وسيم عرابي
رغم أنّها القارة الأغنى بالموارد الطبيعية، والأكثر شباباً في العالم، فإنّ أفريقيا ما تزال أسيرة مفارقة مريرة: ثروات هائلة تُستخرج من باطنها، لكن شعوبها غارقة في الفقر والصراعات والحروب.
فالقارة تختزن أكبر احتياطيات الذهب واليورانيوم والكوبالت، وتُطلّ على أهمّ الممرات البحرية الاستراتيجية، ومع ذلك تتحوّل هذه الثروات إلى وقود لصراعات داخلية وتنافس دولي محموم على النفوذ.
الساحل الأفريقي.. انقلابات وتمدّد للتطرّف
البداية من الساحل الأفريقي، حيث اجتاحت الانقلابات العسكرية حكومات مدنية ضعيفة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، فاتحةً الباب أمام الجماعات المتطرّفة لتملأ الفراغ.
تلك الجماعات، من “القاعدة” إلى “داعش”، وجدت في هشاشة الدولة وانهيار المؤسسات بيئة خصبة لتوسيع نشاطها، مهددةً حتى الدول الساحلية في غرب أفريقيا.
بحيرة تشاد.. عقدان من العنف
حول بحيرة تشاد، تحوّلت المياه إلى مسرح مواجهة مستمرة منذ عقدين.
تمرّد “بوكو حرام” وتنظيم “داعش – غرب أفريقيا” جعل المنطقة أسيرة دائرة عنف متواصلة، يتنافس فيها المسلّحون على النفوذ ويُحرم فيها السكان من أي فرصة لاستقرار أو حياة طبيعية.
نيجيريا والكونغو.. العنف بلا نهاية
نيجيريا، عملاق أفريقيا السكاني والاقتصادي، تُعرف اليوم بأنها واحدة من أكثر دول القارة عنفاً: عصابات مسلّحة، صراعات محلية، وخطف جماعي تحوّل إلى تجارة رابحة.
أما الكاميرون، فما يزال النزاع الأنجلوفوني مستعصياً منذ 2016 بلا أفق للحل.
وإلى الداخل، نجد جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تعادل مساحتها مساحة أوروبا الغربية، ممزقة بين أكثر من مئة جماعة مسلّحة.
من “إم23” المدعومة من رواندا، إلى “داعش – أفريقيا الوسطى”، الجميع يتصارع على الذهب والمعادن النادرة في مشهد أشبه ببرميل بارود قد ينفجر في أي لحظة.
القرن الأفريقي.. صومال مفتوح على كل الاحتمالات
في الصومال، يختلط العنف الأيديولوجي بصراع النفوذ. حركة الشباب تستنزف الدولة بهجماتها المتكررة، بينما تتقاطع ضرباتها مع غارات أميركية تستهدف “داعش”.
وعلى الأرض، يتحوّل الصراع إلى نزاع على السلطة والموارد بين نخب محلية، في ظل انخراط متزايد لقوى خارجية عبر الغارات والدعم العسكري.
السودان.. الكارثة الإنسانية الكبرى
أمّا السودان، فقد دخل مرحلة هي الأخطر في تاريخه الحديث: حرب دامية بين الجيش وقوات الدعم السريع خلّفت أكبر كارثة إنسانية في العالم اليوم، وفاقت في مأساتها ما يجري في غزة وأوكرانيا.
ملايين المدنيين يواجهون الجوع والنزوح والموت، فيما تتدفق الأسلحة من كل مكان: من روسيا والصين إلى إيران.
المعادن بوابة النفوذ
خلف هذه الحروب، تدور لعبة أكبر من حدود أفريقيا نفسها: سباق محموم على النفوذ والمعادن الاستراتيجية. الولايات المتحدة والصين تتنافس على الكوبالت والليثيوم، اللذين يشكّلان أساس الثورة التكنولوجية في العالم.
روسيا تملأ فراغ فرنسا عبر مرتزقة “فاغنر”، بينما تحاول تركيا إيجاد موطئ قدم اقتصادي لها في بعض الدول.
الصين تبدو الرابح الأكبر: استثمارات هائلة في البنية التحتية، وقروض تبني بها شبكات ولاء عابرة للحدود، من دون أن تلوث صورتها بانخراط عسكري مباشر.
في المقابل، تواجه فرنسا أزمة ثقة عميقة بعد طردها من مالي والنيجر وبوركينا، حيث ينظر إليها كثيرون كرمز للاستعمار الجديد.
الفساد وسوء الحوكمة.. أصل الأزمة
وراء كل هذه الصراعات، تكمن أزمة أعمق: الفساد وسوء الحوكمة. فالكثير من الأنظمة الأفريقية مهووسة بالسلطة ونهب الثروات، أكثر من اهتمامها بخدمة شعوبها.
تتآكل الثقة بين الدولة والمجتمع، وتُترك مساحات شاسعة من الأراضي بلا خدمات ولا بنى تحتية، ما يجعلها بيئة خصبة للجماعات المسلحة وقوى الخارج.
أفريقيا.. سؤال المستقبل
من غياب الكهرباء والمياه والخدمات الأساسية، إلى انهيار مؤسسات الدولة، تتسع الفجوة التي تستغلها القوى الخارجية. وهكذا، تبقى أفريقيا عالقة في حلقة مفرغة: قارة غنية تُستنزف ثرواتها، فيما شعوبها تدفع ثمن صراعات الداخل وأطماع الخارج.
والسؤال الكبير يبقى: هل تستطيع أفريقيا أن تكسر هذه الحلقة، وتحوّل مواردها من نقمة إلى نعمة.
إرم نيوز