تتكدس المساعدات في تشاد، فيما يوصد الجيش السوداني الأبواب أمامها ويقصف قوافل الإغاثة، ليعمّق بذلك أسوأ أزمة إنسانية تشهدها البلاد، بحسب تقييمات الأمم المتحدة.
ويعاني أكثر من نصف السكان في السودان، أي نحو 25 مليون نسمة، من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفق أحدث تقارير الأمم المتحدة، مع دخول مناطق دارفور وكردفان في حالة مجاعة رسمية.
وتظل آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية محتجزة على الحدود التشادية، في انتظار إشارة من الجيش السوداني وحكومة بورتسودان الموالية له، بينما تتعرض قوافل الإغاثة لهجمات جوية متكررة تحول دون وصولها إلى المحتاجين.
ومن نقطة أدري الحدودية في شرق تشاد، حيث يستقبل هذا البلد الفقير أكثر من 800 ألف لاجئ سوداني، تتراكم شحنات الغذاء والدواء في مستودعات مؤقتة تابعة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
تشاد تواجه عبئًا هائلًا؛ فرغم فقرها، تستضيف أكثر من 800 ألف لاجئ، وتعاني من تداعيات النزاع السوداني الذي امتد إلى أراضيها
وتشير تقارير برنامج الغذاء العالمي إلى أن نحو 100 ألف طن من المواد الإغاثية جاهزة للعبور، لكن السلطات في السودان ترفض منح التصاريح الكاملة، مستندة إلى “مخاوف أمنية” تتعلق بسيطرة قوات الدعم السريع على دارفور.
وكان الجيش قد أغلق معبر أدري الرئيسي منذ أشهر، مما أجبر المنظمات على الاعتماد على طرق بديلة أكثر خطورة، مثل معبر تين الذي يشهد ازدحامًا شديدًا. وهذا الوضع لم يأتِ من فراغ.
ومنذ اندلاع الصراع في أبريل 2023، سجلت الأمم المتحدة أكثر من 80 هجومًا على قوافل إنسانية، معظمها غارات جوية نسبتْها تقارير دولية إلى سلاح الجو السوداني.
وأحدث هذه الحوادث وقع قبل أيام، في 14 نوفمبر الجاري، عندما تعرضت قافلة إغاثة تحمل إمدادات غذائية وطبية لهجوم جوي أسفر عن مقتل 5 من العاملين في مجال الإغاثة وإتلاف جزء كبير من المساعدات والشاحنات.
وفي 3 يونيو الماضي، دمرت غارة قافلة مشتركة بين منظمة اليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي قرب معبر تين، مما أسفر عن مقتل خمسة من عمال الإغاثة وإحراق عشرات الشاحنات.
ودانت الأمم المتحدة الهجوم بشدة، مؤكدة أن “إحداثيات القافلة أُبلغت مسبقًا لجميع الأطراف”، ووصفته بأنه “انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني”.
وفي بورتسودان، حيث تنفي الحكومة الموالية للجيش وجود مجاعة، تُعتبر التقارير الدولية “مبالغات سياسية”.
وأصر ممثل حكومة الأمر الواقع في السودان أمام مجلس الأمن في أغسطس الماضي على أنه “لا وفيات جوعًا في معسكرات النزوح”، محمّلًا قوات الدعم السريع مسؤولية الأزمة.
وردّت إديم ووسورنو، مديرة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، بالقول إن “المجاعة في السودان من صنع الإنسان، ويمكن إيقافها فورًا إذا سمحت الأطراف بمرور المساعدات دون قيود”.
وتتحدث الأرقام عن نفسها؛ إذ دخل 375 ألف شخص في مرحلة “الكارثة” الغذائية، ويواجه أكثر من نصف مليون طفل خطر الموت بسوء التغذية منذ بداية العام.
وقد وثقت منظمة أطباء بلا حدود في معسكر زمزم بدارفور حالات لأطفال يتناولون الأعشاب والأوراق للبقاء على قيد الحياة، بينما تكفي المساعدات المخزنة في تشاد لإنقاذ ملايين لو سُمح بعبورها.
نحو 100 ألف طن من المواد الإغاثة جاهزة للعبور، لكن السلطات في السودان ترفض منح التصاريح الكاملة
ووثقت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة، في تقريرها لسبتمبر 2025، “نمطًا من القصف غير التمييزي” يشمل المستشفيات والأسواق وقوافل الإغاثة، مشيرة إلى أن “الغارات الجوية تشكل الجزء الأكبر من الانتهاكات في المناطق المدنية”.
وأكدت اللجنة أن القيود البيروقراطية التي يفرضها الجيش تحول دون وصول 20 بالمئة من المساعدات المطلوبة. ومن جانبها، تواجه تشاد عبئًا هائلًا؛ فرغم فقرها، تستضيف أكثر من 800 ألف لاجئ، وتعاني من تداعيات النزاع السوداني الذي امتد إلى أراضيها.
وتحذر تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين من أن “التمويل الدولي للاستجابة في تشاد انخفض بنسبة 64 بالمئة هذا العام”، مما أدى إلى إغلاق مطابخ إغاثية وتفاقم سوء التغذية بين اللاجئين.
ولم تحصل خطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2025 سوى على 28 بالمئة من التمويل المطلوب، الذي يقدَّر بـ4.2 مليار دولار.
ونبهت ديدنيس براون، منسقة الشؤون الإنسانية في السودان، إلى أن “المدنيين محاصرون بين الجبهات، محرومون من الغذاء والدواء، ويواجهون مجاعة شاملة إذا لم تُفتح الممرات فورًا”.
في ظل هذا الواقع المرير، يبقى السؤال: متى ستتوقف آلة الحرب عن استخدام الجوع سلاحًا؟
ويفرض هذا الوضع على المجتمع الدولي التحرك لفرض عقوبات صارمة على من يعيقون المساعدات، وفتح تحقيقات مستقلة في الهجمات على قوافل الإغاثة، ودعم وقف إطلاق نار شامل. فالسودان ليس مجرد أزمة إنسانية؛ إنه اختبار لضمير العالم.
العرب
المصدر:
الراكوبة