آخر الأخبار

90 % من ذهب السودان تحت سيطرة البرهان والإخوان

شارك

د. أيمن سمير

ثروات الدول قد تكون «نعمة» إذا جرى توظيفها بطريقة صحيحة، وقد تكون «نقمة» حال توجيهها بعيداً عن مصالح الأمم والشعوب، لكن الذهب في السودان أثبت أنه «نقمتان»، الأولى عندما تمت سرقته من الشعب السوداني لصالح مشروع فئوي استعلائي عابر للحدود هو «مخطط الإخوان» الذي ظل يسيطر على البلاد طوال أكثر من 3 عقود من الحكم الإخواني الترابي، فهل يصدق أحدٌ أن الشعب السوداني ظل يعاني طوال 30 عاماً من حكم الكيزان- الفقرَ والجوعَ والمعاناةَ، رغم أن السودان ينتج نحو 75 طن ذهب سنوياً، وفق الأرقام الرسمية للبنك المركزي السوداني، وتصل لنحو 106 طن سنوياً وفق تقديرات المؤسسات البحثية الدولية

النقمة الثانية، أن الجهة نفسها، وهي«الكيزان» لم تكتف فقط بسرقة ذهب السودانيين وتهريبه للخارج، بل وتوظيفه في الحرب الدائرة منذ الـ15 من إبريل 2023 في قتل الآلاف، وتشريد الملايين من السودانيين، بعد أن كشفت تسريبات عديدة أنه من أجل الحفاظ على سرقة وتهريب الذهب لصالح التنظيم الظلامي دفع الإخواني «شمس الدين الكباشي» عضو مجلس السيادة باقي العسكريين الإخوان في المجلس السيادي للانقلاب على «الاتفاق الإطاري» الذي تم توقيعه في 22 ديسمبر 2022، الأمر الذي قاد في النهاية لاندلاع الحرب الحالية بين حكومة بورتسودان وقوات الدعم السريع، وهو ما يفسر تحميل مسئولية اندلاع الحرب الجارية للتنظيم الظلامي من جانب مختلف القوى السياسية السودانية، ويستفيد قادة الكيزان من بيع الذهب لشراء السلاح والذخيرة والمدفعية والطائرات المسيرة لقتل الشعب السوداني؛ حيث اتهمت الأمم المتحدة مجموعات البرهان العسكرية بأنها قامت بالقتل العشوائي بحق المدنيين، بل وهناك اتهامات للبرهان بدفع أموال الذهب السوداني لمرتزقة من أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية لتمزيق وحدة الشعب السوداني

ووفق تقرير مطول نشرته منصة «أفريكا إنتليجنس» فإن عائلة الفريق عبد الفتاح البرهان وخاصة أخوه حسن بات لهم نصيب الأسد في سرقة وتهريب الذهب السوداني إلى الخارج، و الذي يشكل في الوقت الحالي نحو 49 % من الصادرات السودانية، لكن ربما أكثر الحقائق إثارة هي تلك التي تؤكد أن نحو 90 % من ذهب السودان يتواجد ويتم استخراجه وتنقيته وتصديره من الولايات الشرقية والجنوبية التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة التي يقودها البرهان، وهذا عكس ما يروج له من أن غالبية الذهب يستخرج في الغرب وفي ولايات دارفور، التي تؤكد كل الوثائق والحقائق أن فيها منجماً واحداً هو منجم «عامر» الذي لا تزيد حصته على أكثر من 4 % من ذهب السودان، بينما الـ6 % الأخيرة تقع تحت سيطرة مجموعات عسكرية موالية لحكومة بورتسودان، فما الحقائق التي تتعلق بذهب السودان ؟ ومن الأطراف والأسماء الحقيقية التي تتحكم في هذه الثروة العملاقة ؟ وهل بات الذهب يمول حرب البرهان ويدفعه لرفض كل مبادرات السلام ووقف الحرب، وآخرها «المبادرة الرباعية» التي قدمتها الولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر والسعودية ؟

10 حقائق

عندما انفصل جنوب السودان عن شماله في نوفمبر 2011 خسر السودان ثلثي صادراته من النفط، لكن الآمال بتحسن الاقتصاد انتعشت عندما تم اكتشاف كميات هائلة من الذهب جعلت السودان يحتل المرتبة الثالثة عشرة عالمياً، والثالثة إفريقيا في استخراج وتصدير الذهب بعد جنوب إفريقيا ونيجيريا، وتصل الاحتياطيات المؤكدة إلى نحو 1550 طن ذهب، و1500 طن من الفضة، و5 أطنان من اليورانيوم، ويتم إنتاج الذهب في السودان عبر طريقتين، أُولاهما التعدين التقليدي أو الأهلي، وهي طريقة هؤلاء الذين يكونون أفراداً أو شركات صغيرة، وينتجون نحو 85% من الإنتاج، و يتمركز في 14 ولاية من بين 18 ولاية. والطريقة الثانية هي التعدين الرسمي، ويصل إنتاجه إلى نحو 15% من إجمالي الذهب المستخلص، وهناك أكثر من 800 موقع لتعدين الذهب في شمال وشرق السودان، وتشير الكثير من الإحصائيات إلى أن نحو 100 كيلو جرام يتم تهريبها يومياً خارج البلاد، أي أنه يتم تسريب وتهريب نحو 60 طن سنوياً، وهو ما يؤكد أنها عملية منظمة، وليست بعيدة عن السلطة التي تتحكم في الولايات الشمالية والشرقية، وهي كتائب البراء وحكومة بورتسودان، وكل ذلك يضعنا أمام 10 حقائق عن الذهب في السودان، هي:

أولاً: الذهب مع الكيزان

دأبت وسائل الإعلام التقليدية والسوشيال ميديا على تصوير الأمر وكأن ذهب السودان موجود بالكامل في الغرب، وتحديداً في ولاية دارفور التي تسيطر عليها قوات «الدعم السريع»، لكن هذا الكذب والتضليل مقصود تماماً حتى تتم التعمية والتغطية على الحقيقة التي تقول إن نحو 90 % من ذهب السودان يقع في الولايات الشرقية الموازية للبحر الأحمر والولايات الشمالية و«صحراء بيوضة» شمال الخرطوم، وكلها ولايات تقع بالكامل منذ بداية الحرب وحتى اليوم تحت سيطرة كتائب الإخوان والمجموعات العسكرية للبرهان، ووفق بيانات عام 2024 صدرت الشركات التي يملكها الإخوان وأشقاء البرهان ذهباً بنحو 7 مليار دولار، دخل منها فقط مليار دولار للبنك المركزي السوداني، وتحتل المنطقة الشمالية التي تسيطر عليها حكومة بورتسودان «المركز الأول» على جميع مناطق السودان في إنتاج الذهب، حيث إن فيها منجم «أرياب» الشهير في ولاية البحر الأحمر، والذي يمتد لمساحة تصل لنحو 45 ألف كلم، تليها الولايات الشرقية المحاذية للبحر الأحمر حيث ينتشر البحث والتنقيب عن الذهب في جبال وصحاري تلك المنطقة الشاسعة، والتي بها نحو 800 منجم، أبرزها منجم «هساي» العملاق، وبعد ذلك يأتي «منجم عامر» في دارفور، ووفق جميع نشرات البنك المركزي السوداني، ووزارة التعدين فإن المناطق الحالية التي يسيطر عليها البرهان كانت تنتج نحو 74 طن من الذهب سنوياً في الفترة من 2014 وحتى 2022، ومن يراجع بيانات البنك المركزي السوداني ووزارة التعدين سوف يتأكد أن نحو 90 % من إنتاج الذهب في السودان يأتي من الشرق والشمال وليس من الغرب

ثانياً: شقيق البرهان

منذ تولي البرهان قيادة مجلس السيادة في إبريل 2019 طفت على السطح أدوات كثيرة لسيطرته على الاقتصاد، وكان أبرز هذه الأذرع المحامي وشقيق البرهان «حسن البرهان» الذي يدير الإمبراطورية المالية لشقيقه عبد الفتاح البرهان، وخاصة في مجال التعدين، وتعدين الذهب، ووفق موقع «أفريكا إنتليجنس» فإن «حسن البرهان يستفيد من» التسهيلات «التي يقدمها له شقيقه عبد الفتاح في مجال تهريب الذهب، ولهذا حقق حسن البرهان أرباحاً طائلة من شركات تعدين الذهب مقابل منحها التراخيص ومساحات التنقيب، ويلعب وزير التعدين الحالي نور الدائم طه دوراً كبيراً في تمكين الإخوان وعائلة البرهان من ذهب السودان، ولهذا أصر البرهان على أن يبقى دائماً كوزير للتعدين في حكومة كامل إدريس، ووفق إنتليجنس فإن التنسيق في مجال الذهب يتم فقط بين الوزير الإخواني عبد الدائم، وحسن البرهان دون أي تدخل من حكومة كامل إدريس

ثالثاً: توظيف الفوضى

يستفيد تنظيم الكيزان وشبكة البرهان في «توظيف الحرب»، والفوضى المصاحبة لها، في الاستمرار في سرقة الذهب السوداني، وخير شاهد على هذا الأمر هو تراجع كميات الذهب التي يتم تحويلها للبنك المركزي، وهو ما يشير إلى أن هذه الحرب توفر بيئة مثالية لسرقة كنوز السودان من جانب الإخوان وشبكة البرهان، كما توفر الحرب فرصة «لاستغلال النفوذ العسكري» و«التحكم في مناطق التعدين والحدود»، لتجاوز القنوات الرسمية في إنتاج وبيع وتهريب الذهب.

رابعاً: تمويل الحرب

اعترف أكثر من مسؤول في حكومة بورتسودان بأنهم يستخدمون عائدات الذهب في تمويل الحرب، من ذلك تصريحات محمد طاهر عمر، المدير العام لشركة الموارد المعدنية السودانية في إبريل 2024، الذي قال إن شركته حققت زيادة في حجم صادرات الذهب وصلت قيمتها إلى 2.182 مليار دولار بنهاية 2023، وتستخدم حكومة البرهان عائدات الذهب في مسارين متوازيين، الأول عسكري مباشر يتمثل في شراء الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية، وتمويل المرتبات للعناصر القتالية، والمتعاقدين والمرتزقة، والثاني دبلوماسي-اقتصادي يهدف لشراء الولاءات وتأمين الدعم الإقليمي والدولي

خامساً: ضباط مليونيرات

أسهم طول أمد الحرب في السودان في ظهور«الضباط المليونيرات»، حيث بات الضباط المنتمون للإخوان، والمقربون من البرهان يسيطرون على الشركات الكبرى لإنتاج الذهب مثل شركة «سودان. م.ت»، التي كانت تابعة للقوات المسلحة قبل نشوب الحرب الحالية، وهذا النهج هو استمرار للطريقة التي كانت سائدة طوال 30 عاماً من حكم الترابيين والإخوان؛ حيث كان يتم منح عقود الذهب للمقربين من التنظيم، ووصل الأمر إلى أن قيادات عسكرية في ولايات مثل نهر النيل والبحر الأحمر قاموا بتأجير أجزاء من مناطقهم العسكرية لرواد أعمال محليين للتعدين غير القانوني واستخراج الذهب وبيعه بعيداً عن القنوات الرسمية.

سادساً: واجهات وهمية

تجنباً للعقوبات الدولية بعد أن فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على الشركات التي تمول المجهود العسكري لحكومة بورتسودان لجأت مجموعات البرهان إلى تأسيس «شركات وهمية» لبيع الذهب وتسهيل عمليات التهريب، بهدف تجنب القيادات الإخوانية والقريبة من البرهان التعرض لمثل هذه العقوبات، ويعمل هذا النظام عبر 3 قنوات رئيسية هي ممرات التهريب البرية والبحرية والجوية، ومراكز المقاصة المالية المتطورة لتحويل الأموال بعيداً عن رقابة البنود والمؤسسات المالية الدولية، إضافة إلي ما يسمى بشبكات
«التدقيق الرسمي»، وهي الكمية الصغيرة التي تدخل البنك المركزي، والهدف منها هو التغطية على الأنشطة غير الرسمية.

سابعاً: شبكات تهريب

تحول مطار بورتسودان إلى وجهة رئيسية لتهريب الذهب خارج السودان، وهناك دروب أخرى لتهريب الذهب، حيث يعتمد الإخوان وقادة مقربون من البرهان في تهريب الذهب على شبكات التهريب البرية عبر الحدود الجنوبية للبلاد مع جنوب السودان، وهناك مجموعة من الموانئ الصغيرة على البحر الأحمر، حيث يتم نقل الذهب في مراكب صغيرة تذهب إلى عمق البحر، حيث تكون السفن الكبيرة التي لا تستطيع الدخول إلى الموانئ الصغيرة في انتظارها، وفق ما نشرت أكثر من خدمة لتتبع السفن.

ثامناً: نقاء عالٍ

يتميز الذهب في السودان بمعدلات عالية جداً من النقاء وسط الشوائب حيث يحتوي كل طن من الخام المستخرج على 100 جرام من الذهب، لذلك يعمل في السودان نحو 500 شركة متخصصة في تعدين الذهب، بجانب ما يقوم به المواطنون بشكل فردي حيث يعمل نحو مليوني سوداني في قطاع تعدين الذهب، وتنقب في حوالي 300 كلم.

تاسعاً: تباين الأرقام

لا تستطع حكومة البرهان أن تقدم رقماً رسمياً دقيقاً على إنتاج وتصدير الذهب، ففي مارس 2022، وقبل الحرب بنحو عام قال البنك المركزي السوداني: إن البلاد أنتجت نحو 79 طناً من الذهب، وفي عام 2024 قال البنك نفسه: إن الإنتاج تراجع إلى 22 طناً، بينما وزير المالية جبريل إبراهيم قال لوكالة رويترز: إن الإنتاج تراجع إلى 64 طناً من الذهب في 2024 وتم تصدير 31 طناً، وهو ما يؤكد أن هناك سرقات ضخمة تصل إلى عشرات الأطنان من الذهب، ولعل هذا يفسر كيف لدولة غنية بالذهب مثل السودان، وفي الوقت نفسه يعاني قطاع واسع من الشعب الفقرَ

عاشراً: المؤسسات الموازية والتمكين الاقتصادي

من يحلل التجارب الفاشلة للإخوان في الدول العربية والإسلامية يكتشف أنها تعمل دائماً على«هدم المؤسسات الوطنية»، لأنها لا تؤمن بالوطن، ومشروعها عابر للحدود، وفي وقت واحد تقوم ببناء «مؤسسات موازية»، وبهدف ضمان تمويل الحرب لأطول فترة ممكنة لجأت جماعات الكيزان إلى تدمير المؤسسات الوطنية، وأفسحت المجال لظهور اقتصاد حرب واسع النطاق، يرتكز على السيطرة وسرقة موارد الدولة، وأسهم الذهب في إثراء القادة المحيطين بالبرهان على حساب الشعب السوداني، ولهذا يرفض هؤلاء القادة الآن أي حديث عن وقف الحرب، وهددوا كل من يقبل «بالمبادرة الرباعية» لوقف الحرب.
ومع توسع قادة التنظيم في استخراج الذهب وتصديره، واستغلال هذه الفوضى وعدم الرقابة أصبح الإخوان أقرب إلى فكرة «التمكين الاقتصادي» في السودان، والتي تقوم على تمكين الموالين للبرهان والإخوان اقتصادياً من مفاصل البلاد، حتى لو انتهت الحرب بأي صورة يكون لهؤلاء دور فاعل في رسم السياسات المستقبلية للبلاد

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا