شهدت مدينة بريتوريا بجنوب أفريقيا مؤخرًا حوارًا رفيع المستوى حول “إعادة تصور الديمقراطية في أفريقيا”، وسط تصاعد التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تهدد المسار الديمقراطي في القارة. وجمع اللقاء أكثر من 200 مشارك من القادة وصناع القرار والأكاديميين وممثلي المجتمع المدني ورؤساء الحكومات السابقين، في محاولة لصياغة رؤية جديدة لديمقراطية أكثر عدالة وشمولًا.
استضافت المؤسسة الدولية للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA) هذا الحدث الذي استمر يومين بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المفتوح والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي ووزارة الخارجية السويسرية وإدارة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا.
أجمع المتحدثون على أن الأزمة الديمقراطية في أفريقيا لم تعد مجرد أزمة في البنية المؤسسية، بل أزمة في غياب النتائج الملموسة التي تُحسِّن حياة المواطنين. وأكدوا أن الديمقراطية لا يجب أن تظل حبيسة صناديق الاقتراع والطقوس الانتخابية، بل يجب أن تتطور إلى نموذج يرتكز على العدالة الاجتماعية والكرامة والتنمية.
وقد ركز الحوار، الذي عقد قبل رئاسة جنوب أفريقيا لمجموعة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني، على كيفية استجابة أفريقيا والجنوب العالمي للاستبداد المتزايد والانقلابات العسكرية وخيبة الأمل العامة في المؤسسات السياسية.
وعلى الرغم من استطلاعات الرأي التي أظهرت أن 66% من الأفارقة ما زالوا يفضلون الديمقراطية، فقد أشار العديد من المتحدثين إلى أن فشلها في تحقيق نتائج اقتصادية واجتماعية حقيقية يدفع المواطنين إلى التشكيك في أهميتها.
قال رئيس الوزراء السوداني السابق، الدكتور عبد الله حمدوك، إنه ليس صحيحًا أن مواطني العالم قد رفضوا الديمقراطية. وحسب قوله، فإن تراجع الديمقراطية ناتج عن ضعف الأداء الاقتصادي، وتفشي الفساد، وضعف الحوكمة.
واضاف حمدوك : “معظم الأفارقة غير راضين عن أداء الديمقراطية. عندما تفشل الحكومات الديمقراطية، يتدخل الجيش. هذا لا يعني بالضرورة أن الشعب يريد الجيش، بل هو انعكاس للإحباط والتخلي”.
وأكد الأمين العام للمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية، الدكتور كيفن كاساس زامورا، على الأهمية الرمزية والعملية لجنوب أفريقيا كعضو مؤسس في المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية.
وفي معرض حديثه عن تطور مؤسسة IDEA لتصبح منصة عالمية تدعم نزاهة الانتخابات والتطوير الدستوري والمساءلة الديمقراطية، أقر بالتراجع الديمقراطي المستمر في جميع أنحاء العالم.
كما لاحظ الدكتور تشوكوميكا إيزي، أحد أعضاء مؤسسات المجتمع المفتوح، أن الفشل في معالجة القضايا الاقتصادية الحرجة يؤثر على كيفية إدراك المواطنين لمفهوم الديمقراطية ذاته.
وقال إن الحوار من شأنه أن يسمح لأصحاب المصلحة بالتفكير بشكل جماعي في التحديات المشتركة التي تواجه الأغلبية العالمية وإعادة تصور الديمقراطية كأداة لتحقيق الكرامة، وليس فقط إجراء الانتخابات.
قال البروفيسور نكاتا مورونجي، مدير مركز حقوق الإنسان بجامعة بريتوريا: “كيف نستغل هذا الزخم لنلعب دورًا فعّالًا في المشاركة ضمن السياق الأفريقي؟ لم تمنح الحكومات المتظاهرين السلطة، بل انتزعت سلطتها. وقد تمحورت هذه السلطة حول الحقوق والإنصاف والعدالة”.
وأوضحت الدكتورة بيتيلدي مونوز بوجوسان، عضو منظمة الدول الأمريكية،
أن الديمقراطية لا ينبغي أن تمثل فحسب، بل يجب أن تقدم النتائج، قائلة إن الانتخابات الحرة والنزيهة ضرورية، ولكنها غير كافية.
من جانبه، دعا رئيس لجنة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا، سعادة السيد ماهومابيلو، إلى إنشاء لجنة انتخابية مستقلة على مستوى القارة لتوحيد نتائج الانتخابات وتحسين الشفافية.
أفق جديد