نظمت رابطة خريجي معهد دلفت للمياه – بالسودان، مساء أول أمس، ندوة إسفيرية تحت عنوان: “دمج مهام واختصاصات وزارة الري والموارد المائية في وزارة الزراعة – الإيجابيات والسلبيات”.
وجاءت الندوة في إطار مساهمة الرابطة في دعم القرار الوطني وبناء الدولة السودانية على أسس علمية، لا سيما فيما يتعلق بإدارة الموارد المائية وتوظيفها لخدمة القطاعات المختلفة، وعلى رأسها الزراعة، بصورة متوازنة ومستدامة.
شارك في الندوة أكثر من 118 خبيراً ومختصاً في مجالات المياه والزراعة والتخطيط الاستراتيجي، وتواصلت النقاشات لما يزيد عن ثلاث ساعات، بهدف تحليل الآثار الفنية والمؤسسية والاستراتيجية المترتبة على قرار دمج وزارة الري والموارد المائية – إحدى أعرق المؤسسات السودانية التي يزيد عمرها عن مئة عام – في وزارة الزراعة.
استعرض المشاركون تعقيدات المهام التي تضطلع بها وزارة الري، من إدارة ستة خزانات كبرى ومئات المنشآت الهيدروليكية، إلى إدارة مشاريع ري استراتيجية كبرى مثل الجزيرة والرهد وحلفا الجديدة، فضلاً عن مسؤولياتها في ملفات المياه العابرة وسد النهضة والتفاوض حول مياه النيل.
وأكد المتحدثون أن دمج وزارة بهذه التعقيدات والمسؤوليات في وزارة أخرى كبيرة كوزارة الزراعة، يحمل مخاطر كبيرة ويهدد الأمن المائي القومي ويضعف الموقف الفني للسودان على المستويين الإقليمي والدولي.
أدار النقاش خالد النور علي حسب الله، وقدم وزير الري والموارد المائية الأسبق ياسر عباس محمد علي، ورقة علمية تناول فيها تعقيدات إدارة الموارد المائية، مشيراً إلى أن المياه مورد سيادي يهم جميع المستخدمين، ويجب أن تدار ضمن هيكل مستقل يحفظ توازن المصالح ويمنع التضارب.
وأوضح أن تجارب الدمج السابقة لم تنجح، محذراً من أن غياب الاستقرار المؤسسي قد يؤدي إلى فقدان الكفاءات الهندسية الوطنية، كما شدد على ضرورة إشراك أصحاب المصلحة في أي تغييرات هيكلية.
كما قدّم وزير الزراعة الأسبق، عبد اللطيف أحمد عجيمي، قراءة نقدية لتجربة دمج الزراعة والري في ضوء التجربة السودانية والدولية، تناول فيها إخفاقات إدارة القطاع الزراعي، وسرد خلفيات القرارات السابقة في هذا السياق، وانعكاساتها على الأداء المؤسسي، داعياً إلى مراجعة النهج المتبع في دمج أو فصل الوزارات ذات الصلة.
وشارك في النقاش نخبة من الخبراء والباحثين في مجالات المياه والزراعة والتخطيط الاستراتيجي وحوكمة المؤسسات، من بينهم وزير الدولة الأسبق بوزارة الزراعة، عبد الجبار حسين عثمان، والمتخصص في الاقتصاد الزراعي الدكتور عبد الدافع فضل الله، عبد الهادي عبد الوهاب، والسفيرة المهتمة بقضايا المياه والأمن الاستراتيجي، أحلام عبد الجليل، بالإضافة إلى المستشار الإعلامي إبراهيم شقلاوي.
كما سجل محافظ مشروع الجزيرة السابق عمر مرزوق، بمداخلة خالف فيها آراء غالبية المتحدثين، مؤكداً أنه لا يرى مشكلة في الدمج، وهو رأي لم يشاركه فيه سوى مشارك آخر من بين 118 مشاركاً في الندوة.
وقد خلص النقاش في مجمله إلى رفض غالبية المشاركين لقرار الدمج، مؤكدين أن وجود وزارة مستقلة ومتخصصة للموارد المائية والري يمثل خياراً استراتيجياً لضمان الأمن المائي القومي والحفاظ على الدور الفني والسيادي للسودان في قطاع المياه.
واعتبر المتحدثون أن استمرار الدمج دون ترتيبات مؤسسية متقدمة ومعلنة سيؤدي إلى الإضرار بالمصالح الوطنية، داعين إلى إلغاء القرار الحالي وإعادة فصل وزارة الري عن الزراعة، وتأسيس آلية تنسيق وطنية تضم القطاعات ذات الصلة كالمياه والزراعة والطاقة والبيئة، تحت مظلة مجلس أعلى للمياه يتبع لرئاسة مجلس الوزراء.
وشدد المشاركون على أن الإصلاح المؤسسي لا يعني بالضرورة الدمج، بل يعني بناء مؤسسات قوية وقادرة على التنسيق دون أن تفقد اختصاصها، داعين إلى تبني نهج يستند إلى الدراسات والخبرات المتراكمة، سواء كانت محلية أو دولية، في أي عملية إعادة هيكلة مستقبلية، مع التأكيد على أن أولويات البلاد حالياً يجب أن تتركز على استعادة الخدمات وتجاوز آثار الحرب، لا على إعادة توزيع الهياكل والمهام بين الوزارات.
التغيير