تقرير: سليمان سري
اعتمدت اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب تقرير لجنة تقصّي الحقائق المكلَّفة من الاتحاد الإفريقي بالتحقيق في الانتهاكات التي وقعت في السودان منذ اندلاع حرب 15 أبريل 2023م، وذلك أثناء انعقاد الدورة الـ84 التي انتهت في 30 يوليو 2025، لرفعه إلى مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي.
وقال مصدر في اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إن لجنة تقصّي الحقائق المعنية بدأت حاليًا في إجراء التعديلات الشكلية الأخيرة على التقرير، والتي طلبتها اللجنة الإفريقية، قبل تقديمه إلى مجلس السلم والأمن لإجازته.
وأوضح المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، أمير سليمان، عضو المركز الإفريقي لدراسات العدالة والسلام، في مقابلة مع “راديو دبنقا”، أن لجنة تقصّي الحقائق التابعة للجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والتي شُكّلت بعد اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، تهدف إلى التحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت في البلاد.
وقال أمير إن التقرير أُجيز بالفعل خلال الدورة الـ84 الخاصة باللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في 30 يوليو الماضي، تمهيدًا لرفعه إلى مجلس السلم والأمن الإفريقي، وهو الجهة التنفيذية الأعلى في الاتحاد الإفريقي، وذلك قبيل نشره رسميًا ومناقشة توصياته بشأن المساءلة.
يُذكر أن لجنة تقصّي الحقائق الإفريقية شُكّلت بمبادرة مشتركة من الاتحاد الإفريقي واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
أوضح أمير سليمان أن اللجنة استخدمت وسائل متعددة لجمع المعلومات، شملت الاستماع لشهادات الضحايا، وتحليل تقارير منظمات المجتمع المدني، وتقارير مستقلة أخرى.
وكشف أن لجنة تقصّي الحقائق الإفريقية تعمل بتنسيق وتعاون مشترك مع لجنة الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق، التي شُكّلت بقرار من مجلس الأمن الدولي. وأضاف: “اللجنة الإفريقية تعمل تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، بينما تتبع لجنة الأمم المتحدة لمجلس حقوق الإنسان. لكن الهدف المشترك بين اللجنتين هو آليات الحصول على المعلومات ورصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، وتقديم توصيات للمحاسبة على الجرائم المرتكبة”.
وأكد أن تجاهل الانتهاكات في السودان فتح الباب واسعًا أمام الجناة للإفلات من العقاب، مما يعيد إنتاج دوامات العنف، بينما يفقد الضحايا حقهم في الوصول إلى العدالة وإجراء محاكمات عادلة تحقق لهم الإنصاف.
وقد تسبّبت حرب 15 أبريل 2023 في ارتكاب طرفي الصراع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وُصفت بأنها من الأفظع عالميًا، مثل فصل الرؤوس وبقر البطون، سواء وسط العسكريين أو المدنيين بتهمة التعاون مع الطرف الآخر.
رحّب سليمان بتعدد المبادرات الحقوقية واللجان العاملة على توثيق الجرائم في السودان، معتبرًا أن هذا التعدد “يساهم في توسيع نطاق جمع المعلومات ويقوي فرص المساءلة”، خصوصًا في ظل تعدد مصادر الضحايا وتعقيد خريطة النزاع. وأشار إلى أن لكل لجنة وسائلها المستقلة، لكنها تلتقي عند هدف واحد: فضح الجرائم ومحاسبة مرتكبيها استنادًا إلى المعلومات الموثّقة.
وبيّن الناشط الحقوقي أمير سليمان أن التحقيقات إذا أثبتت ارتكاب انتهاكات جسيمة، وتم تحديد مبدئي للمسؤولين عنها، فإن ذلك يساعد على رفع توصيات إلى الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي لتشكيل آليات للمحاسبة.
وأوضح أن هذه الآليات قد تتمثّل في محاكم خاصة بجرائم الحرب في السودان بدعم من الاتحاد الإفريقي (على غرار محكمة رواندا في أروشا أو محكمة سيراليون)، أو محكمة خاصة بالسودان كما حدث في لبنان، أو إحالة النزاع إلى المحكمة الجنائية الدولية عبر توصية مجلس حقوق الإنسان لمجلس الأمن الدولي. لكنه استدرك قائلاً: “في حال حدوث تقدّم سياسي وتحقيق سلام ينهي النزاع، يمكن تشكيل محاكم وطنية بدعم دولي للفصل في الانتهاكات”.
وللسودان تاريخ طويل مع لجان تقصّي الحقائق، سواء كانت وطنية أو إقليمية أو دولية، في ظل تاريخه الطويل مع الانتهاكات وسياسة الإفلات من العقاب.
وفي هذا السياق، أشار سليمان إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تُشكَّل فيها لجنة تقصّي حقائق من قِبل اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بشأن السودان، إذ سبقتها لجنة في عام 2003 للتحقيق في انتهاكات دارفور، وكانت من أوائل اللجان التي تعاملت مع الوضع الحقوقي في البلاد على المستوى الإقليمي.
وأوضح سليمان أن لجنة تقصّي الحقائق الإفريقية لا تستقبل شكاوى فردية، بل تعتمد على إجراء مقابلات مع الضحايا والشهود، وتحليل تقارير صادرة عن منظمات المجتمع المدني وهيئات حقوقية دولية وإقليمية.
وتختص اللجنة بالتحقيق في الانتهاكات التي وقعت في مختلف أنحاء السودان، سواء في المناطق المتأثرة مباشرة بالنزاع، أو في مناطق شهدت أعمال عنف من أطراف أو ميليشيات أو جهات مسؤولة.
كما أكد أن اللجنة الإفريقية تملك اختصاصًا قانونيًا للنظر في الشكاوى بين الدول أو بين الأفراد والسلطات الحاكمة، بشرط استنفاد طرق التقاضي الوطنية أولاً. وقد سبق أن فصلت اللجنة في شكاوى عدّة ضد حكومة السودان، فيما لا تزال بعض القضايا الأخرى قيد النظر، وتُنشر تفاصيلها عبر الموقع الإلكتروني الرسمي للجنة.
دبنقا