آخر الأخبار

ما بين حربي تيغراي والسودان من تشابهات واختلافات ودلالات

شارك

هاشم علي حامد محمد

independentarabia

على رغم الصعوبات التي لا تزال تواجه إثيوبيا، بدا اتفاق سلام تيغراي في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2022 شاهداً على صلابة حكومة آبي أحمد ضد الضغوط الدولية، ولم يكن سلام إثيوبيا سهلاً حينما أعلن رئيس الوزراء قيادته للجيش في نوفمبر عام 2021 كدلالة عزم على فرض إرادة الدولة، ومن ثم تحقق اتفاق بريتوريا في جنوب أفريقيا الذي قدم مصالح الوطن.

اليوم بات السؤال الذي يطرح نفسه، هل يشابه حال السودان جارته الجنوبية إثيوبيا في حربها السابقة، وما العوامل المشتركة ما بين إرادة أديس أبابا وعزم الجيش السوداني؟ وهل تستطيع الإرادة الوطنية السودانية هزيمة الضغوط الخارجية؟

ضمن مسار درجت عليه بعض الجهات الدولية والإقليمية تجاه حرب السودان، دعت كل من الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، في الـ13 من سبتمبر (أيلول) الجاري، وعبر بيان مشترك لوزراء خارجيتها إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر في السودان، يليها وقف دائم لإطلاق النار وعملية انتقالية مدتها تسعة أشهر تؤدي إلى حكم مدني.

وبينما لم يشر الإعلان إلى أي من طرفي الصراع أو التطرق إلى التجاوزات الإنسانية، أو الإشارة إلى ما يتعرض له المدنيون في مدينة الفاشر المحاصرة منذ أكثر من عامين من قبل ميليشيات “الدعم السريع”، شددت الدول الأربع في إعلانها على ضرورة أن تكون العملية “شاملة وشفافة” وأن تنتهي ضمن المهل المحددة بغية “تلبية تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة حكومة مستقلة بقيادة مدنية تتمتع بقدر كبير من المشروعية والقدرة على المساءلة”.

وكانت وزارة الخارجية السودانية أصدرت بياناً أكدت من خلاله أن تحقيق السلام في السودان هو مسؤولية حصرية لشعبه ومؤسسات الدولة القائمة، مشيرة إلى أن الشعب وحده هو من يحدد كيفية الحكم من خلال التوافق الوطني.

خطوات متدرجة

في بداية حرب تيغراي بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في الرابع من نوفمبر عام 2020، خطت الولايات المتحدة ودول غربية خطوات متدرجة ضد حكومة آبي أحمد بدأتها بالدعوة إلى وقف إطلاق النار، تلا ذلك عقوبات سياسية واقتصادية على أديس أبابا. وطالبت الخارجية الأميركية إثيوبيا بوقف استهداف المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، لكن في المقابل رفضت أديس أبابا الدعاوى المتكررة لواشنطن في شأن حقوق الإنسان، وغير ذلك من اتهامات وضغوط.

وبحلول مارس (آذار) 2021 أعربت إثيوبيا عن بالغ أسفها لتصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن التي وصف فيها العملية العسكرية لحكومة آبي أحمد في إقليم تيغراي بـ”التطهير العرقي”، وأكدت أن واشنطن قررت تعليق المساعدات المقدمة لأديس أبابا لمعظم البرامج في قطاع الأمن.

وخلال مايو (أيار) من العام نفسه، احتشد الآلاف من سكان أديس أبابا في استاد العاصمة رفضاً للقرارات الأميركية التي صدرت في حق مسؤولين ودعماً ومساندة للحكومة الإثيوبية. وكانت الحكومة الأميركية فرضت قرارات وقيود واسعة النطاق على المساعدات الاقتصادية والأمنية لإثيوبيا، كما حظرت منح تأشيرات لمسؤولين وهو ما رفضته أديس أبابا ووصفته بالقرار “المؤسف”.

النموذج السوداني

في المقابل وبعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وميليشيات “الدعم السريع” في أبريل (نيسان) عام 2023، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، وتحت طائلة انتهاكات حقوق الإنسان الموجه لطرفي الحرب استهدفت العقوبات الأميركية بعض الكيانات المرتبطة بالجيش السوداني، وفرض قيود على التأشيرات لبعض المسؤولين المعنيين.

وبعد أكثر من عامين على الحرب، جاء بيان الرباعية المشترك استباقاً لقرار أصدرته وزارة الخزانة الأميركية في فرض عقوبات على رئيس حركة العدل والمساواة السودانية جبريل إبراهيم وزير المالية في حكومة عبدالفتاح البرهان، وشملت عقوبات الخزانة الأميركية الفيلق الشعبي (البراء بن مالك)، الذي يقاتل إلى جانب الجيش فيما يصفه بـ”حرب الكرامة”.

قوات من الجيش السوداني (أ ف ب)

وقالت حركة العدل والمساواة، الحليفة للحكومة في بيان لها قبل أيام، إن العقوبات الأحادية المفروضة على قيادتها “ليست ذات قيمة وتمثل إجراء جائراً يفتقر إلى الأساس القانوني والمبررات الموضوعية، ولا تنسجم مع قواعد العدالة أو مبادئ القانون الدولي”، داعية المجتمع الدولي إلى توجيه جهوده نحو رفع الحصار غير المشروع عن مدينة الفاشر وبقية المدن، ودعم عملية السلام الشامل بالانحياز لتطلعات الشعب السوداني.

الرفض

على مستوى التدخلات الدولية كانت إثيوبيا خلال حربها قد رفضت في مارس عام 2021 تصريحات لوزير الخارجية الأميركي حول إقليم تيغراي. وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية حينها “إن محاولة الولايات المتحدة إصدار تصريحات حول الشؤون الداخلية لإثيوبيا وتحديداً في الإشارة إلى إعادة انتشار القوات التابعة لإقليم أمهرة هو أمر مؤسف”، وأضافت “يجب أن يكون واضحاً أن مثل هذه الأمور هي مسؤولية الحكومة الإثيوبية وحدها، كدولة ذات سيادة، مسؤولة عن نشر الهياكل والوسائل الأمنية اللازمة لضمان سيادة القانون في جميع أركان حدودها”.

سودانياً فإن بيان وزارة الخارجية الصادر في سبتمبر الجاري استعرض موقف الحكومة من التدخلات الدولية، وقال “لا تقبل حكومة السودان أي تدخلات دولية أو إقليمية لا تحترم سيادة الدولة السودانية ومؤسساتها الشرعية المسنودة من الشعب وحقها في الدفاع عن شعبها وأرضها.”

وضمن مسار الحرب ضد ميليشيات “الدعم السريع” في كل من إقليمي كردفان ودارفور، يقول مراقبون إن إصدار وتوقيت بيان الرباعية كان جراء ضغوط دولية على بعض (دول الرباعية) مرتبطة بالانتصارات التي حققها الجيش في كردفان وتحرير مدينة بارا الاستراتيجية الواقعة شرق مدينة الأبيض في شمال دارفور (تقع على الطريق الرابط بين دارفور والخرطوم)، وكونها حلقة وصل بين أقاليم كردفان ودارفور والوسط، فضلاً عما يشاع عن قرب الجيش من حسم المعركة لصالحه وفق تكهنات جهات مراقبة لمسار الحرب.

وتشير الدلائل إلى أنها ليست المرة الأولى التي يصدر فيها بيان لهدنة إنسانية في السودان، فقد دعت كيانات إقليمية ودولية ومحلية لمثل هذه الهدن منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023، أي قبل أكثر من عامين، وأولها اتفاق جدة عام 2023 الذي أتاح بنفوذ أميركي لقيادة عناصر “الدعم السريع” خروجاً آمناً من الخرطوم.

وبينما يأتي بيان الرباعية هذه المرة في توقيت مختلف لكنه جاء أيضاً في ظروف مشابه (على الصعيد المحلي)، حيث يعلن الجيش السوداني عن انتصارات وتوقعات بنجاحات بدأت بوادرها في إقليم كردفان، فضلاً عن سيطرته على ممرات موصلة إلى مقار نفوذ “الدعم السريع” في إقليم دارفور.

مواقف المنظمات

كان لمواقف منظمات إقليمية أفريقية كالاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (الإيغاد) أدوار متباينة لعبتها خلال الحربين، حرب تيغراي والحرب السودانية الحالية، إذ نشط الاتحاد الأفريقي في إصدار بيانات لوقف إطلاق النار وأرسل مبعوثين رئاسيين من ثلاث دول (نيجيريا وموزمبيق وجنوب أفريقيا) لكن أديس أبابا رفضت وساطتهم بدعوى أنه شأن داخلي.

ثم وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022 رعى الاتحاد الأفريقي مفاوضات بريتوريا التي قادها المبعوث الأعلى للاتحاد الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو بإيعاز من الحكومة الأميركية، وفي حرب تيغراي مثل الاتحاد الأفريقي كواجهة وساطة إيجابية في تنسيقه مع الحكومة الإثيوبية وجهات دولية لمصلحة تحقيق السلام ليصبح أخيراً الوسيط الضامن للاتفاق.

أما في حرب السودان فعمل الاتحاد الأفريقي بالتوازي مع (الإيغاد) وشارك في مؤتمرات إنسانية كمؤتمر جنيف للمانحين عام 2023، أما في ما يتعلق بتعطيل مشاركة السودان في أنشطته منذ أكتوبر عام 2021 بدعوى الانقلاب العسكري، ظل دوره تنسيقياً وداعماً لأنشطة قوى دولية وإقليمية، مما أفقده ثقة الحكومة السودانية خلال دورة رئاسة مفوضية التشادي موسى فكي.

نجح آبي أحمد في الصمود أمام الضغوط الغربية حتى انتهاء الحرب (أ ف ب)

وعلى مستوى نشاط (الإيغاد) بدا واضحاً دور الهيئة الداعم إيجاباً خلال حرب تيغراي لنداءات السلام عبر بيانات ودعوات للحوار وتعاون محدود مع جهات إقليمية ودولية، وكانت علاقات الهيئة مع الفاعلين الإثيوبيين محدودة، إذ تعاملت الحكومة وجهات إقليمية عبر قنوات أخرى أو عبر الاتحاد الأفريقي ودول نافذة.

لكن على مستوى حرب السودان فكان دور (الإيغاد) نشطاً كواجهة إقليمية للوساطة والعمل على تشكيل أطر ومجموعات تفاوضية، وتبنت دعوات لوقف إطلاق النار، عبر بيانات وتنسيق مباشر مع شركاء دوليين والاتحاد الأفريقي إلى جانب لعبها أدواراً نشطة وإجرائها اتصالات مباشرة مع الجهات المتمردة المحاربة للحكومة، مما أدى إلى قطع الحكومة السودانية الاتصال والتعاون معها عبر قرارات تجميد نشاطها خلال يناير (كانون الثاني) عام 2024 بعد اتهام الهيئة بانتهاك السيادة بدعوتها قائد “الدعم السريع” كجهة منافسة للحكومة.

إقليمياً وبينما أدى بعض دول الجوار كمصر والسعودية أدواراً إيجابية لمصلحة السلام السوداني، إذ تصدرت السعودية منذ تفجر الحرب بفعاليات منبر جدة لتحقيق السلام، واستضافت مصر مؤتمر الجوار السوداني خلال يوليو (تموز) عام 2023، اتهمت الحكومة السودانية دولاً عربية أخرى بأدائها أدواراً رئيسة في مساندة “الدعم السريع” وإطالة أمد الحرب.

وبنظرة عامة اتسم اتفاق بريتوريا في تحقيق السلام في إثيوبيا بحفظ سمات الدولة وشرعية الحكومة كونها الراعي للمصالح القومية، وتضمن اعترافاً ضمنياً بذلك لما شمله من تجريد الجبهة الشعبية من أسلحتها، في المقابل تعرض السودان لضغوط دولية وإقليمية لفرض سلام ذي مواصفات لا تعترف بالدولة ولا بالحكومة، تصب لمخططات ومصالح جهات دولية وإقليمية وهو الفارق الواضح جلياً في الحالتين.

الدرس الأبرز

يقول الكاتب المتخصص في قضايا القرن الأفريقي عمار العركي إن “المقارنة بين حربي تيغراي والسودان تشكل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التحديات التي تواجه الدول حين تختبر في وحدتها وسيادتها، ففي الحالة الإثيوبية وعلى رغم قسوة الضغوط الدولية والإقليمية تمكنت القيادة من فرض قرارها الوطني، وأثبتت أن السلام لا ينتزع بالاستجابة للإملاءات وإنما يصنع من موقع القوة، بعدما حسمت المعركة ميدانياً لمصلحة الدولة، وقد كان مشهد قيادة رئيس الوزراء للجيش بنفسه دلالة عزم وإصرار على أن تبقى الدولة فوق أي اعتبار آخر”.

ويضيف “وفي حال السودان فإنه يواجه اليوم وضعاً لا يقل خطورة، بل يتجاوز في تعقيداته ما مرت به إثيوبيا، نظراً إلى انتظام قوى إقليمية ودولية بصورة مباشرة في دعم الميليشيات المتمردة ومحاولة فرض تسويات تنتقص من السيادة الوطنية، ومع ذلك فإن ما يجمع التجربتين هو صلابة المؤسسة العسكرية في الدفاع عن الدولة، والإرادة الوطنية التي تجعل من حماية السيادة ووحدة التراب الوطني خطاً أحمر”.

يشير العركي إلى أن “الدرس الأبرز من التجربة الإثيوبية هو أن وحدة الصف الداخلي والتمسك بالقرار الوطني يشكلان الأساس الذي تبنى عليه أي تسوية حقيقية. والسودان بدوره قادر على تجاوز الضغوط الخارجية إذا ما أحسن توظيف موقعه الاستراتيجي وتحويل التحديات إلى فرص لصياغة تحالفات متوازنة تضمن استقلالية قراره، ومن ثم فإن السلام المنشود لن يتحقق عبر تنازلات مفروضة، بل عبر إرادة وطنية صلبة تفرض شروطها وتؤسس لسلام دائم يحمي السيادة ويضمن الاستقرار”.

ثمة فارق

بدوره يقول الأستاذ الجامعي الكاتب في الشؤون الدولية محمد حسب الرسول إن “ثمة فارقاً جوهرياً بين حرب إثيوبيا عام 2020 وحرب السودان عام 2023، فحرب تيغراي كانت صراعاً داخلياً وبأسباب خاصة، بينما الحرب في السودان كانت عدواناً خارجياً استخدم فيها الخارج أدوات محلية وإقليمية في القتال وتوفير التجهيزات العسكرية، ورعاية الحرب سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً ومالياً”.

ويمضي في حديثه، “في حرب إثيوبيا كانت مجموعات عسكرية من إقليم تيغراي هي التي تقاتل القوات الحكومية، بينما في السودان كان القتال من قبل ميليشيات ’الدعم السريع‘ ومرتزقة جيء بهم من دول كثيرة آخرها كولومبيا التي قدم رئيسها اعتذاراً للسودان وأمر بالتحقيق في مشاركة مرتزقة من بلاده في هذه الحرب.”

يقارن حسب الرسول أيضاً بين “مطالب مقاتلي تيغراي تحت سقف الدولة الإثيوبية المستقلة، بينما مطالب ’الدعم السريع‘ مصوبة نحو إنهاء دولة عام 1956 السودانية (دولة الاستقلال)، مما يعني أن هدف الحرب هو إنهاء السيادة لأطر سياسية تاريخية ظلت هي الراعية لاستقلال ومصالح السودان”، ويتابع “لم تدخل الحرب في إثيوبيا بيوت المواطنين وتقتلهم عنوة، ولم تتخذ من المؤسسات المدنية مقار عسكرية، عكس ما حدث في السودان، حيث ارتكبت ’الدعم السريع‘ مجازر في حق المدنيين في مدن الجنينة ونيالا والفاشر وفي الجزيرة وسنار، وطرد السكان من بيوتهم في سياق مشروع تطهير عرقي يهدف إلى إجراء عملية تغيير ديموغرافي إلى جانب تدميره مؤسسات الدولة”.

ويوضح أنه “من الفوارق الجوهرية بين الحربين أن القيادة السياسية في إثيوبيا قاومت الضغوط الخارجية بصلابة، وظلت تستفيد من الدعم الشعبي للحكومة في تعزيز مشروعيتها، وتمسكت بموقف مبدئي رافض للتدخل الخارجي، بينما القيادة السياسة في السودان لا تعير الداخل السوداني الاعتبار المستحق على رغم الدعم والإسناد الشعبي، وأنها ترغب في اكتساب مشروعية من الخارج لا من أوساط شعبها، لهذا استجابت للضغوط الخارجية منذ الأسبوع الثاني للحرب، ولا تزال رغبتها في احتضان خارجي حاضرة”.

كذلك حرصت القيادة السياسية في إثيوبيا على حسم المعركة العسكرية أولاً قبل الدخول في أي حوار سياسي، بينما تشير توجهات نظيرتها في السودان إلى إدارة الحرب لا حسمها، وربما تحرص على إطالة أمدها حتى يتحقق الإنهاك العام لكل الفاعلين في المشهد السوداني من أجل إعادة تشكيله على نحو يكرس السلطة في يد تلك القيادة.

تشابه واختلاف

في زاوية أخرى، يرى رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية، ياسين أحمد، أن “هناك جوانب من التشابه والاختلاف بين حالتي إثيوبيا والسودان في مواجهة الضغوط والأجندات الخارجية وتسوية التحديات الداخلية، ففي نموذج إثيوبيا خلال الحرب السابقة فإن الضغوط الخارجية على أديس أبابا تمثلت في دعم بعض القوى الدولية الغربية كالولايات المتحدة للمتمردين الذين كانوا يمثلون نظام الحكم السابق الذي حكم البلاد عبر ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية، وحينها مثلت قومية تيغراي القوى المسيطرة بقيادة (الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي) التي احتكرت السلطة لأكثر من 27 عاماً”.

ويوضح أن “تمرد جبهة تيغراي كان كممارسة ضغوط على حزب الازدهار الذي يمثل نظام الحكم السياسي الجديد، والحكومة الإثيوبية المركزية بقيادة آبي أحمد الذي اكتسب السلطة الشرعية، ووصل إلى سدة الحكم بانتخابات ديمقراطية. وكان حزب الازدهار، الذي أُسس على أساس الأيديولوجية السياسية والمواطنة الإثيوبية وليس على أساس الانتماءات العرقية والقومية، يمثل واجهة وقيادة السلطة كحزب جامع لكل الإثيوبيين”.

يدفع المدنيون السودانيون الثمن الأكبر للحرب (أ ف ب)

ولعل الحكومة المركزية بقيادة حزب الازدهار، التي تعتبر نفسها حكومة التغيير والإصلاح الشامل نجحت في مواجهة الضغوط الخارجية الغربية أولاً بتعزيز الوحدة الوطنية الإثيوبية، وظلت ترفض التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد والتأثير في السيادة الوطنية وكان رفضها التدخل عبر حملة شعبية (لا لمزيد) من جهة، وبتنويع تحالفاتها مع بعض القوى الدولية والإقليمية بهدف خلق توازن مع القوى الغربية النافذة فامتد تحالف أديس أبابا إلى الصين وروسيا والإمارات وتركيا من جهة أخرى”، وببساطة كان الصراع في إثيوبيا نتيجة اختلاف سياسي تطور إلى صراع بين حكومة وجماعة عرقية.

أما في السودان فتفجرت الحرب نتيجة تنافس بين جنرالين، وصراع أجندات خارجية تعمل لها قوى دولية وإقليمية، وكيانات سياسية محلية، استغلت مقومات “الدعم السريع” كميليشيات حديثة التكوين لمواجهة الجيش السوداني ولفرض أمر واقع، وفي أن تكون الميليشيات مستقبلاً بديلاً للقيادة العسكرية في الخرطوم.

وبحسب ياسين فإن الحرب السودانية هي تنافس أيديولوجي وعسكري لم يكن في الحالة الإثيوبية، مضيفاً “كما أن ما يواجهه السودان من استهداف له أبعاد ممتدة في أحداث تغيير سياسي وديموغرافي تكشفت حقائقه في تجنيد جهات خارجية، وعناصر قبلية غير سودانية، لا تزال تقاتل حتى الآن إلى جانب ميليشيات ’الدعم السريع‘، وقد يؤثر ذلك في المنطقة الإقليمية، ويشكل خطراً حقيقياً على الاستقرار مستقبلاً في جملة منطقة القرن الأفريقي.”

إرادة الشعوب لا تقهر

من جهته يشير الباحث في الشؤون الدولية عادل عبدالعزيز حامد إلى “أن المقارنة ما بين أديس أبابا والخرطوم تؤكد أنهما شهدتا تمرداً على الحكومة المركزية، ولكن هناك بعداً قبلياً واضحاً في الحالة الإثيوبية، وهناك بعد قبلي خفي في الحالة السودانية. التمرد في الحالة السودانية هو تمرد فصيل كان جزءاً من الجيش السوداني مسنوداً ببعد قبلي، وأيديولوجي لجماعات يسارية ذات مصالح محدودة”.

ويوضح أن هناك جانباً آخر يرتبط بأن إثيوبيا تعد حليفاً قديماً مع المعسكر الغربي بقيادة أميركا، ودولة السودان كانت تحت العقوبات الأميركية أكثر من ثلاثة عقود، والولايات المتحدة التي يحكمها دونالد ترمب للمرة الثانية تفهم لغة واحدة هي المصالح فقط.

ويقول “أما في ما يتعلق برهان الإرادة الوطنية السودانية وهزيمة الضغوط الخارجية، فالإجابة بوضوح شديد (نعم) إذا توحد الشعب خلف الجيش بتاريخه العريق وإمكاناته الكبيرة وتمرسه في الحروب، فهناك دول أقل من السودان استطاعت أن تهزم أميركا مثل الصومال وفيتنام، وهناك ظاهرة جديدة وهي أن الشعب السوداني الآن يقاتل مع الجيش جنباً إلى جنب وإرادة الشعوب لا تقهر أبداً.”

ويؤكد حامد أن “الأمر الآخر والمهم قيادة عمل سياسي ودبلوماسي رفيع المستوى ومخاطبة الشعوب الغربية تجاه ما يتعرض له السودانيون الأبرياء في غرب البلاد وفي مدينة الفاشر من مآس. وتعرية الحكومات والجهات الإقليمية التي تساعد في تلك الإبادة أمر مهم، إلى جانب فضح الجهات الغربية التي تعمل بازدواجية المعايير وتتحدث عن حقوق الإنسان والقانون الدولي وتقتل النساء والأطفال والمدنيين.”

شرق أوسط جديد

عن فروق الحربين يذهب الكاتب في الشؤون الأفريقية يوسف ريحان إلى أن “الحالة الإثيوبية كان الخلاف في أساسه سياسياً ودستورياً حول تمديد ولاية رئيس الوزراء آبي أحمد وتأجيل الانتخابات التي لم يعترف به إقليم تيغراي الخاضع لسيطرة الجبهة الشعبية، ولم تكن هناك أبعاد لا إقليمية ولا دولية تدعم طرفاً ضد آخر بصورة واضحة، ولم يشارك في حرب إثيوبيا عدد لا حصر له من مرتزقة من دول جوار كما حدث للسودان، ودول من جغرافيا بعيدة مثل كولومبيا، ولم يكن حجم الانتهاكات والتعرض للبنية التحتية بذات القدر الذي حدث في السودان بعد أبريل عام 2023”.

وينبه إلى أن “حرب السودان جزء من خطة شاملة ومعلومة الأهداف تستهدف المنطقة وصولاً لشرق أوسط جديد سمته الخضوع وليس الممانعة للرؤية التي تريد الإمبريالية العالمية فرضها على المنطقة، سواء كان لأجل السيطرة على الموارد نتيجة التنافس بين الغرب والقوى الشرقية ذات النفوذ المتنامي، أو من خلال تدجين الأنظمة لقبول التطبيع والتعامل مع الكيان الصهيوني كجسم طبيعي في المنطقة، أو من خلال مشاريع يتقاسم نصيبها قوى دولية وإقليمية لإضعاف الدولة السودانية، لذا فإن تقبل الحكومات والأنظمة القائمة أو رفضها تلك الخطة الشرق أوسطية الجديدة يحدد حجم الاستهداف ووسائله المستخدمة للوصول إليه.”

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا