فقد السودان توازنه المالي، بعد أن تآكلت احتياطاته النقدية وتراجعت تدفّقاته النقدية الخارجية، بما فيها تحويلات المغتربين التي تراجعت بنسبة 70%، ما ساهم في تسريع وتيرة انخفاض الجنيه مقابل العملات الأجنبية، ووصل سعر الدولار لأول مرة إلى 3700 جنيه، متخطياً كل التوقعات.
ويظهر تباين أسعار العملات في السوق الرسمية حجم معاناة البنوك والفجوة بينها والبنك المركزي، إذ تأثرت بمعظمها وفقدت مخزونها من النقد الأجنبي، فقد ارتفع سعر بيع الدولار في بنك السودان المركزي إلى 2600 جنيه، بينما سجلت بعض البنوك الأخرى سعراً أعلى وصل إلى 2700 جنيه، بالإضافة إلى اتساع الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي. كما يؤكد تدهور الجنيه استمرار فقدان السيطرة النقدية على سوق العملات، في ظل غياب أدوات مالية واقتصادية فعالة، بحسب مراقبين.
وصف مختصون تراجع الجنيه السوداني بأنه الأسرع في الأيام الأخيرة، خلال فترة الحرب، مطالبين باتخاذ السلطات إجراءات عاجلة لوقف نزيف العملة المحلية.
وأكد الخبير المصرفي أيمن أحمد ضرورة تبني الجهات المختصة آلية مالية مبتكرة تهدف إلى تثبيت سعر صرف العملة المحلية، عبر إصدار صكوك مشاركة دولية تستند إلى شهادات أصول طبيعية غير مستغلة، مثل الذهب، والبترول، والغاز.
وأوضح الخبير المصرفي أن السودان يطبق حالياً نظام سعر صرف مرن مدار، إلا أنه لم ينجح في كبح جماح التضخم أو تحقيق استقرار العملة، خاصة في ظل تعطل أدوات السياسة النقدية التقليدية نتيجة الحرب، وتراجع قدرة الدولة على التدخل الفعّال، مشيراً إلى وجود موارد غير مستغلة تعتبر فرصة كبيرة لتوفير غطاء نقدي للجنيه إلى جانب تعزيز احتياطي النقد الأجنبي لتغطية فواتير الاستيراد من دون الحاجة للذهب بالاعتماد على شهادات أصول معتمدة دولياً.
وبحسب تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية، فإن استمرار النزاع المسلح يهدد بانهيار شامل للاقتصاد السوداني، ويضع البلاد على حافة أزمة مالية خانقة، في ظل غياب أي خطة إنقاذ دولية واضحة.
وفى تقرير صادر عن وحدة التحليل الاقتصادي في مجلة ذا ايكونومنست، خلال أغسطس/ آب الماضي، أشار إلى أن الاقتصاد السوداني يواجه حالة من “الانكماش المزدوج” نتيجة الحرب المستمرة، إذ انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 18% خلال عام واحد، وارتفع معدّل التضخم إلى أكثر من 400% خلال الحرب، وسط انهيار شبه كامل في سلاسل الإمداد، وتوقف شبه تام للإنتاج الزراعي والصناعي في معظم الولايات.
وفي تقرير صدر عن صندوق النقد الدولي في سبتمبر/ أيلول 2025، أشار إلى أن السودان يواجه “انهياراً نقدياً شاملاً”، مع فقدان الجنيه وظيفته الأساسية كأداة للتبادل والتسعير.
التقرير أشار إلى أن البلاد تعاني من انكماش مزدوج في الإنتاج المحلي والطلب الاستهلاكي، وسط تفكك مؤسسات الدولة المالية، كما أورد التقرير أن أكثر من 80% من المعاملات اليومية باتت تتم بالدولار أو عبر المقايضة، في ظل انهيار الثقة بالعملة المحلية.
العربي الجديد