عبّرت مصر عن قلقها من تزايد دور قوى إسلامية في السودان من خلال توقيف قائد ما يسمى كتيبة “البراء بن مالك” المصباح أبوزيد طلحة، أثناء زيارته إلى مدينة الإسكندرية وقيامه بأنشطة تتعارض مع الأسباب الأسرية والطبية التي دخل بموجبها البلاد.
وفُسّر توقيف المصباح القريب من جماعة الإخوان على أنه رسالة احتجاج مصرية على تضخم دور كتيبته بعد تمكنها من دعم الجيش في استعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم من قوات الدعم السريع، والتحول إلى نشاط مدني يكسبها نفوذا داخل الحكومة السودانية، بما يفتح الطريق أمام عودة قوى إسلامية إلى السلطة مرة أخرى.
وذكر موقع “سودن تربيون” أن الغموض يكتنف مصير قائد كتيبة البراء بعد اعتقاله الثلاثاء من مقر إقامته بالإسكندرية، وأن مسؤولا رفيعا بمجلس السيادة أجرى اتصالا بمسؤولين مصريين لاستجلاء الأمر ومعرفة أسباب اعتقاله وتسريع الإفراج عنه.
ولم تعلّق القاهرة رسميا على التوقيف أو تكشف أسبابه، لكن مصدر سوداني قال لـ”العرب” إن المصباح أخلّ بواجبات الضيافة في مصر وحضر لقاءات مع سودانيين وتحدث في قضايا دينية وسياسية، بصفته قائد ميليشيا مسلحة يطمح إلى القيام بدور كبير في المشهد السوداني بعد وقف الحرب مع قوات الدعم السريع، وإن لم تقف قريبا سيتم تكريس دور عناصر الكتيبة التي يقودها في الخرطوم، دون إرادة قيادة الجيش.
وكشف المصدر ذاته أن المصباح أبوزيد تم توقيفه أيضا أثناء زيارة قام بها إلى السعودية في يونيو 2024، حيث ضبط بعد أن ذهب لأداء شعائر العمرة وهو يقوم بأنشطة سياسية ودينية هناك، وجرت عملية ترحيله إلى السودان في هدوء.
وتدعم القاهرة موقف الجيش في حربه العسكرية ضد الدعم السريع، وترفض عودة الإسلاميين إلى السلطة مرة أخرى، ورؤيتها واضحة ضد جماعة الإخوان وتشكيلاتها في دول مختلفة، وعانت مصر من ألاعيبها، ولا تسمح لها بأيّ دور سياسي.
والمصباح أبوزيد، من رموز التيار الإسلامي في السودان، ويقود ميليشيا مسلحة ذات طابع عقائدي، محسوبة على الإخوان، وانخرطت في جبهات القتال في الخرطوم وأم درمان والجزيرة، وخاضت معارك إلى جانب قوات الجيش، واتُّهمت بأنها ساهمت في تعقيد المشهد العسكري والسياسي بعد أن تبنت خطابا شعبويا تسبب في تغذية الانقسام.
ويشير تاريخ الكتيبة إلى أنها امتداد لقوات الدفاع الشعبي التي شكلها نظام الرئيس السابق عمر البشير لدعم قوات الجيش في حربه ضد جنوب السودان، قبل الانفصال. وأبدت عناصر من حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا قلقها من توقيف المصباح في مصر، ووصفت الأمر بأنه “استهداف سياسي لرموز المقاومة الإسلامية، وتصفية حسابات إقليمية تحت غطاء أمني.”
وقال المحلل السياسي السوداني عادل سيد أحمد إن قائد ما يسمى بـ”فيلق البراء بن مالك” يتستر خلف هذه الميليشيا، وهو محسوب على الحزب الحاكم سابقا، وإخوان السودان، ومصر تعاملت مع هذا الوضع بفهم إنساني، واعتادت على فتح أراضيها لكل السودانيين، وبالتالي يجب أن يكون هناك التزام من قبلهم تجاه الدولة المضيفة.
وأكد لـ”العرب” أن تحركات فيلق البراء غير مرغوب فيها من جانب مصر والكثير من السودانيين وقوى إقليمية ودولية عدة، وعندما زار مدينة الإسكندرية ذهب إليها “بفهم السياسي والمجاهد، واستعمل مفردات الحرب، بينما موقف مصر الرسمي هو وقف الحرب سريعا، والحفاظ على وحدة السودان ومؤسساته الراسخة.”
وأوضح أن المكون العسكري الميليشياوي الحزبي ليس على وفاق مع قادة الجيش، حيث يطلق هذا المكون شعارات تعبوية تشير إلى وجود انقسام في صفوف المؤسسة العسكرية، وهناك تحفظات مصرية معلنة على أيّ دور لجماعات عقائدية، مثل البراء، وقرأت ذلك مبكرا، وترى وجودها معيقا للدول، ما جعلها تتعامل بحسم دائما.
وأعلنت كتيبة البراء في يوليو الماضي تخليها عن العمل العسكري والتحول إلى النشاط المدني والخدمي، بعد أن لعبت دورا مهما مع قوات الجيش في عملية السيطرة على العاصمة الخرطوم، وانتزاعها من قوات الدعم السريع.
ونشرت حسابات سودانية تصريحات لقائد كتيبة البراء وقتها (المصباح أبوزيد) بالتحول من العمل المسلح إلى القطاع المدني وتكوين غطاء يسمى هيئة الإسناد المدني (سند)، في وقت لا تزال فيه قوات الجيش تخوض معارك طاحنة في دارفور وكردفان.
◙ المكون العسكري الميليشياوي الحزبي ليس على وفاق مع قادة الجيش، حيث يطلق هذا المكون شعارات تعبوية تشير إلى وجود انقسام في صفوف المؤسسة العسكرية
وجاءت خطوة التحول بعد تسعة أيام من قرار قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، في 18 يوليو، الخاص بتفريغ الخرطوم من الكيانات المسلحة في غضون أسبوعين، وفُهم القرار أنه استهداف لكتيبة البراء، التي بدت كأنها جيش داخل الجيش. ووجّه البرهان انتقادا لقيام الكتيبة بنشر فيديوهات تؤكد انتصاراتها في الخرطوم، وأوحت بعملها بعيدا عن الجيش، وأن خروج الدعم السريع من العاصمة يعود إليها.
وتأتي خطورة التحول إلى العمل السياسي من عدم الانصياع إلى قيادة الجيش، وأن الخرطوم هي آخر معارك البراء في السودان، ومحاولة تنظيم صفوف القوى الإسلامية للانقضاض على السلطة،
وخلق أمر واقع قد يجبر الجيش على القبول به، وهو ما يُحدث تفسخا في المؤسسة العسكرية، ويزيد الضغوط الداخلية والخارجية على قيادة الجيش بذريعة التحالف مع قوى إسلامية، وتهيئة الأجواء لعودة فلول النظام السابق من خلال عملية انتخابية سوف يتم التجهيز لها جيدا.
وقال رئيس حزب المؤتمر الوطني المنحل أحمد هارون في تصريحات إعلامية مؤخرا إن عملية الانتخابات ربما تمهد الطريق أمام الحركة الإسلامية والحزب للعودة إلى الحكم، مؤكدًا تمسك الإسلاميين بتحالف إستراتيجي مع الجيش بعد الحرب.
ويمكن فهم أبعاد توقيف المصباح أبوزيد في مصر قبل أيام، في إطار أن دعم القاهرة للجيش ووقوفها معه مشروط بعدم استخدامه وسيلة لعودة الإسلاميين إلى الحكم، وضرورة وضع حد لظاهرة الميليشيات المسلحة، وفي مقدمتها كتيبة البراء بن مالك.
ودقت مصر جرس إنذار قبل عودة الحكومة السودانية إلى استئناف عملها من الخرطوم، وحثها على عدم التهاون مع ما تعتزم كتيبة البراء القيام به من ترتيبات تخوّل لها دورا مدنيا وعدم رضوخ عناصرها العسكرية لقيادة الجيش، بعد أن تحدت سابقا أحد قادته، وطالبته بنزال في الميدان، ما يعني أنها تملك قوة عسكرية كبيرة.
العرب