أوضحت تنسيقية “لجان مقاومة الفاشر” أن مقذوفات ألقتها طائرات مسيرة تابعة لقوات “الدعم السريع” في عدد من المواقع داخل مدينة الفاشر، تسببت في انبعاث روائح نفاذة وغريبة. وذكرت التنسيقية في بيان لها أنه “بحسب مصادر طبية، فإن المقذوفات تحتوي على مواد كيماوية”.
شن سرب من الطيران المسير التابع لقوات “الدعم السريع” في الساعات الأولى من صباح أمس الأحد، هجوماً جوياً واسعاً على مدينتي الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، وكوستي كبرى مدن ولاية النيل الأبيض (جنوب البلاد)، مستهدفاً منشآت مدنية وعسكرية من دون أن يُحدث أضراراً بالغة، إذ تمكنت الدفاعات الجوية للجيش من إسقاط 10 من تلك المسيرات من مجمل 20 مسيرة انتحارية، وفق مصادر عسكرية.
وسمع شهود في مدينتي الأبيض وكوستي دوي انفجارات قوية بالقرب من المواقع العسكرية، فضلاً عن إطلاق كثيف للمضادات الأرضية، منوهين إلى أن الحياة عادت إلى طبيعتها في المدينتين، واستأنف المواطنون أعمالهم بشكل طبيعي.
وقال الجيش في بيان صادر عن مكتب الناطق الرسمي، “واصلت قوات ‘الدعم السريع’ انتهاك القانون الدولي وأعراف الحرب باستهدافها منشآت مدنية وصحية وسكنية بمدينة الأبيض شمال كردفان بعدد من المسيرات الانتحارية، مما أدى إلى حدوث أضرار محدودة في المستشفى الحكومي التعليمي ومستشفى الضمان، كما طال الهجوم بعض الأحياء السكنية ومرافق الخدمات من دون وقوع خسائر في الأرواح”.
وعد البيان الهجوم بالمسيرات بمثابة هزيمة أخلاقية لهذه القوات، وتأكيداً على تماديها في تحدي القانون الدولي وإلحاق الأذى بالمواطنين الأبرياء.
كما دانت حكومة رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس هذا الهجوم، ووصفته بأنه تصعيد خطر وانتهاك للقانون الدولي الإنساني، فضلاً عن أنه يعكس حالة الإفلاس الأخلاقي والعسكري، ويمثل محاولة للتغطية على الهزائم الميدانية التي لحقت بهذه القوات.
وأكدت الحكومة في بيان لها مضيها في “أداء واجبها الوطني بحماية المدنيين والتصدي للعدوان، والعمل على استعادة الأمن والاستقرار وترسيخ دولة القانون”.
في حين أشار مراقبون عسكريون إلى أن هذا الهجوم جاء كرد فعل على القصف العنيف الذي نفذه الجيش خلال الأيام الماضية في مناطق سيطرة “الدعم السريع”، وأسفر عن خسائر في العتاد والأرواح، لافتين إلى أنه يأتي أيضاً بالتزامن مع حشود عسكرية ضخمة للطرفين في أجزاء واسعة من إقليم كردفان، وهو ما يشير إلى أن الأوضاع العسكرية في هذا الإقليم تتجه نحو مزيد من التصعيد.
وسبق أن تعرضت المدينتان خلال الأشهر الماضية لهجمات مماثلة، في حين ظلت الأبيض، التي حولها الجيش مركزاً لإدارة العمليات العسكرية في أقاليم كردفان ودارفور، هدفاً لـ”الدعم السريع” من وقت لآخر، من خلال الغارات الجوية والقصف المدفعي المتواصل باتجاه منشآت مدنية، من بينها استاد المدينة، والمنطقة الصناعية، ومستشفى الضمان، وفندق، فضلاً عن قيادة الفرقة الخامسة مشاة والمستشفى العسكري.
في وقت شهدت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، على مدى ثلاثة أيام متتالية، قصفاً مدفعياً متواصلاً وعنيفاً من قبل قوات “الدعم السريع” أوقع عدداً من القتلى والجرحى وسط المدنيين، عاد أمس الأحد الهدوء النسبي الحذر إلى المدينة بعد توقف الاشتباكات بين القوتين المتحاربتين، مع تحليق للطيران المسير في أجوائها.
ووفقاً لمصادر ميدانية، فإن الطائرات المسيرة نفذت عدداً من الضربات من دون أن تسفر عن خسائر في الأرواح.
في الأثناء، أوضحت تنسيقية “لجان مقاومة الفاشر” أن مقذوفات ألقتها طائرات مسيرة تابعة لقوات “الدعم السريع” في عدد من المواقع داخل مدينة الفاشر، تسببت في انبعاث روائح نفاذة وغريبة.
وذكرت التنسيقية في بيانٍ لها أنه “بحسب مصادر طبية، فإن المقذوفات تحتوي على مواد كيماوية”.
سعت قوات “الدعم السريع” خلال الفترة الماضية إلى الوصول إلى مقر الفرقة السادسة – مشاة، في ظل قصفها المستمر بالمدافع والطائرات المسيرة، إضافة إلى تصاعد وتيرة الاشتباكات، وبالفعل تمكنت من التوغل لمسافات قريبة من قاعدة الجيش شملت الأحياء الشرقية والجنوبية للمدينة، فضلاً عن توغلها في مخيم أبو شوك للنازحين وأحياء مربع 17 وأولاد الريف والوادي وتمباسي ومكركا. وفي المقابل، يسيطر الجيش على القطاع الغربي من المدينة وأجزاء من حي أبو شوك.
لكن تنفيذ الجيش أخيراً، عملية إسقاط مظلي ناجحة لقواته لأول مرة منذ نحو خمسة أشهر، وسط تصاعد القتال، قد تؤدي إلى إحداث تغيير في توازن القوة.
وشهدت المدينة خلال الأشهر الثلاثة الفائتة أوضاعاً كارثية بسبب ارتفاع وتيرة الاشتباكات بين الطرفين، مما تسبب في مقتل أكثر من 300 مدني وإصابة المئات، وفقاً لمصادر بوزارة الصحة، كما أجبر الآلاف على النزوح إلى محليات مليط وطويلة وكورما ومناطق جبل مرة.
ويمر الوضع الإنساني في الفاشر بأزمة حادة بسبب النقص في السلع الأساسية مثل السكر والدقيق والدخن، مما جعل كثيرين من المواطنين يعتمدون على الأمباز، الذي يُستخدم عادة كعلف للحيوانات.
وأدى انعدام الغذاء إلى انتشار سوء التغذية بين الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن، مما نتج عنه زيادة في عدد الوفيات بين هذه الفئات الضعيفة.
وقالت منظمة الصحة العالمية، إن السودان يواجه أزمة جوع خطرة، مع تأكيد وجود ظروف مجاعة في أجزاء من البلاد، وأشارت إلى أن الوضع في ولاية شمال دارفور شديد الخطورة، خصوصاً في مدينة الفاشر، بسبب الحصار الذي تفرضه “الدعم السريع” منذ 11 مايو (أيار) 2024، في مسعى للسيطرة عليها، باعتبارها آخر فرقة عسكرية للجيش في إقليم دارفور.
وأدى النزاع في الفاشر إلى توقف وتدمير معظم مصادر المياه العامة والخاصة، كما خرجت 95 في المئة من المستشفيات والمرافق الصحية عن الخدمة، فيما تعمل البقية بشكل جزئي.
إنسانياً، ذكرت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة “يونيسف” أنها أوصلت إمدادات صحية إلى منطقة كاودا الواقعة جنوب كردفان، التي تمثل معقل الحركة الشعبية – شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو.
وأوضحت “يونيسف” على منصة “إكس” أن “الإمدادات الصحية المنقذة للحياة وصلت أخيراً إلى كاودا، التي تُعد أصعب المناطق التي يمكن الوصول إليها في السودان”، مشيرة إلى أن القافلة المكونة من جرارين وصلت بعد رحلة طويلة ومليئة بالتحديات استغرقت ثلاثة أيام، إذ إن الوصول إليها يتم عبر طرق جبلية وعرة، إضافة إلى الوصول إليها من جنوب السودان.
وبينت أن تسليم المساعدات إلى كاودا يأتي في سياق استجابة “يونيسف” للكوليرا، متوقعة استفادة 15 ألف شخص من إمدادات العلاج.
وفي 24 أغسطس (آب) الماضي، وصلت قافلة “يونيسف” إلى ولاية جنوب كردفان لأول مرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2024، ومن المقرر أن يستفيد منها 120 ألف شخص من الفئات الضعيفة.
ويعاني 63 ألف طفل في جنوب كردفان من سوء التغذية الحاد، بما في ذلك أكثر من 10 آلاف يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم.
وتعيش مناطق عديدة في جنوب كردفان في خضم أزمات إنسانية شائكة، منها الشح الشديد في الأدوية والسلع الغذائية، نتيجة الحصار المزدوج الذي تفرضه الحركة الشعبية وقوات “الدعم السريع” على كادقلي والدلنج.
سياسياً، بدأت قوى الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية، مشاورات تحضيرية لبحث قضايا العملية السياسية، من خلال ورشة “المشاورات التحضيرية” التي تنظمها منظمة “بروموديشن” الفرنسية الناشطة في توحيد الفرقاء السودانيين، وذلك بمدينة بورتسودان شرق البلاد، وتستمر يومين.
وقال المتحدث باسم الكتلة الديمقراطية محمد زكريا، إن الورشة تناقش كيفية عقد الحوار السوداني-السوداني وأطرافه ومكان انعقاده ودور الوساطة وقضايا التمويل، ويعقبها مراحل أخرى بهدف الوصول إلى توافق بين أكبر قدر من القوى السياسية في البلاد لتحقيق الاستقرار والابتعاد عن الصراعات والتجاذبات السلبية.
من جهته، قال رئيس اللجنة السياسية في الكتلة، مني أركو مناوي، إن البلاد بحاجة إلى العمل المشترك بين المكونات المدنية والعسكرية للوصول إلى سودان مستقر، مشيراً إلى أن الورشة تهدف إلى تجميع المبادرات وتوحيد القوى السياسية في رؤية واحدة تدعم الاستقرار.