آخر الأخبار

انتهاكات وشبكة دعم خارجي تضع الجيش السوداني تحت مجهر لاهاي

شارك

تسلّم مكتب الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية خلال الأيام الماضية ملفًا سريًا يتضمّن معلومات وُصفت بأنها “دقيقة ومفصلة” حول دور الجيش السوداني في ارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، وفق ما أكدت مصادر دبلوماسية وقانونية في لاهاي.
وبحسب المعلومات التي كشفها مركز “In Depth”، فإن الوثيقة الجديدة تضع قيادة الجيش والسلطة القائمة في بورتسودان في دائرة الاتهام المباشر، مشيرة إلى تلقي دعم خارجي من دول في الإقليم ومنظمات مسلّحة غير حكومية، ساهم في تعزيز القدرات العسكرية للطرف الحكومي خلال الحرب.

ويعرض الملف، الذي أعدّه تحالف يضم خبراء قانونيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، سلسلة من الأدلة التي تربط القوات الحكومية بجرائم حرب محتملة، بينها القصف الجوي العشوائي، واستهداف المدنيين بشكل منهجي، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزاع.
وبحسب مصدر اطّلع على الوثيقة، فإنها “تقدّم أساسًا قانونيًا يتيح للمدعي العام التحرك بموجب المادة 15 من نظام روما، والبدء في النظر بفتح تحقيق رسمي ضد الشخصيات الأكثر مسؤولية”.

وتأتي هذه التطورات في وقت دخلت فيه الحرب السودانية مراحل أكثر تعقيدًا، بعد أن خلّفت عشرات الآلاف من القتلى، ودفعت ما يقرب من 13 مليون شخص إلى النزوح. كما ترافقت مع تصاعد العقوبات الغربية على شخصيات عسكرية، وفي مقدمتها قائد الجيش رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، وسط تفاقم الانهيار الإنساني والخدماتي في مختلف مناطق البلاد.

ولا تقف الوثيقة التي وصلت إلى لاهاي عند حدود سرد الانتهاكات، بل تتوسع لتعرض لأول مرة تفاصيل حول شبكات الدعم الخارجي للجيش السوداني، إذ تشير إلى أن دول مثل جيبوتي وإريتريا وإيران وتركيا، إضافة إلى دول لم يُكشف عنها في النسخة المرسلة إلى المحكمة، قدمت معدات عسكرية وتسهيلات لوجستية وممرات نقل أسلحة، مكّنت الجيش من تنفيذ عمليات عسكرية واسعة في عدة جبهات.

كما يتهم التقرير منظمات مسلحة غير حكومية بينها حركة الشباب الصومالية والحوثيون وحماس والحرس الثوري الإيراني، بتقديم تدريب عسكري ووقود ودعم ميداني، وهو ما أسهم، وفقًا للوثيقة، في “حملة اتسمت بأنماط أقرب إلى الإرهاب المنهجي ضد المدنيين”.

مسيّرات تركية على الخط

وتلتقي هذه الاتهامات مع ما وثقته منظمات حقوقية سودانية ودولية خلال العامين الماضيين، خصوصًا ما يتعلق بالقوة الجوية، فقد تم رصد استخدام واسع لطائرات مسيّرة متطورة بينها ‘بيرقدار أكانجي’ في عمليات قصف أدّت لسقوط أعداد كبيرة من المدنيين.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال ‘المرصد السوداني الوطني لحقوق الإنسان’ إن قصفًا استهدف سوقًا في شمال دارفور وأوقع عشرات الضحايا، مؤكدًا أن الهجوم نُفذ عبر مسيّرات تتبع القوات الحكومية. كما تحدثت قوى معارضة عن إسقاط مسيرات تركية الصنع للجيش، واتهمته بتنفيذ ضربات ممنهجة على مناطق مأهولة.

وتتوافق تلك الروايات مع تحقيق نشرته صحيفة واشنطن بوست، كشف أن شركة ‘بايكار’ التركية نقلت شحنات أسلحة ومسيرات وصواريخ إلى بورتسودان، وأن خبراء أتراكًا أشرفوا على اختبارات ميدانية لضبط استخدام تلك الطائرات في ساحات القتال.

ويحمل تسليم هذا الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية تداعيات سياسية وقانونية عميقة على مسار الحرب وعلى مستقبل قيادة الجيش السوداني، فالوثيقة التي تعتمد على أدلة أممية ومعلومات استخباراتية مفتوحة تمنح الادعاء أساسًا قانونيًا قويًا يمكن أن يقود إلى فتح تحقيق رسمي وربما إصدار مذكرات توقيف جديدة بحق قادة عسكريين.
وفي حال حدث ذلك، فإن قيادة بورتسودان ستجد نفسها أمام عزلة دولية أشد، ومعوقات كبيرة أمام أي ترتيبات سياسية أو مفاوضات محتملة.

أما على المستوى الإقليمي، فقد ينعكس هذا التطور على الدول والجهات المتهمة بتقديم دعم عسكري مباشر للجيش. إذ قد يفتح الباب أمام ضغوط أو مساءلات سياسية، خصوصًا إذا اعتبرت المحكمة أن هذا الدعم كان “مساهمًا جوهريا” في ارتكاب جرائم الحرب المزعومة.

وفي الداخل السوداني، يمثل تحريك الملف الدولي ضربة لخطاب الجيش الذي يقدم نفسه كحامل لـ”شرعية الدولة”، إذ أن توجيه اتهامات جنائية دولية قد يضعف موقعه التفاوضي، ويزيد الانقسام الداخلي، ويؤدي إلى اهتزاز شرعيته أمام قطاعات واسعة من السودانيين، خصوصًا في المناطق التي شهدت أعلى مستويات العنف.

كما قد تُستخدم هذه التطورات كورقة ضغط من قِبل أطراف دولية لإجبار القيادة العسكرية على قبول ترتيبات إنسانية عاجلة، مثل فتح ممرات آمنة أو وقف استهداف المناطق المدنية أو الحد من استخدام الذخائر واسعة التأثير.

ويبدو أن دخول المحكمة الجنائية الدولية مجددًا على خط الأزمة السودانية يفتح الباب أمام مرحلة مختلفة تمامًا من الصراع، فإحالة ملف كهذا يتضمن أدلة مفصلة، ويربط بشكل مباشر بين القيادة العسكرية وشبكات دعم إقليمية غير تقليدية قد يغيّر شكل التوازنات داخل السودان وخارجه.

وإذا مضت لاهاي في فتح تحقيق رسمي، فإن ذلك لن يعيد فقط إحياء ملف دارفور الذي ظل راكدًا منذ سنوات، بل سيضع قيادة الجيش أمام مساءلة غير قابلة للتجاهل، ويجعل مستقبل الحرب والعملية السياسية مرتبطًا بشكل أوثق بمسار العدالة الدولية، وبما سيفضي إليه هذا الملف من إجراءات قد تكون الأكثر تأثيرًا في مسار الصراع السوداني منذ اندلاعه.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا