آخر الأخبار

صندوق النقد: جنوب السودان باتت أفقر دولة في العالم

شارك

تكشف أحدث الأرقام الصادرة عن صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات أن دولة جنوب السودان باتت أفقر دولة في العالم، وأن نسبة الفقر تجاوزت 92%، وأن اقتصادها يصنف على أنه واحد من أضعف الاقتصادات وأكثرها تخلفاً، وأرجع اقتصاديون من دولة جنوب السودان الأزمة التي تمر بها الدولة الحديثة (2011) إلى تفشي المحسوبية وهشاشة النظام المالي والاقتصادي، إضافة إلى الفساد وتراجع إنتاج النفط بسبب الحرب، ما شكل عقبة أمام دفع رواتب العاملين، وتوقف نسبة الـ3% المخصصة للمجتمع المحلي من عائدات النفط، لينعكس ذلك توقفاً عن دفع رواتب المعلمين لمدة عام كامل.

وقال اقتصاديون لـ”العربي الجديد” إن أزمة جنوب السودان الاقتصادية تتعدد أسبابها نتيجة للاضطرابات السياسية، والتي أدت إلى توقف انعقاد مجلس الوزراء لعدة أشهر باعتباره محرك الحوكمة في جنوب السودان. فالمادة 109 من دستور جنوب السودان الانتقالي تمنح الحكومة صلاحيات واسعة بوصفها أعلى سلطة تنفيذية مسؤولة عن صياغة السياسات، والموافقة على الميزانية، وتنفيذ القوانين.

ومن ثم، فإن الشلل يعني عدم إمكانية اعتماد أي سياسات جديدة أو التصديق على أي ميزانيات، مما يجعل حكومة جنوب السودان مشلولة فعليًا. وتدهور الاقتصاد الجنوبي بشكل كبير، حيث ارتفع معدل التضخم إلى أرقام قياسية بلغت 145%، في وقت انهارت العملة المحلية، حيث يعادل الدولار الواحد 6100 جنيه جنوب سوداني، في وقت تواجه فيه الدولة الأفريقية الحديثة ديونًا متفاقمة تهدد بانهيار اقتصادي شامل نتيجة تراكم التزامات مالية ضخمة مرتبطة بعقود نفطية تُقدّر بحوالي 2.3 مليار دولار.

تراجع إنتاج النفط

وتعاني البلاد من تراجع حاد في إنتاج النفط، الذي يُعد شريان الحياة الاقتصادي، حيث لم تعد الكميات المنتجة تكفي سوى لشحنة تصدير واحدة شهريًا. وفي ظل أسعار فائدة مرتفعة، أعلنت الحكومة عزمها وقف الاقتراض بضمان النفط، في محاولة للحد من تفاقم الأزمة.

وقال محافظ البنك المركزي في جنوب السودان أديس أبابا أوتو إن “هناك حاجة ملحة لطباعة النقود لتلبية الطلب المرتفع على السيولة، لكن على المديين المتوسط والطويل، نبحث في كيفية معالجة إدارة العملة”، في وقت حذر فيه اقتصاديون من أن زيادة المعروض النقدي دون نمو اقتصادي يمكن أن تخفض قيمة الجنيه الجنوب سوداني بصورة أكبر، وتزيد حدة التضخم.

وقال المحلل السياسي بابويا جيمس لـ “العربي الجديد” إن “طباعة المزيد من النقود ستُضعف الجنيه، والناس يخزنون النقود عوضًا عن تداولها، لذلك فإن ضخ النقود لن يحل المشكلة”. وحذر من أن هذه الخطوة، بدون إصلاحات هيكلية، يمكن أن تؤدي إلى تضخم جامح.

وتوقّع صندوق النقد الدولي أن يكون جنوب السودان صاحب أسوأ أداء اقتصادي في العالم هذا العام، مع توقف صادراته النفطية، ما أدى إلى تضخم مفرط، وقال إن جنوب السودان يتصدر القائمة بمعدل نمو بلغ -4.31%، متراجعًا عن توقعاته الأولية بأن اقتصاد جنوب السودان من بين الأسرع نموًا في العالم لعام 2025.

حرب وفساد في جنوب السودان

واعتبر مختصون أن الأزمة تعود إلى مزيج من الحرب الأهلية والفساد المرتبط بعقود النفط وتدهور البنية التحتية، ما أدى إلى تعذر وفاء حكومة الرئيس سلفاكير بالتزاماتها تجاه المجتمعات المحلية والدولية. الخبير الاقتصادي دينق ماكور قال لـ”العربي الجديد” إن تراجع إنتاج النفط وتوقف صادراته بسبب الأضرار التي لحقت به نتيجة نزاع السودان أثّر بصورة كبيرة على الإيرادات الحكومية وأدى إلى تضخم ونقص في السيولة.

ورأى أن الحرب في الجارة الشمالية أثرت على اقتصاد جنوب السودان بعد تدفق أكثر من 800 ألف لاجئ إلى الجنوب، بالإضافة إلى تعطل سلاسل الإمداد خاصة الوقود والمواد الغذائية، كل ذلك شكل ضغطًا على الموارد في الجنوب.

وأشار ماكور إلى الاضطرابات السياسية بما فيها تأجيل الانتخابات حتى العام 2026، مما كان له أثر سلبي على الاقتصاد، وهذا أدى إلى تقليل ثقة المستثمرين وتأخير تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية وزيادة وتيرة الفساد وسوء إدارة الموارد.

وقال إنه إلى جانب انسحاب شركات نفطية مثل “بتروناس”، الأمر الذي ترك فجوة في الصناعة، على الرغم من سعي شركة “نابليت” الحكومية لتولي الأصول، إلا أن نقص الخبرة والاستثمار الأجنبي قد يؤدي إلى انخفاض في الإنتاج وزيادة الضغط على الاقتصاد. وأرجع التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية إلى توقف صادرات النفط وفقدان العائدات والاعتماد على التمويل النقدي لسد عجز الميزانية ونقص الاحتياطات من العملة الأجنبية.

وقال إن هذا التضخم أثّر بصورة كبيرة على معيشة المواطنين، وارتفعت أسعار السلع الأساسية، وتدهورت القوة الشرائية، وأكد أن تأخر دفع رواتب العاملين لأكثر من 13 شهرًا أثّر على تدهور الخدمات الصحية والتعليمية وزيادة نسبة الفقر وانعدام الأمن الغذائي وارتفاع معدلات الجريمة والاضطرابات الاجتماعية.

تراجع النشاط الاقتصادي

وأشار ماكور إلى توجه حكومة سلفاكير لبناء مصافٍ وخطوط أنابيب جديدة لتصدير النفط، نظرًا للتحديات المرتبطة بالاعتماد على خط أنابيب السودان، عبر إنشاء خطوط أنابيب بديلة عبر كينيا أو إثيوبيا، وقال إن هذه الخطوات قد تقلل من الاعتماد على السودان وتزيد من الاستقلالية الاقتصادية، وطالب بضرورة العمل على تنويع الاقتصاد وتطوير الزراعة والاستثمار في البنية التحتية الريفية وتعزيز الصناعات الصغيرة والمتوسطة والاستثمار في التعليم والتدريب المهني واستغلال الموارد الطبيعية الأخرى مثل المعادن.

أما أستاذ الاقتصاد جوزيف قبريال، فأرجع أسباب التدهور الاقتصادي إلى عوامل اجتماعية، ثقافية، سياسية مباشرة وغير مباشرة، ما يشير إلى الانخفاض النسبي في مستوى النشاط الاقتصادي مع انخفاض في مستوى الاستهلاك والرفاه، رغم توفر كل إمكانات التقدم وتطوير النشاط الاقتصادي، ويقول: لم تقم الحكومة بالاستخدام الأمثل للموارد بطريقة فعالة.

وتابع في تصريحات لـ”العربي الجديد” أنه منذ الفترة الانتقالية التي امتدت لست سنوات، تدفقت أموال طائلة بمليارات الدولارات إلى حكومة جنوب السودان، والتي تكفي لجعلها دولة مزدهرة لو تم إنفاق هذه الأموال في مشاريع البنى التحتية وقطاع الصحة والتعليم. وعزا عدم حصول ذلك لعدم وجود خطة اقتصادية واضحة ومحددة المعالم يمكن السير على خطاها، الأمر الذي أثّر على السلطتين المالية والنقدية.

وقال إن السلطات لم تتجاوب مع موجهات وإرشادات صندوق النقد والبنك الدوليين، أضف إلى ذلك غياب الشفافية المالية في عائدات النفط، ما أثر بصورة سلبية على الأوضاع الاقتصادية. وأكد جوزيف أن حرب السودان فاقمت من الوضعية المحلية في جنوب السودان، مؤكدًا أن الأوضاع الاقتصادية مرشحة للانهيار إذا لم تتوقف حرب السودان.

وقال إن غياب الخطط الاقتصادية أدى إلى انفلات في التضخم رغم الإجراءات التي تتخذها السلطات، وهي مسكنات ستزول بانتهاء مفعولها، وطالب باستقلالية البنك المركزي للقيام بواجبه في التعامل مع المؤسسات، وتشديد الرقابة على مصادر النقد الأجنبي، ووقف المضاربات وتعاملات السوق الموازية، وأضاف أن القطاع النقدي تضرر كثيرًا نتيجة للتعاملات المباشرة مع الأفراد وانتهازية أصحاب النفوذ.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا