حنان جابلي ـ صحفية تونسية
وجه تنظيم داعش، خلال الأشهر الأخيرة، تركيزه إلى الساحة السودانية، في محاولة من جانبه لإعادة التموضع وإنشاء نقطة ارتكاز جديدة في الداخل السوداني، وهو ما عبر عنه في رسالته الأخيرة، التي أصدرها عبر صحيفة “النبأ”، في 23 كانون الثاني / يناير 2025، بعنوان “السودان المنسي”، والتي دعا فيها عناصره في دول الجوار السوداني إلى إعادة الارتكاز والتموضع وتفعيل نشاط التنظيم والتواجد في الداخل السوداني.
وينضم، بذلك، داعش إلى منافسه، تنظيم القاعدة، في إثارة الجهاد العنيف في السودان، وتشجيع الأفراد والجماعات السودانية على الانضمام إليه.
ويزعم داعش أن كلا الطرفين المتحاربين في السودان مسؤولان عن هذا الصراع، وأن “عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو حميدتي أعداء للإسلام والمسلمين، وبالتالي يجب معاداتهما وتكفيرهما، ولا ينبغي الاعتماد على أيّ منهما، مهما كانت نتيجة المعركة بينهما”.
وبحسب داعش، فإن الفصيلين الرئيسيين في الحرب الأهلية “جزء من النظام العالمي الكافر، ويسعيان إلى ترسيخ الحدود الجاهلية التي تقيد المسلمين وتسجنهم”.
مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية سلط الضوء على هذه الدعوة العنيفة، من خلال دراسة حديثة عنوانها هل يسعى داعش إلى “غلق الدائرة” في السودان؟، تساءل فيها حول أسباب تركيز داعش على التطورات التي طرأت على الساحة السودانية للمرة الثالثة على التوالي في أقل من عام، ودوافع إصدار تلك الرسالة في هذا التوقيت تحديداً؟
آليات رئيسية
وأكدت الدراسة أن تنظيم داعش يحاول خلال الفترة الماضية إيجاد موطئ قدم في الداخل السوداني، وذلك عبر آليات رئيسية ثلاث تتمثل في؛ الاستقطاب والتجنيد، حيث دعا التنظيم، في العديد من الرسائل التي أصدرها، العناصر المتعاطفة معه من السودانيين إلى تنفيذ عمليات إرهابية، وهو ما تم ترجمته بشكل سريع عبر محاولة بعض العناصر تنفيذ عملية إرهابية في السودان نجحت أجهزة الأمن السوداني، في 28 سبتمبر 2021، في إحباطها وإلقاء القبض على 15 شخصاً من جنسيات مختلفة وذلك بإحدى البنايات في ضاحية جبرة والأزهري جنوب العاصمة الخرطوم قبل تنفيذ إحدى العمليات الإرهابية.
وسبق ذلك إعلان الأجهزة الأمنية، في 7 شباط / فبراير من العام نفسه، عن الكشف عن إحدى الخلايا النائمة التابعة للتنظيم في منطقة “صوامع الغلال” بولاية القضارف الواقعة شرقي البلاد، وذلك بعد أن رصدت قيام عدد من العناصر النشطة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” بنشر مقاطع فيديو يرفعون فيه علم داعش ويعلنون عزمهم إنشاء إمارة جديدة.
كما يسعى لإيجاد موطئ قدم عبر إعادة الهيكلة التنظيمية، فمنذ أن تولى أبو حفص الهاشمي القرشي قيادة التنظيم، أعلن الأخير عن استراتيجية جديدة تحت عنوان “استراتيجية الأرض السوداء”، والتي يركز من خلالها على أفريقيا باعتبارها نقطة الارتكاز والانطلاق والتمدد للتنظيم خلال عام 2025، عبر إعادة الانتشار وإحداث اختراقات جديدة للتنظيم في بعض الدول والمناطق.
يسعى التنظيم خلال المرحلة الجارية إلى إعادة تعزيز نشاطه في الداخل السوداني بهدف الاقتراب من البحر الأحمر
وكانت السودان إحدى أهم النقاط المستهدفة للتنظيم، التي يعدها بمثابة “الجائزة الكبرى” خلال عام 2025، وقد قام بتكليف الإرهابي أبو بكر العراقي بقيادة التنظيم في السودان، والذي قام خلال الأشهر الماضية بإنشاء نواة للتنظيم بالداخل السوداني.
دوافع مختلفة
وبحسب الدراسة، فإن الرسالة الأخيرة للتنظيم تعكس اهتمامه بتحويل السودان إلى نقطة انطلاق له للتخطيط لشن وارتكاب عمليات إرهابية جديدة، سواء داخل السودان أو في دول الجوار.
ويمكن تفسير تصاعد اهتمام داعش بتعزيز نشاطه في البلاد في ضوء اعتبارات عديدة، أهمها السيولة الأمنية، نتيجة الأدوار التي تقوم بها مليشيا الدعم السريع. فخلال الشهرين الأخيرين، ازدادت حدة الاشتباكات المسلحة في عدد من الولايات السودانية، قبل أن تنجح قوات الجيش السوداني في تحقيق انتصارات نوعية على مليشيا الدعم السريع خلال الفترة الأخيرة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن حالة السيولة الأمنية شجعت العناصر الموالية للتنظيم على تشكيل خلايا تابعة له تؤمن بأفكاره وتوجهاته الأيديولوجية في الداخل السوداني.
هذا إلى جانب استقطاب عناصر جديدة، حيث تؤكد الدراسة أن “داعش” دائماً ما يسعى إلى استغلال تصاعد حدة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية من أجل استقطاب عناصر جديدة للانضمام إليه، حيث يعتبر ذلك إحدى أهم الأولويات التي يعمل عليها خلال المرحلة الجارية، لاسيما في ظل تراجع عدد العناصر التي انضمت إليه خلال المرحلة التي أعقبت سقوط مدينة الباغوز السورية في مارس 2019، وتعرضه لضربات أمنية قوية على غرار مقتل أربعة من قياداته الرئيسية في أقل من أربعة أعوام منذ مقتل قائده الأسبق أبو بكر البغدادي في محافظة إدلب في 27 تشرين الأول / أكتوبر 2019.
كما يحاول التنظيم تأسيس دائرة “داعشية” جديدة، عبر تعزيز وجوده في القارة الأفريقية، وهو ما يمكن ملاحظته في إنشاء التنظيم خمسة أفرع تشكل ما يمكن تسميته بــ”الهلال الداعشي”، الذي يبدأ من منطقة الساحل الأفريقي ويمتد إلى غرب أفريقيا مروراً بوسط أفريقيا وموزمبيق وصولاً إلى الصومال.
ومن هنا، يعتبر التنظيم أن السودان تمثل نقطة “غلق الدائرة” ومحوراً رئيسياً للربط بين الأفرع الخمسة في أفريقيا. ويعني ذلك أن التنظيم يرى أن السودان تمثل ممراً له من الصومال بشرق أفريقيا إلى فرعه في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء الأفريقية وصولاً إلى وسط أفريقيا، على نحو يوحي بأن تركيز التنظيم المركزي على السودان خلال المرحلة الجارية نابع من سعيه إلى استكمال الاستراتيجية التي أعلن عنها مؤخراً وتقضي بإنشاء “دائرة داعشية أفريقية”.
إلى ذلك، يبدي تنظيم داعش منذ تأسيسه في عام 2014، اهتماماً خاصاً بالاقتراب من الممرات الملاحية، وبشكل خاص مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وذلك في محاولة من جانبه للتأثير على طرق الملاحة وخطوط المواصلات العالمية، وبشكل خاص ناقلات النفط.
ويفسر ذلك، إلى حد كبير، تركيز التنظيم، خلال السنوات الماضية، على محاولة تعزيز نفوذه في كل من الصومال واليمن وجيبوتي.
ومع تراجع قدرات داعش في اليمن منذ منتصف العام الماضي، وتصاعد نفوذ حركة “شباب المجاهدين” في الداخل الصومالي، وفشل التموضع في جيبوتي، يسعى التنظيم خلال المرحلة الجارية إلى إعادة تعزيز نشاطه في الداخل السوداني، بهدف الاقتراب من البحر الأحمر.
تحدٍ خطير
هذا وخلصت الدراسة إلى أن الرسالة الأخيرة التي وجهها تنظيم “داعش” عبر صحيفة “النبأ” وركز فيها على التطورات في السودان، تشير إلى أنه يتبنى سياسة “إعادة التموضع”، التي يحاول من خلالها الوصول إلى مناطق جديدة وتأسيس بؤر إرهابية، يستطيع من خلالها توسيع نطاق نفوذه وتعويض الخسائر التي تعرض لها نتيجة الهزائم العسكرية التي منى بها والضربات التي وجهتها القوى الدولية والإقليمية المعنية بالحرب ضده، واستهدفت من خلالها قياداته ومواقعه فضلاً عن مصادر تمويله.
حفريات