آخر الأخبار

أسرى حرب السودان.. نجوا من الموت وضاعوا في متاهات الحياة

شارك

الخرطوم : مبارك علي
بعد الإفراج عنهم أو الهروب من جحيم الاعتقال، خرج أسرى مدنيون كانوا محتجزين في زنازين قوات الدعم السريع بمختلف الولايات والمدن التي اجتاحتها خلال الفترة الماضية، خرجوا ليكتشفوا أن ذويهم مفقودون، مشردون، أو ربما قُتلوا دون أن يعلموا بذلك.
الأسير (هـ. أ)، كان ضمن مجموعة أطلقت سراحها القوات المسلحة بمنطقة الصالحة في الريف الجنوبي لمدينة أم درمان. يقول:
“تمت إعادتي للحياة بعد اعتقال تعسفي استمر لأكثر من عام. بحثت عن أسرتي فلم أجدها. سألت الجيران، لكن لا أحد يعلم أين ذهبوا أو ما هو مصيرهم. خرجت من الحبس أحمل شوقي وحنيني إليهم، لأعود للإحباط بعدم وجود أثر لهم أو حتى أمل يوصلني إليهم. أظلمت الدنيا في وجهي، وتجرّعت كل صنوف المر، بدءًا من الاعتقال، وانتهاءً بفقدان أسرتي التي اختفت.”.
وأضاف (هـ. أ) في حديثه لـ(الغد السوداني): “تعرضت في معتقلات الدعم السريع لجميع أنواع العذاب البدني والنفسي، دون أن يرفّ لهم جفن. لم يُراعوا أبسط حقوق الإنسان. رأيت بعينيّ معتقلين يموتون تحت التعذيب، أو بسبب الجوع، أو نتيجة تفشي مرض الكوليرا الذي اجتاح حي الصالحة.”
وتابع بغضب: “داخل المعتقل كانت الفظائع ترتكب، فالقوات تعاملنا بقسوة شديدة، بناءً على اعتبارات جهوية وقبلية، لا بسبب جريمة ارتكبناها أو مخالفة قانونية. الجوع كان سمة بارزة، حيث كنا نتلقى وجبة واحدة فقط يوميًا، عبارة عن عدس، وأحيانًا يُحرم البعض منها تمامًا.”
وأوضح أن المعتقل كان يضم جميع الفئات العمرية، من كبار السن إلى الشباب وحتى بعض الأطفال القُصّر.
وأضاف: “القوات المسلحة لها الفضل في تحريرنا من قبضة الظالمين، ووفّرت لنا الرعاية الصحية بعد خروجنا، وهو ما أشعرنا ببعض الفرح رغم الألم. كنت أحلم بلحظة عناقي لأسرتي، لكن عدم وجودهم صدمني وأعادني مرة أخرى إلى الحزن العميق.”
قال (هـ. أ): “كنت أمني النفس بالعودة إلى الحياة بصخبها، وأن أتنفس نسيم الحرية، وأرتمي في حضن أمي، وأعانق أشقائي، وأستمتع بصراخ أطفال الحي، لكنني لم أجد شيئًا. لا بيت، ولا وجوه مألوفة، لا شيء سوى أنقاض ووجوه غريبة تراقبني بصمت.”
مأساة صامتة تتكرر
مع تزايد وتيرة الإفراجات أو الهروب من معتقلات قوات الدعم السريع، برزت ظاهرة مأساوية صادمة: عدد من الأسرى المحررين، ممن ظلوا قيد الاحتجاز لأشهر طويلة، خرجوا إلى واقع لا يعرفونه. خلال غيابهم، هجّرت الحرب عائلاتهم، أو قُتل أفرادها، أو فُقدوا في لُجّة الفوضى التي تضرب السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023م.
بعض المعتقلين لم يعثروا حتى على من يُخبرهم بما حدث أثناء فترة احتجازهم.
الأسير (ع): خرج ولم يجد أحدًا
الأسير المحرر (ع)، شاب كان معتقلاً في منطقة الخرطوم، يحكي لـ(الغد السوداني) أنه خرج بعد ستة أشهر من الاعتقال ليجد أن منزله سُوي بالأرض. ذهب إلى بيوت أقاربه، فوجدها خالية، مغلقة، وبعضها نُهبت بالكامل.
يقول: “بدأت البحث عن الأسرة في أم درمان وبحري، وسافرت إلى الجزيرة… (ما لقيت زول). عرفت مؤخرًا أن أخي الكبير قُتل، وأمي خرجت مع النازحين، لكن لا أعلم إلى أين ذهبت”، قالها بصوت مبحوح وهو يحمل صورة قديمة لأخته الصغرى.
حقائق صادمة من تقارير رسمية
أفادت وسائل إعلام بتقرير رسمي قدمه الفاتح طيفور، النائب العام لجمهورية السودان ورئيس اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق، أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، يكشف حجم الانتهاكات منذ اندلاع الحرب.
كشف التقرير خلال جلسة الإحاطة للدورة الـ59 للمجلس الأسبوع الماضي،” عن قتل، جرح، اغتصاب، إخفاء، واحتجاز قسري لمئات الآلاف من السودانيين منذ 15 أبريل 2023م.- كما قامت قوات الدعم السريع بارتكاب لجرائم إبادة جماعية وقتل خارج القانون في ولايات ومناطق متعددة: الجزيرة، الجنينة، أردمتا، الجموعية، الصالحة، الأبيض، النهود، الخوي، ومعسكري زمزم وأبوشوك. ( 28,613 قتيلًا و43,575 جريحًا) “، بحسب التقرير نفسه – وان 14,506 حالة إخفاء واحتجاز قسري تم توثيقها – بجانب اكتشاف 965 مقبرة جماعية يُرجح أنها تضم أسرى ومفقودين تمت تصفيتهم.
“الخروج من الزنزانة… دخول إلى سجن أكبر”
منظمات حقوقية تحدثت عن آلاف المفقودين ومئات المعتقلين السابقين الذين لم يُوثّق خروجهم بعد.
تقول سامية، إحدى العاملات في مبادرة توثيق الانتهاكات لـ(الغد السوداني):
“يخرج الأسير من الزنزانة ليدخل في سجن أكبر اسمه (الفقد).”
وتضيف:
“رغم كل ذلك، لا توجد آلية حكومية واضحة لتتبع أو مساعدة هؤلاء المحررين: لا خيام إيواء، لا مراكز استقبال، ولا حتى قاعدة بيانات تسجل أسماءهم.”
وأشارت إلى أن المجتمع ما زال يقدّم مساعدات متفرقة للأسرى المحررين مثل الكسوة والمعينات الشخصية التي لا تكفي إلا لفترة قصيرة.
ودعت إلى تطوير المبادرات ودعمها من قبل المنظمات المحلية والإقليمية، بإشراف السلطة الحاكمة، من أجل لم شمل الأسرى المحررين مع أسرهم داخل السودان أو خارجه، إن كانوا على قيد الحياة.
تختتم سامية قائلة:
“قضية الأسرى المحررين الذين يبحثون عن أسرهم يجب أن توضع ضمن الأولويات الوطنية، باعتبارها إحدى القضايا الكبرى التي خلفتها الحرب. فالعمل على تجسير المسافة بينهم وبين ذويهم هو من ركائز إعادة بناء النسيج الاجتماعي في السودان.”

الغد السوداني

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا