انطلقت انتخابات مجلس الشيوخ في مصر أمس الاثنين وسط أجواء باهتة تعكس حالة اللامبالاة لدى الناخب المصري تجاه الاستحقاقات البرلمانية، التي لم تحقق له إنجازات تذكر على مدى السنوات الماضية.
وأدلى ناخبون في مصر بأصواتهم الاثنين في انتخابات مجلس الشيوخ الذي يمثل الغرفة العليا الثانية في البرلمان، في أجواء هادئة تعبّر عن قلة الاهتمام الشعبي بها، حيث يتعامل المواطنون مع المجلس كجهة استشارية، وما جعله منزوع الدسم السياسي هذه المرة هو زيادة نسبة الفتور الشعبي، مع غياب عدد كبير من أحزاب المعارضة عن الانتخابات، وظهور طابع نخبوي اتبعته عملية الترشيح، والآلية التي اعتمدت عليها، ومنحت رجال الأعمال مكانة بارزة.
وزاد من الهدوء صدمة شريحة كبيرة من المصريين عقب نشر الجريدة الرسمية تصديق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على قانون الإيجار القديم، والذي يمس مصالح نحو ثلاثة ملايين أسرة، تضم أكثر من عشرة ملايين شخص، بعد أن راهن هؤلاء على عدم تصديق السيسي على القانون، وإعادته مرة أخرى إلى مجلس النواب لإجراء تعديلات تلبي مطالب مستأجرين رأوا أن القانون بالشكل الذي أجازه مجلس النواب قبل نحو شهر يظلمهم، وينصف ملاك الوحدات السكنية.
وأرخى تصديق الرئيس السيسي على القانون بظلال سلبية على انتخابات مجلس الشيوخ، حيث تمثل شريحة المستأجرين كتلة تصويتية مهمة، ما ضاعف من عزوف البعض، وعدم التجاوب مع حملات الحشد الشعبي، وقام بها أنصار المرشحين.
وبدا توقيت الإعلان عن المصادقة على القانون خاطئا من الناحية السياسية وكان يمكن تقديمه، أو تأجيله بضعة أيام، لأن هذا التزامن بعث برسالة مفادها أن النظام مصمم على تنفيذ تصورات الحكومة، ولم يعبأ بمن ناشدوا رئيس الدولة إعادة النظر في القانون، وحظيت مناشدتهم باهتمام من قبل وسائل إعلام قريبة من السلطة، ما أعطى أملا في إمكانية المراجعة.
توقيت الإعلان عن المصادقة على القانون بدا خاطئا من الناحية السياسية وكان يمكن تقديمه، أو تأجيله بضعة أيام
وضم التصديق على قانون الإيجار القديم علامة ثقة من الدولة في عدم وجود احتجاج على النظام الحاكم، أو معارضة شعبية تمثل إزعاجا له، وهي رسالة سياسية لمن عولوا على تحريك الشارع من خلال إثارة بعض القضايا الاجتماعية الحيوية وتوظيف الأزمة الاقتصادية المتصاعدة، ومن هنا تحدى السيسي خصومه باختياره التصديق على القانون يوم إجراء انتخابات مجلس الشيوخ.
عزز الرئيس السيسي ثقته في تلاحم المواطنين ووقوفهم خلفه في وقت تواجه فيه الدولة تحديات خارجية متعاظمة، لا تحتمل حراكا داخليا معارضا، وعكس التصديق على قانون مثير للجدل حجم الثقة بين رئيس الدولة وشعبه، وأن محاولات فصم العلاقة بينهما باللجوء إلى تفجير قضايا حساسة لن تنفع من راهنوا على هذا الخيار، وأن توجهات السيسي محسوبة، ومن الخطأ مقارنة عملية الهندسة التي تمت في انتخابات مجلس الشيوخ، بآخر انتخابات للبرلمان جرت قبل عام على اندلاع ثورة يناير 2011 التي أسقطت تداعياتها اللاحقة نظام الرئيس حسني مبارك، ووقتها قيل إن هذه الانتخابات مهدت للثورة، وصعدت بالتأزم الداخلي إلى ذروته.
يقول مراقبون إن الرئيس السيسي استفاد من دروس ثورة يناير، من حيث مقدماتها ونتائجها، وقضى على شراراتها، وطوق العوامل التي غذتها، منها كسر شوكة جماعة الإخوان التي التحقت بالثورة متأخرة وتاجرت بها، وهو ما سعت أجهزة الدولة إلى عدم تكراره، من خلال سد المنافذ التي أدت إلى خروج غضب المصريين إلى العلن، واستهداف القوى المحرضة على استثمار الغضب المكتوم، حتى أصبحت الساحة فارغة من أي قوى سياسية تمثل خطرا داهما على النظام المصري.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن الثقة التي تتعامل بها الحكومة الحالية مع الشارع قد ترتد عليها، ولن يفيدها تحذيرها الدائم من المصير الغامض الذي وصلت إليه دول ثارت على حكامها، أو المبالغة في توظيف التهديدات الخارجية لردع المواطنين في الداخل، وما لم يلمس المصريون تحسنا واضحا في مستوى معيشتهم، وتراجعا في منسوب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية سيكون غضبهم عشوائيا.
تعد انتخابات مجلس الشيوخ وما سيتمخض عنها سياسيا، على الرغم من هامشيتها في الوجدان العام للمصريين، بروفة للكيفية التي سوف تظهر عليها انتخابات مجلس النواب في نوفمبر المقبل، وهل تجري بالطريقة نفسها أم تشهد تعديلات جوهرية.
الثقة التي تتعامل بها الحكومة الحالية مع الشارع قد ترتد عليها، ولن يفيدها تحذيرها الدائم من المصير الغامض الذي وصلت إليه دول ثارت على حكامها
ويتكون مجلس الشيوخ من 300 عضو، يتم انتخاب ثلثيهم عن طريق الانتخاب المباشر، نصفهم بالقائمة المغلقة المطلقة، والنصف الثاني بالانتخاب الفردي، والثلث الأخير (100 عضو) يصدر رئيس الجمهورية قرارا بتعيينه، من الكفاءات وتمثيل جميع الأطياف التي نص عليها الدستور، من أقباط ومرأة وذوي احتياجات خاصة.
ويتنافس على المقاعد الفردية بمجلس الشيوخ 428 مرشحا، منهم 186 مرشحا مستقلا، و242 مرشحا عن الأحزاب السياسية، وقائمة واحدة في كل من الدوائر المخصصة لنظام القوائم تحت اسم “القائمة الوطنية من أجل مصر”، وتضم 13 حزبا، أبرزها: الجبهة الوطنية، مستقبل وطن، حماة الوطن، الشعب الجمهوري.
ويدلي الناخبون في مصر، ويبلغ عددهم 68 مليون شخص، بأصواتهم يومي الاثنين والثلاثاء، في 8286 مركزا انتخابيا، تحت إشراف قضائي.
وأشارت الهيئة الوطنية للانتخابات إلى أن القانون في مصر ينص على تغريم من يتخلف عن التصويت من المقيدين بقاعدة الناخبين 500 جنيه (10 دولارات)، في محاولة لحث المواطنين على المشاركة بفاعلية، بالتوازي مع إطلاق حملة توعية لإقناع الناخبين بالتصويت، انطلاقا من مسؤوليتهم الوطنية.
وأدلى مصريون في الخارج بأصواتهم في 136 سفارة وقنصلية في 117 دولة يومي الأول والثاني من أغسطس الجاري.
وأدلى الرئيس السيسي في ساعة مبكرة من صباح أمس الاثنين بصوته في الانتخابات بلجنة في حي مصر الجديدة بالقاهرة.
وتعلن نتائج الانتخابات في الثاني عشر من أغسطس، وتجرى جولة إعادة، إن وجدت، يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين من أغسطس في الخارج، والسابع والعشرين والثامن والعشرين من الشهر ذاته في الداخل.
وجرى اتخاذ جميع الإجراءات والتدابير التي من شأنها التسهيل على المواطنين معرفة لجانهم والدخول للإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع بسهولة ويسر.
وطبقت وزارة الداخلية المصرية خطة أمنية شاملة لتأمين انتخابات الشيوخ، وظهر انتشار مكثف لقوات الشرطة، وجرى رفع حالة الاستعداد القصوى في جميع المحافظات لضمان سير العملية الانتخابية بهدوء.