آخر الأخبار

حرب ممنهجة على المدنيين في السودان.. الخراب يواصل اجتياح دارفور بلا توقف

شارك

تشهد مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور في السودان، أزمة غذائية متفاقمة تهدد حياة ملايين المدنيين، وسط تحذيرات متكررة من الأمم المتحدة من وقوع كارثة إنسانية غير مسبوقة إذا استمرت الأوضاع على حالها. فقد أكد نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، أن “هناك نقصا حادا في المواد الغذائية الأساسية في الفاشر، فيما تغلق المداخل إلى المدينة بواسطة قوات الدعم السريع، مما يعرقل وصول المساعدات الإنسانية ويزيد من معاناة السكان”. ويأتي هذا التحذير في ظل تصاعد النزاعات المحلية والسياسية في السودان، ما يجعل المدنيين أكثر عرضة للجوع والفقر، ويكشف هشاشة الاستجابة الإنسانية في المناطق المتضررة من النزاعات المسلحة.

وتشير التحليلات إلى أن أزمة الفاشر تجاوزت طابع المأزق المحلي المحدود، وباتت جزءا من مأساة ممتدة تشمل كامل إقليم دارفور، حيث تتقاطع الكوارث الإنسانية مع الانتهاكات الأمنية والسياسية، وتتعرض الفئات الأكثر ضعفا مثل الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن لضغوط شديدة تهدد حياتهم اليومية. ويؤكد خبراء تحدثت معهم “الأيام نيوز” أن استمرار الحصار والعنف وغياب تدخل دولي عاجل قد يحوّل الوضع إلى كارثة واسعة يصعب السيطرة عليها، ما يجعل الفاشر ساحة اختبار لحجم الأزمة الإنسانية والسياسية التي يواجهها السودان بأسره.

وفي تحليل أوسع للأزمة، يرى الخبير السوداني إبراهيم أبو الفاضل أن الوضع في الفاشر لا يمكن عزله عن السياق الإقليمي الأوسع لدارفور، إذ إن الأزمة تمثل جزءا من مأساة ممتدة تشمل كافة الولايات المتضررة من النزاعات. وشدد أبو الفاضل على أن “الوضع في الفاشر أصبح كارثيا، حيث يواجه السكان نقصا حادا في الغذاء والمياه، ويعيشون تحت ضغط نفسي وجسدي هائل. ويزيد إغلاق المداخل من قبل الدعم السريع من معاناة المواطنين، ويجعل أي جهود إنسانية عاجزة عن تلبية الاحتياجات الأساسية”.

ويضيف الخبير – في تصريح لـ”الأيام نيوز” – أن هذه الإجراءات لا تقتصر على التأثير المباشر على المدنيين، بل تمتد لتعيق عمل المنظمات الإنسانية، مما يزيد من احتمالات انتشار الأمراض وسوء التغذية، لا سيما بين الفئات الأكثر هشاشة مثل الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن. ويؤكد هذا التحليل هشاشة الوضع الأمني في دارفور ومدى ارتباطه بالحياة اليومية للسكان، حيث تشير الأمم المتحدة إلى أن استمرار الحصار والعنف سيؤدي إلى كارثة إنسانية تشمل ملايين الأشخاص إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة.

ومع ازدياد تعقيدات المشهد الأمني، يشير أبو الفاضل إلى أهمية التدخل الدولي الفوري لضمان فتح الممرات الإنسانية، قائلا: “الحل العاجل يكمن في السماح بدخول المساعدات بشكل منتظم، وتوفير الحماية للسكان المدنيين، وإيجاد آليات مراقبة لتجنب أي انتهاكات جديدة”. ويضيف أنه من الضروري دعم برامج التغذية الطارئة وتوفير المواد الأساسية لحماية حياة السكان، محذرا من أن تجاهل الأزمة قد يحوّل الوضع إلى كارثة غير قابلة للسيطرة.

المدنيون تحت حصار الدعم السريع

وفي هذا الإطار، تشير تقارير حقوقية محلية ودولية إلى تورط قوات الدعم السريع في انتهاكات ميدانية متعددة، تشمل الاعتقالات التعسفية ونهب الممتلكات وفرض حصارات على الممرات الحيوية، ما أدى إلى حرمان المدنيين من الغذاء والخدمات الأساسية. ومن هذا المنطلق، أكد الدكتور عبد القادر علي أحمد، المستشار الدبلوماسي لرئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، في حديثه لـ”الأيام نيوز”، أن “نحن ندرك حجم التحديات الأمنية في المناطق النائية ونعمل على متابعة أي تجاوزات من قبل القوات، مع الالتزام الكامل بالقوانين الدولية والمعايير الإنسانية لحماية المدنيين”.

وأوضح المستشار علي أحمد أن الحكومة تعطي أولوية قصوى لمحاسبة أي طرف يثبت تورطه في الانتهاكات، قائلا: “أي خرق يُرصد يتم التحقيق فيه فورا، ونحن ملتزمون بالتعاون مع المنظمات الدولية لضمان تقديم الدعم للمتضررين وتخفيف معاناتهم”. ويظهر هذا التصريح حرص السلطات الرسمية على معالجة التجاوزات القانونية، رغم الانتقادات المستمرة التي تشير إلى أن الإجراءات المطبقة لا تكفي لمواجهة الجرائم الميدانية بشكل جذري.

وفيما يتعلق بالتحديات العملية أمام الحكومة، أشار علي أحمد إلى أن الوضع الحالي يفرض ازدواجية المهام: حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات، مع السيطرة على الفوضى الأمنية التي تتسبب فيها بعض الوحدات غير المنضبطة. وقال: “نسعى لتطبيق إصلاحات داخلية على مستوى القوات النظامية لضمان التزامها بالقانون، وهذا يشمل تدريب العناصر على احترام حقوق المدنيين ومنع أي تجاوزات مستقبلية”. ورغم هذه الخطوات، تستمر الانتهاكات في التأثير المباشر على حياة المدنيين، حيث تزايدت حالات النزوح الداخلي وارتفعت الحاجة إلى الدعم الطارئ.

وتعمل الحكومة – وفق المستشار علي أحمد – على خطط عاجلة لتحسين التنسيق مع الجهات الإنسانية، مشيرا إلى أن “هدفنا حماية المدنيين بشكل كامل، وضمان وصول الدعم إلى المحتاجين دون أي عوائق، مع استمرار متابعة أي تجاوزات للتأكد من محاسبة المسؤولين عنها”. وهكذا، يصبح ملف جرائم الدعم السريع أحد أبرز التحديات أمام السودان، ويؤكد حديث علي أحمد ضرورة الجمع بين الإجراءات الأمنية والإصلاحات المؤسسية لضمان حماية المدنيين وتحقيق الاستقرار، وهو ما يتطلب تكاتف الحكومة والمجتمع الدولي لمواجهة التدهور الإنساني المتواصل.

من جانبه، يعكس المحلل السياسي عمر ياسين المشهد من زاوية أخرى، معتبرا أن الدور المتصاعد لقوات الدعم السريع يوضح هشاشة الدولة وفشل الحكومة في فرض سيطرتها على المؤسسات الأمنية. وفي حديثه لـ”الأيام نيوز”، وصف ياسين هذه القوات بأنها “سلطة موازية تتحرك خارج أي رقابة فعلية، وتهدد المدنيين وتزرع الخوف في المناطق النائية. ما يحدث ليس تجاوزات فردية، بل سياسة ممنهجة لفرض نفوذ غير مشروع”.

وعند مناقشة دور الدعم السريع في حفظ الأمن، يشير ياسين إلى التناقض الواضح بين الادعاءات والواقع، قائلا: “هناك من يتحدث عن حماية الأمن، لكن الواقع يظهر أن هذه القوات تمارس سلطتها بطريقة لا تختلف عن الميليشيات المسلحة، وتستهدف المدنيين بشكل مباشر سواء بالاعتقالات التعسفية أو حصار المناطق الحيوية”. ويضيف أن هذه الممارسات تعمّق الانقسامات وتضعف سلطة الدولة على الأرض، ما يهدد أي محاولة لإصلاح مؤسسات الدولة ويضعف ثقة الشعب في الحكومة، مع تعزيز الانقسامات الداخلية. ويصف ياسين الدعم السريع اليوم بأنه “ليس مجرد قوة أمنية، بل أداة لتأجيل الإصلاح السياسي وتأبيد الفوضى”.

غياب الردع الدولي يوسع جرائم الدعم السريع

وفيما يخص دور المجتمع الدولي والإقليمي، يشير ياسين إلى غياب الضغوط الفعلية على السلطات السودانية، مؤكدا: “التقارير الحقوقية الدولية تشير إلى الانتهاكات، لكن المجتمع الدولي لم يفرض أي ضغط فعلي على السلطات لوقف هذه التجاوزات. هذا الانفلات يجعل السودان ساحة مفتوحة لتدخلات خارجية، ويزيد من هشاشة الدولة أمام كل أشكال الفساد والانقسام”. ومن خلال هذا التحليل، يتضح أن غياب الردع الدولي يمنح الدعم السريع هامشا أكبر للتحرك بحرية خارج القانون، ما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية والسياسية معا.

واختتم ياسين تحليله بتحذير صارم، محذرا من استمرار التساهل مع هذه القوة غير المنضبطة: “إذا استمرت الحكومة في التساهل مع الدعم السريع، فإن السودان يواجه خطرا مزدوجا: تدهور الوضع الإنساني والفشل السياسي، وهو ما قد يؤدي إلى انفجار أمني شامل لا يمكن السيطرة عليه بسهولة. المطلوب هو إلغاء أي سلطة موازية وفرض القانون على الجميع دون استثناء”. ويأتي هذا التحذير ليعكس الخطر الحقيقي الذي يواجه السودان على المدى القريب، إذ أن تراكم الانتهاكات واستمرار الهشاشة الأمنية يهددان أي جهود لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي.

وفي سياق مأساوي جديد، أعلنت شبكة “أطباء السودان” المستقلة أن عدد حالات الاغتصاب التي وقعت في الفاشر منذ اجتياح قوات الدعم السريع للمدينة في 26 أكتوبر الماضي بلغ 32 حالة، مستندة إلى معلومات طبية وميدانية. وأوضحت الشبكة أن “بعض حالات الاغتصاب حصلت داخل الفاشر بعد اجتياحها، وأخرى في أثناء الفرار إلى مدينة طويلة”. واعتبرت الشبكة هذه الجرائم “انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني يرتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويكشف مستوى الانفلات والانتهاكات الممنهجة التي تتعرض لها النساء والفتيات في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، في ظل غياب أي حماية وانعدام المحاسبة”.

وطالبت الشبكة بـ”فتح تحقيق دولي عاجل ومستقل، وتأمين حماية فورية للناجيات والشهود”، ودعت إلى السماح بوصول المنظمات الطبية والإنسانية إلى المنطقة لتقديم الرعاية والدعم النفسي والقانوني للضحايا دون قيود. كما أدان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تصاعد أعمال العنف في الفاشر، وطالب بفتح تحقيق عاجل، بينما نددت هيئة الأمم المتحدة للمرأة بـ”جرائم قوات الدعم السريع”، مؤكدة أن “الاغتصاب يُستخدم عمدا وفي شكل منهجي”.

وتتفاقم الأزمة الإنسانية في ظل الحرب المستمرة منذ 15 أفريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 13 مليون شخص، مع سيطرة الدعم السريع على كل ولايات دارفور الخمس باستثناء أجزاء من شمال دارفور التي يسيطر عليها الجيش، بما في ذلك معظم مناطق الولايات الأخرى الـ13، بما فيها العاصمة الخرطوم. ويجسد هذا الواقع مأساة إنسانية متشابكة، حيث تتداخل الانتهاكات الميدانية مع الفقر والجوع وانعدام الأمن، ما يجعل التدخل العاجل أمرا لا يحتمل التأجيل.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا