإضعاف حماس، وحزب الله، ومحاصرة الحوثيين.
وأشار شعيب لتصريحات القنصل المصري السابق في السودان حاتم باشات بأن السودان صار آخر معقل للإسلاميين في المنطقة. ولم يخفِ مخاوف القاهرة من تمدد الإسلاميين، وإحاطتهم بالبرهان، وعرقلتهم لخطوات إنهاء الحرب بالتفاوض. وأوضح أن القرار الأميركي المرتقب سينهي تأثير الإخوان في حاضر ومستقبل السودان إذا أدركنا قدرة واشنطن في تأثيرها إقليمياً ودولياً.
وبهذا المستوى فإن تصنيف الإسلاميين ومنظوماتهم إرهابياً سيدفع خطوات التعافي للمشهد السوداني بعد إفساد الإسلاميين الحياة السياسية، وكذلك عرقلتهم نجاح ثورة ديسمبر. إذ عمدوا إلى الالتفاف ضد الثورة بالانقلاب، وسعوا إلى محو أي وجود لقادة وقاعدة الثورة، وذلك عبر إشعال الحرب التي خلطت أوراق المشهد السياسي السوداني، وهددت بتقسيم البلاد.
وعاد شعيب ليؤكد أن التصنيف الإرهابي لتنظيمات الإخوان المسلمين — وهم تيارات متعددة، منها الظاهر والمستتر عبر منظمات سياسة ومجتمع مدني عديدة — سيمهد المجال للمدنيين الديمقراطيين للتخلص من أعتى خصومهم الذين يملكون ماكينة مالية ضخمة، ونفوذاً غالباً داخل الجيش والمؤسسات النظامية والخدمة المدنية والقطاع الخاص.
وتابع: لو تم التوصل إلى سلام في البلاد ستكون أمام السودان فرصة عظيمة لاستعادة الانتقال نحو الديمقراطية، متى ما توحد المدنيون لإعادة بناء السودان الذي دمرته منظومات الإخوان المسلمين، فوقاً عن تدميرها للنسيج الاجتماعي، ورعايتها لخطاب الكراهية، وخلق الفتن السياسية وسط مكونات الأحزاب. واعتبر تصنيف واشنطن للإخوان المسلمين بارقة أمل جديدة للمنطقة والسودان، ولم يستبعد مقاومتهم المؤكدة للقرار.
ومن جهته قال الصحفي والمحلل السياسي عمرو شعبان لـ(مداميك) إن هناك عوامل قوة تخدم “ترامب” في هذا الملف، وتحديات هيكلية تقف في وجهه.
وتابع:
أولاً: عوامل القوة التي قد تخدم وقف الحرب
– الضغوط القصوى والصفقات المباشرة، وهو ما اشتهر به ترامب بالتركيز على الصفقات السريعة والمباشرة، وتجاوز البيروقراطية الدبلوماسية التقليدية. هذا الأسلوب قد يسمح له بفرض ضغوط قصوى وفورية وعقوبات مباشرة على قادة الحرب (الجيش وقوات الدعم السريع) لفرض وقف إطلاق نار دائم دون المرور بمفاوضات بطيئة.
وكذلك يسمح له بتشكيل تحالفات غير تقليدية مع قوى إقليمية رئيسية (مثل الإمارات، مصر، السعودية… وغيرهم) يمكنها التأثير بشكل حاسم على الأطراف المتحاربة، معتمداً على مقايضة المصالح بدلاً من المبادئ.
وأضاف شعبان:
“تحديد الهدف وتركيز القوة”
إذا قررت إدارة ترامب أن استقرار السودان (أو على الأقل تأمينه من النفوذ الروسي/الصيني في البحر الأحمر) يمثل مصلحة عليا، فستتمكن من تركيز قوة ضغط هائلة لتحقيق هذا الهدف يفتقده الوسطاء الحاليون.
وتابع:
إن نجاح هدف “الانتقال المدني الذي يستبعد أطراف الحرب وقيادات الوطني المعزول” يواجه تحديات هائلة، خاصة في ضوء الأطماع الدولية، وفصلها شعبان في: تحدي إزاحة أطراف الحرب (الواقع العسكري) فالحرب في السودان ليست صراعاً بين فردين، بل صراع على مؤسسات اقتصادية وعسكرية عميقة (إمبراطوريات الجيش والدعم السريع). وإزاحة هذه الأطراف يتطلب تفكيكاً كاملاً لهيكلة الدولة واقتصادها، وهو ما يستحيل تحقيقه بقرار خارجي بحت.
ويرى شعبان أنه غياب القوة الثالثة إذ لا توجد حالياً “قوة عسكرية” مدنية موحدة وموثوقة قادرة على استلام السلطة الأمنية فور إزاحة الأطراف المتحاربة. أي انتقال مدني في ظل هذا الفراغ الأمني سيكون هشاً ومعرضاً للانهيار.
وحول الأطماع الدولية و الإقليمية يرى شعبان أن
الصراع على الذهب والنفوذ والموارد السودانية (الذهب، الزراعة، موقع البحر الأحمر) هو السبب الجوهري لاستمرار الدعم الإقليمي والدولي للأطراف المتحاربة. الدول الإقليمية تدعم الأطراف التي تضمن لها استمرار تدفق هذه الموارد أو النفوذ الجيوسياسي.
وفيما يختص بحسابات ترامب الاقتصادية قال:
قد يرى ترامب أن مصالح الولايات المتحدة تكمن في تأمين مصالح حلفائه الإقليميين (الذين قد يدعمون أحد طرفي الحرب) بدلاً من الضغط عليهم لتحقيق انتقال مدني خالص. وإذا كانت الصفقة “المالية” أسهل من “الديمقراطية”، فستُرجَّح الأولى.
وفيما يتعلق بالعمق الإقليمي للنظام المعزول نبه إلى أن
قيادات المؤتمر الوطني المعزول ليست معزولة حقاً، بل لديهم علاقات وشبكات إقليمية واسعة، خاصة في المجال الأمني والمالي. إزاحتهم بالكامل تتطلب تعاوناً استخباراتياً ودبلوماسياً شاملاً من دول الجوار، وهو أمر معقد.
عليه من المرجح أن ينجح ترامب في تحقيق نجاح جزئي في وقف إطلاق النار (مؤقت):
يمكنه فرض وقف إطلاق نار سريع من خلال الضغط القوي، لكن هذا الوقف لن يكون نهائياً أو مستداماً دون تفكيك الهياكل الاقتصادية للمتحاربين.
ورسم شعبان صورة قاتمة للانتقال المدني الشامل، ورأى:
إنه من الصعب جداً تحقيق انتقال مدني يستبعد أطراف الحرب بالكامل، لأن أسلوب ترامب — الذي يميل إلى تجاهل التفاصيل المعقدة وتركيزه على الكبار — قد لا يدعم بناء قاعدة مدنية قوية. وقد يدفع نحو صيغة “حكومة تقنية” أو “مدنيين ضعفاء” يتم قبولهم من قبل العسكر مؤقتاً لتخفيف الضغط الدولي، لكنهم لن يحققوا إزاحة كاملة لأطراف النزاع أو لقادة النظام السابق المتجذرين.
ولفت إلى أنه إذا تم نقل ملف السودان إلى الرئاسة الأمريكية بأجندة ترامب، “فإننا قد نشهد تدخلاً أمريكياً حاسماً وسريعاً في وقف الحرب التكتيكي”، لكنه استدرك قائلاً: إن هذا التدخل سيصطدم حتماً بالتعقيدات الداخلية والأطماع الدولية التي تجعل من تحقيق “انتقال مدني مستبعد لأطراف الحرب” هدفاً بعيد المنال في المدى القريب، ما لم يقرر الرئيس تبني استراتيجية طويلة الأمد غير مسبوقة لتجفيف منابع التمويل الإقليمية”.
مداميك
المصدر:
الراكوبة