بين عشرات القبور المنتشرة في أحياء بحري شمال العاصمة الخرطوم، تجولت “هويدا محمد” باحثةً عن أثر يدلها على قبر والدها،
رفض والد هويدا مغادرة المدينة التي شهدت سيطرة مطلقة لقوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب وحتى مارس الماضي.
وأكدت هويدا لـ”سودان تربيون” أن والدها توفي بعد تفاقم وضعه الصحي نهاية العام 2023.
وبعد بحث مضن في عدة أحياء، لم تجد ما يشير إلى قبره، فعادت أدراجها إلى السعودية.
وخلفت الحرب التي شهدتها العاصمة الخرطوم لاكثر من عامين دماراً هائلا في البنى التحتية وتهدمت منازل المئات من الاهالي بل تحول بعضها الى اكوام من التراب والخراب.
ويوم الخميس الماضي، أمرت لجنة الأمن المحلية في بحري بإجراء حصر شامل للرفات في جميع الأحياء.
وتوجد مئات القبور في بحري خارج المقابر المعروفة، بالإضافة إلى عشرات الأشخاص المدفونين داخل منازلهم.
ويؤكد حازم علي، أحد سكان بحري، وجود مئات القبور في المدينة.
وتشير تحقيقات سابقة إلى الكشف عما يقارب 117 مقبرة جديدة خارج المقابر المعروفة في الخرطوم.
وتشكل الرفات تحديًا آخر للسلطات، إذ يجب إخضاعها لفحص الحمض النووي لتحديد هوية أصحابها، لا سيما أن العديد من الجثث تحولت إلى هياكل عظمية، وفقًا لعدد من الناشطين الذين تحدثوا إلى “سودان تربيون”.
وأعلن رئيس هيئة الطب الشرعي، هشام زين العابدين، في تصريح صحفي، أن الهيئة دفنت 3800 جثة خلال الحرب، وذلك عقب الإعلان عن خلو ولاية الخرطوم من قوات الدعم السريع، وأكد أن الخدمة مجانية وبدون مقابل مالي.
وفي حي المزاد ببحري، أُجبر الحاضرون على دفن المرحوم عصام داخل منزله بعد تأخر دفنه في مقابر المدينة المعروفة.
وفي ساحة المولد، وهو ميدان يفصل بين أحياء المزاد والختمية، عُثر على رفات مجهولة الهوية. كما دُفنت جثث في منازل بأحياء الدناقلة وشمبات والشعبية وغيرها.
أما في شرق النيل، فدُفنت معظم الجثث في منازل وميادين ومدارس.
وبحسب الناشط مجاهد أحمد، مُنع الكثيرون من دفن ذويهم في مقابر معروفة.
وأضاف أحمد لـ”سودان تربيون” أن الناشطين يعملون بالتنسيق مع الجهات المعنية لنقل الجثث والرفات إلى مقابر معلومة.
وأفادت الطبيبة النفسية أم أيمن عادل لـ”سودان تربيون” أن العاصمة الخرطوم شهدت دمارًا واسعًا ومشاهد صادمة للقبور والخراب، مما ترك آثارًا نفسية عميقة على العائدين، وخاصة الأطفال.
وأكدت أن الأطفال يعانون من اضطرابات نفسية، منها القلق ونوبات الخوف والكوابيس، وتغيرات سلوكية كالعزلة أو التعلق المفرط بالوالدين. كما قد يعانون من تراجع في الأداء الأكاديمي أو اضطرابات في النوم والأكل.
وأكدت أنه في ظل هذا الواقع، أصبح الدعم النفسي والاجتماعي ضرورة ملحة، من خلال توفير مساحات آمنة وأنشطة موجهة للأطفال وجلسات تهدئة نفسية تساعد على استعادة الشعور بالأمن والتوازن.
وفي السياق ذاته، قالت سيدة من شرق النيل، طلبت عدم ذكر اسمها، إن سكان المنطقة عانوا من الموت ومنع الدفن خلال وجود قوات الدعم السريع.
وفي حديثها لـ”سودان تربيون”، ذكرت أن هذه القوات رفضت تمامًا نقل الجثث للدفن في المقابر وفرضت مواراتها في الساحات العامة، بينما فضل الكثير من الأهالي دفن ذويهم في المساجد والمدارس.
وأكدت أنها عندما عادت إلى المنطقة، شاهدت العديد من القبور تحت الأشجار وفي أماكن مختلفة.
وأضافت أن بعض العائلات عادت إلى الولايات بعد أيام قليلة من عودتها إلى المنطقة، بسبب وجود قبور داخل المنازل أو الشوارع أو مناطق قريبة من منازلهم.
سودان تربيون