أطلق الشيخ محمد الشيخ حاج حمد الشيخ الجعلي شيخ السجادة القادرية بكدباس، مبادرة وطنية جامعة كبرى حملت عنوان (مبادرة السجادة القادرية للسلام ولمّ الشمل)، دعا من خلالها إلى وقف نزيف الدم في السودان، وصون وحدة البلاد، ولمّ شمل أبنائها تحت راية العدالة والصلح والسلام، انطلاقًا من القيم الدينية والإنسانية التي شكّلت عبر التاريخ جوهر الرسالة الصوفية في كدباس .
وأكد حاج حمد في مستهل المبادرة أن طريق الدعوة إلى الله هو سبيل الإصلاح والبصيرة، مستشهدًا بقول الله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: 108]، وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين “.
وانطلقت المبادرة من أرض كدباس الطيبة، التي لطالما كانت منارة للمحبة والتسامح، حاملة رسالة الإصلاح والدعوة إلى السلام، حيث شدّد فضيلة الشيخ على أن المرحلة الراهنة من تاريخ السودان تتطلب وقفة صادقة تعيد للوطن وحدته وهيبته، وتحفظ دماء أبنائه، وتؤسس لعهد جديد من التوافق والعدالة .
وأوضح أن المبادرة ترتكز على عدد من الأسس الشرعية والوطنية، أهمها أن السلام قيمة ربانية كبرى لا يتحقق إلا بإرادة صادقة وبيئة عادلة، وأن مقاومة الظلم واجب شرعي وأخلاقي، مع الالتزام بالضوابط الدينية، ودعم القوات المسلحة السودانية باعتبارها المؤسسة الوطنية الشرعية الوحيدة المخوّلة بحمل السلاح وحماية الوطن. وأكد كذلك على حياد المبادرة تجاه الأطراف السياسية، مع استنادها إلى المرجعية الدينية والمجتمعية، داعيًا إلى شمولية الحوار الوطني وعدم إقصاء أي طرف .
وحددت المبادرة جملة من الأهداف أبرزها وقف الحرب فورًا بطريقة تحفظ سيادة الدولة وهيبة مؤسساتها، وفتح ممرات إنسانية آمنة تحت إشراف محايد لإغاثة المتضررين، وإطلاق عملية حوار وطني شامل لا يستثني أحدًا من القوى الوطنية، وتحقيق المصالحة المجتمعية ورد المظالم وجبر الضرر، إضافة إلى وضع رؤية موحدة لإعادة الإعمار بمشاركة الكفاءات الوطنية، وتمكين الشباب والمرأة للاضطلاع بدور فعّال في المرحلة المقبلة باعتبارهم طاقة الوطن الحية وضمانة استدامة السلام والتنمية .
وفي ما يتصل بآلية وقف الحرب، دعت المبادرة إلى إعلان وقف إطلاق نار مشروط لمدة أربعة عشر يومًا قابلة للتجديد، تحت رقابة محايدة، ومنع الإمداد بالسلاح، ورصد التحركات عبر الوسائل التقنية الحديثة، وفتح ممرات إنسانية للهلال الأحمر والمنظمات المحايدة، مع مراعاة الوضع الإنساني المتفاقم خصوصًا في مدينة الفاشر، والبدء في خطة لجمع السلاح ودمج المؤهلين في الحياة المدنية ضمن ترتيبات أمنية متفق عليها .
كما تضمنت خارطة طريق تنفيذية تدعو إلى عقد اجتماع عاجل للطرق الصوفية والإدارات الأهلية لإعلان تأييد المبادرة، والتواصل مع الحكومة والجهات المؤثرة لتبنّيها رسميًا، ثم عقد مؤتمر تأسيسي في كدباس تحت رعاية السجادة القادرية، يضم كل المكونات الوطنية السليمة. وتشمل المرحلة الثانية من المبادرة عقد حوار سوداني – سوداني شامل، وإصدار ميثاق شرف وطني يتضمن نبذ العنف واحترام سيادة الدولة، والعمل المشترك من أجل الإعمار، إلى جانب تشكيل آلية متابعة لضمان تنفيذ المخرجات .
ويشرف على المبادرة هيكل تنظيمي يتكون من اللجنة العليا برئاسة الشيخ محمد حاج حمد الجعلي، ومجلس الحكماء الذي يضم مشايخ الطرق الصوفية والزعامات الدينية والإدارات الأهلية والشخصيات القومية، إضافة إلى الأمانة العامة واللجان التخصصية المعنية بالحوار والمصالحات، والتوعية والإعلام، والدعم اللوجستي والتمويل .
وفي ختام بيانه، وجّه الشيخ الجعلي نداءً وطنيًا مؤثرًا إلى أبناء السودان قائلاً: “إن وطننا أمانة في أعناقنا، والحرب لن تجلب إلا الخراب، والصلح خير، فلنعتصم بحبل الله جميعًا، جيشًا وشعبًا، رجالًا ونساءً، حتى نكتب للعالم قصة شعب أبى أن ينكسر، وأصر على أن يعيش موحدًا كريمًا آمنًا”، مستشهدًا بقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69] .
وأكد البيان بأن مبادرة السجادة القادرية بكدباس تمثل نداءً صادقًا للضمير الوطني والإنساني، وامتدادًا لتاريخ طويل من الأدوار الروحية والاجتماعية التي اضطلعت بها كدباس في توحيد الصفّ السوداني، وإرساء معاني السلام والإصلاح عبر الأجيال .