قالت القيادية في حزب الأمة القومي رباح الصادق المهدي، إن المشهد الحالي جعل المجتمع المدني السوداني فريسة الاستقطاب الداخلي، ورحّل الحرب الدائرة بالدانات والبنادق في الميدان العسكري إلى حرب تلاعن وتلاوم وتشاتم واتهامات في الميدان المدني خاصة وأن المال السياسي والاتهامات بشأنها تلعب دورا كبيرا مما لوث المجال العام في السودان.
وأكدت رباح، أهمية أن يصبح المجتمع المدني والسياسي جزءا من عمليات السلام والتفاوض، وهذا يتطلب أولا أن يشد حيله ويترك العمل الأسهل الذي يقوم به بين العواصم، ويلامس الشعب بالداخل والخارج، فهذا هو كرت قوته الوحيد، لا الدعم الأجنبي الذي يتأثر هو ذاته بما تظهره القوى المدنية من سند شعبي لها. وأشارت الى أنه بالنسبة للنساء فقد عانين منذ حكومة الثورة من خيبة أمل لضعف تمثيلهن في كافة الهياكل الحكومية بينما قالت بعض التقديرات إن مشاركتهن في الثورة بلغت 60%، والأجسام المدنية التي تكونت بعد الثورة وحتى الآن لم تصحح ذلك الوضع وهو وضع ظالم وأكثر من ذلك سيكون عاجزا عن الدفع بعملية السلام على النحو المطلوب.
برأيك ماهو الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني بعد الحرب؟
الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني بعد الحرب يعتمد على الدور الذي يلعبه الآن، فبعد تفجر الحرب حدث انكماش للعمل المدني وتسيدت البندقية الفضاء العام، هناك عمل مدني بالداخل يستحق التحية خاصة في إغاثة المنكوبين وعلاج المرضى والمصابين في غرف الطوارئ وفي التكايا لإطعام المحاصرين مع ظروف الحرب، وكان هناك عمل في توثيق الانتهاكات خاصة الاغتصابات، وطبعا الموجودون بالداخل يعملون في ظروف حصار وعنت وملاحقات وشح في المعينات وصعوبة أو استحالة المواصلات والاتصالات أحيانا، وساهم السودانيون بالخارج في دعم تلك الأعمال.
أما الأجسام السياسية والمدنية المنظمة في الخارج فقد بذلت جهدا كبيرا لبناء تكتلات عريضة لم تفلح في ضم كل المنادين بوقف الحرب، كما شهد أكبر جسم تكون “تقدم” التشظي بين جماعة “صمود” وبين الجماعة التي اختارت التحالف مع “الدعم السريع” والاشتراك في حكومته، وقبل ذلك التشظي كان المأمول أن تقوم “تقدم” كأكبر تكتل مدني بمجهودات أضخم في الإغاثة، وفي بلورة إعلان مبادئ يوافق عليه الطرفان وكان يتطلب حركة مكوكية بينهما، وعملا إعلاميا ضخما يعمل على استيلاد الرؤى المفضية للسلام وصنع البيئة المواتية لذلك، وعملا دبلوماسيا يهيء لسلك المجتمعين الإقليمي والدولي في دعم طموحات ومطالب الشعب في السلام.
لكن للأسف فإن الحصيلة دون المستوى المطلوب سواء في العمل الإنساني أو الإعلامي والفني لتغيير مناخ الكراهية ومناهضة خطاب الحرب ورتق النسيج الذي فتقته وتفريخ خطاب السلام والتعايش، وانصب العمل غالبا على الاتصالات الدبلوماسية التي تستمع للمجتمع الدولي ورؤاه أكثر مما تُسمعه حلول العقل السوداني، كما أن بعضا من الكتل المدنية مثل “الكتلة الديمقراطية” لاذ بالجيش رسميا، والكتلة الأكبر “تقدم” وقعت على “إعلان أديس أبابا” مع الدعم السريع في يناير 2024م تبنت فيه سردية للحرب تتوافق وسردية الدعم السريع.
* يعني هذا أن القوى السياسية والمجتمع المدني منقسمان فيما يحدث؟
نعم بات كأن النخبة في المجتمعين المدني والسياسي منقسمة إلى كتلة تصطف خلف الجيش باعتباره أحد أجهزة الدولة، بينما الدعم السريع مليشيا أسرية متوحشة وهي عميلة تنفذ خطط إماراتية ولا يمكن التعامل معها وترى هذه الكتلة الحل الوحيد هو تصفية الدعم السريع واستمرار الحرب حتى القضاء عليه و(بل بس) وبعد ذلك يمكن مواجهة الحكم العسكري للجيش كما حدث من قبل، وهي كتلة صارت قاعدتها الشعبية خاصة النيلية تتنامى بعجلة متسارعة لازدياد الاستياء من انتهاكات الدعم السريع، وكانت مصر تساند هذه الكتلة بوضوح وبعد خضوعها لضغوط إماراتية وأمريكية صارت تخفض من مظاهر الدعم.
وهناك كتلة أكبر نخبويا وأقل شعبيا تصطف سرا أو علنا خلف الدعم السريع، وقاعدتها الشعبية تتركز في حزام القبائل العربية البدوية خاصة في كردفان ودارفور وبحر أزرق، وتدفع ازديادها الكراهية العنصرية المتنامية والإجراءات القائمة على الفرز العنصري من جهات رسمية وفقا لما سمعنا، ولها سند أجنبي إماراتي بالغ يتحرك بدبلومالية نشطة (أي المزج بين الدبلوماسية والمنح المالية) أفلحت بسببها في تطويق حكومة البرهان عبر جيرانها (تشاد، جنوب السودان، ليبيا، أثيوبيا، يوغندا وكينيا) ومد الدعم بإمداد عسكري متطور، ولها سند نخبوي من قطاع مقدر من القوى المدنية السياسية الذين يتفقون مع رواية أن الحرب فجرها منسوبو النظام البائد ليعودوا للحكم، وهي رواية لا أؤمن بها شخصيا وأظن الدعم السريع كان مبادئا بتواطؤ إماراتي.
التحليل الذي يحمّل منسوبي النظام البائد مسؤولية إشعال الحرب يرى الأفضل التحالف مع الدعم السريع مرحليا أو على الأقل يوجه نقده الأشد لجماعة بورتسودان باعتبار الدعم عدو أقل ضررا بل له نفع أنه يقضي على الحركة الإسلامية، فهي كتلة مع رفعها شعار (لا للحرب) تحلم أو تأمل بأن يقضي الدعم السريع على بندقية الإسلامويين الذين يشكلون عدو السودان الأول، وسبب كل المشاكل بما فيها خلق الدعم السريع.
هذا المشهد جعل المجتمع المدني السوداني فريسة الاستقطاب الداخلي، ورحّل الحرب الدائرة بالدانات والبنادق في الميدان العسكري إلى حرب تلاعن وتلاوم وتشاتم واتهامات في الميدان المدني خاصة وأن المال السياسي والاتهامات بشأنه تلعب دورا كبيرا مما لوث المجال العام في السودان.
* هل يشير هذا إلى أن ضعف أو عجز المجتمع المدني جعله جزءا من المشكلة؟
بدلا من أن يكون المجتمع المدني قائدا وقادرا على جر المشهد إلى مربع الحل فإنه صار جزءًا من المشكلة وبدا كأن منابره تضج بوكلاء العسكر أو وكلاء داعميهم الخارجيين. والحل برأيي الإقلاع عن الاعتقاد برؤية معينة لمن فجر الحرب فقد تفجرت فعلا، والمناداة لاحقا بضرورة التقصي في الأمر.
فإذا استمر هذا المنظر البائس للمجتمع المدني والسياسي لا ينتظر أن يكون دوره كبيرا بعد الحرب، وأصدقك القول إن المجتمع المدني والسياسي أثبت عجزًا وضعفا كبيرين منذ أيام الحكومة الانتقالية، وسمح للعسكر برأسيهم خاصة قائد الدعم السريع باختطاف أهم الملفات المدنية: السلام والعلاقات الخارجية والاقتصاد، بل حتى الإعلام، مما حدا بمؤسسة برتسلمان الألمانية القول في تقرير مؤشر التحول الذي أصدرته للفترة ما بين يناير 2019 الى فبراير 2021 في السودان “إن قدرة السودان على التحول لممارسات الحكم الرشيد تواجه تحديا كبيرا من حقيقة أن قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، صار الحاكم الفعلي للبلاد”. ثم انتهى الأمر أثناء عملية الاتفاق الإطاري إلى بروز اصطفاف مدني واضح مع كل طرف عسكري.
* كيف يمكن معالجة هذا الخلل واستعادة القوى المدنية لتأثيرها؟
إن إعادة تمدين المشهد السوداني قبل وبعد الحرب عملية مطلوبة ومضنية جدًا وتتطلب أولا وقفة مع الذات ونقدها بموضوعية وتجرد، وتلامس حقيقي مع الشارع أو الشوارع النيلية والغربية والشرقية المستقطبة في السودان لتلمس الأدواء والوصول للدواء وجسر الهوة المتزايدة بين النخبة المدنية والسياسية والشعب السوداني.
والأهم من ذلك سودنة العقل المدني والسياسي، وتحريره من قيود الغليون والعقال و(دوامات الشمال) بتعبير الروائي النوبي إدريس علي. وإذا استطاع المجتمع المدني (بتعريف عريض تشمل أذرعه المنظمات ووسائل الإعلام والأحزاب السياسية والنقابات) أن يتجاوز حالة النخبوية ويجسر الهوة مع الشعب، ويسودن فضاءه ويقدم حلوله بعيدا عن العسكرة وعن المؤثرات الخارجية الغربية والعربية ويحصر دور تلك المؤثرات في مساعدة السودانيين على مساعدة أنفسهم؛ فإن المجتمع المدني يمكن أن يكون له دور كبير جدا في: بلورة أسس التعايش السلمي العادل وإشراك المجتمع بمختلف فصائله الأهلية وتنظيماته الدينية ومكوناته الجهوية والإثنية في حوار ينتج مفردات التعايش، ومتطلبات رتق النسيج الاجتماعي الذي مزقته الحرب على ما كان عليه واستحقاقات بناء السلام. وتقديم إعلام نزيه يهزم بروباغاند الحرب ويقدم المعلومة الصحيحة، فالبروباغاندا جعلت كل التقارير التي يصدرها الطرفان محل ريبة وتشكك لأهل العقول، وصارت كل الحقائق مموهة.
بجانب قيادة مجهودات إعادة تأهيل المجتمعات التي دمرتها الحرب، وإغاثة المنكوبين داخل وخارج البلاد تمهيدا للعودة الطوعية المبرمجة والمدوزنة مع عمليات التأهيل، وبحث إمكانيات التعويض الفردي والجماعي ودور المجتمعين الإقليمي والدولي في تمويل إعادة البناء وتمويل عمليات السلام.
كما أن عليه بحث أسس العدالة الانتقالية بإشراك المجتمع كله في بلورة أسسها بالاستنارة بالتجارب العالمية والإرث التقليدي لجماعات السودان المختلفة، وعدم السماح بتكرار تجربة التراخي الذي حدث أثناء الفترة الانتقالية الأخيرة بحيث تم الانقلاب عليها بعد عامين بدون أن يكون قانون العدالة الانتقالية أجيز أو مفوضيتها أنشئت، هذا التراخي يسمح بالشروخ النفسية التي تصيب المجتمع كله جراء الانتهاكات البشعة أن تتحول إلى حالات قنوط جماعي وفقدان للأمل وهروب جسدي ونفسي وعزوف عن بناء الوطن، لقد كان الصمت عن جرائم فض الاعتصام أكبر خنجر في خاصرة الثورة وإيذانا بطيها، ومع الانتهاكات البشعة التي جرت في الحرب الحالية ينبغي أن تكون مسألة العدالة الانتقالية أولوية قصوى، وأن تصحبها جهود منظمة وإجراءات واضحة إعلامية وصحية وفنية لمعالجة المجتمع كله من أزمات ما بعد الصدمة.
وأيضا الاشتراك في حوار شامل حول أسس التواثق الدستوري المفضي لأفضل الصيغ التي تبني سودان عادل يساوي بين المواطنين وينهي صيغ الامتيازات والتهميش، وترسم أسس التوافق الدستوري الذي يقطع دابر الاستقطاب السياسي والجهوي والطائفي الذي فجر استقرار البلاد منذ أزمان سحيقة.
* ماهي الدروس المستفادة للمجتمع السوداني من الحرب وكيف ينبغي التعامل معها لانهاء الازمة السودانية؟
أهم الدروس برأيي هو ضرورة هجر ذهنية الاستقطاب والكراهية وإلا فسوف نقضي على بلد اسمه السودان. ولا بد من صيغة للحكم التوافقي، وهو حكم يحل قضايا الاستقطاب في المجتمعات المنقسمة إثنيا ودينيا وسياسيا، والاستهداء بالتجارب الناجحة في ماليزيا وسويسرا وغيرهما.
إن إقصاء أي فصيل مهما كان سوف يطيح بالاستقرار، والجنح والانتهاكات التي ترتكبها التنظيمات والأفراد ينبغي أن تخاطب عبر العدالة الانتقالية، وإجراء المراجعات، لا عبر العزل الجماعي. لقد ارتكب المؤتمر الوطني مظالم لا أول ولا آخر لها وتسبب بسياساته الخرقاء في تكوين الدعم السريع وفي جعل الشأن السوداني مطروحا أولا على الطاولات الخارجية مع استبعاد بنيه، وكانت لحكمه موبقات وطنية ودينية عديدة، ولكنه مع ما يمتلك من قوى مالية وإعلامية وميزات تنظيمية يشكل جماعة لا ينبغي الاستهانة بها وبالضرر الذي يمكن أن تحدثه، أو الحلم بالقضاء عليها عبر بندقية الدعم السريع، فالفصائل التي تقاتل منها لا تشكل الحيز الأكبر منها، وكثير من كادرها ومالها وعتادها تم تهريبه وبالتالي عصي عن أن يمس.
الاستقطاب والعزل الأصم الذي مورس جعل حتى الفصائل التي انضمت للثورة وانتقدت النظام البائد بقوة وكان يمكن أن تشكل رصيدا للثورة وبناء حكمها الانتقالي، جعل بعضها يصطف في قوى الردة دعك عن أن يحجم من الانتظام ضمن داعميها.
وهذا ينطبق على كثيرين تمت محاولة عزلهم والتشكيك في ثوريتهم مما جعل البعض لقمة سائغة للعسكر المتعطش للشرعية المدنية التي يفتقدها، بينما البناء يتطلب تكبير الكوم المدني، والعمل على تجريف أراضي الشمولية والعسكرية لا العكس.
كذلك لا بد من إنهاء الشللية واختطاف القرار داخل الأجسام والتكتلات والحواضن السياسية والمدنية، وتوطيد المؤسسية والديمقراطية الداخلية وتوضيح أسس اتخاذ القرار، قديما قال حافظ إبراهيم: رأي الجماعة لا تشقى البلاد به.
* تساهم النساء بصورة فاعلة في التكايا وغرف الطوارئ ورفع الوعى بآثار الحرب الا أن مشاركتهن في عملية السلام والمفاوضات لازمها الضعف كيف ترين ذلك؟
المشاركة المدنية عموما شبه غائبة، وينبغي أن يطالب المجتمع المدني والسياسي ان يكون جزءا من عمليات السلام والتفاوض، وهذا يتطلب أولا أن يشد حيله ويترك العمل الأسهل الذي يقوم به بين العواصم، ويلامس الشعب بالداخل والخارج، فهذا هو كرت قوته الوحيد، لا الدعم الأجنبي الذي يتأثر هو ذاته بما تظهره القوى المدنية من سند شعبي لها، وللأسف فإن بعض رموز العمل المدني والسياسي الآن صاروا يتفادون تجمعات السودانيين بسبب الفجوة المتسعة وكذلك العمل المضاد من جماعة (البلابسة)، وطبعا ما كان للبلابسة أن ينجحوا في تطويق أولئك الرموز أينما حلوا لو كانوا بدورهم قاموا باستنفار مجموعات قاعدية مؤيدة لهم.
أما بالنسبة للنساء فقد عانين منذ حكومة الثورة من خيبة أمل لضعف تمثيلهن في كافة الهياكل الحكومية بينما قالت بعض التقديرات إن مشاركتهن في الثورة بلغت 60%، والأجسام المدنية التي تكونت بعد الثورة وحتى الآن لم تصحح ذلك الوضع وهو وضع ظالم وأكثر من ذلك سيكون عاجزا عن الدفع بعملية السلام على النحو المطلوب.
فقد صار معروفا عالميا أن النساء هن المكون الأهم في عمليات السلام وفي بيان الأمم المتحدة الصادر عام 2020 بعنوان “السلام هو مرادف لحقوق المرأة”، تم التشديد على حق المرأة في المشاركة في صنع القرار في شؤون السلام والأمن، وأهمية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 (2000) حول المرأة والسلام والأمن بركائزه الأربعة: المشاركة والحماية والوقاية والإغاثة والتعافي. وتأكيد أنه لا يوجد سلام مستدام بدون المشاركة الكاملة والمتساوية للمرأة، و”إن المساواة بين الجنسين هي أقوى مؤشر على سلمية الدولة”.
وبالرغم من أن السودان اعتمد أثناء الفترة الانتقالية، في مارس 2020 خطة العمل الوطنية الأولى للقرار 1325 للفترة 2020-2022 والتي خططت لإشراك المرأة في بناء السلام، وحفظ السلام، ومفاوضات السلام وعمليات صنع القرار على جميع المستويات وفي الإغاثة وإعادة الإعمار والتنمية؛ وتعزيز الاعتراف بحقوق المرأة قبل وأثناء وبعد النزاع المسلح؛ وضمان حماية المرأة من جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، ووضع حد للإفلات من العقاب. إلا أن تلك الخطة لم تمض قدما بسبب انقلاب 25 أكتوبر 2021م ثم اندلاع الحرب.
* وما المطلوب لتفعيل مساهمة المرأة حتى تلعب دورا أكثر تأثيرا؟
لا بد من تفعيل دور النساء في السلام بالتوازي مع تفعيل دور القوى السياسية، والمطلوب هو اجتراح مسار نسوي للسلام لا يشكل بديلا للمسارات السياسية الموجودة بل يشكل رافعًا قويا لها. وأن تعمل النساء الفاعلات في العمل النسوي للدعم والإغاثة وحتى الدبلوماسية المكوكية التي طالبت بها بعض النساء للاتصال بالدول الوالغة في الحرب أو المهتمة بوقفها، في الاتصال بأطراف الحرب وتلمس الرؤى الممكنة للحل وذلك انطلاقا من قدرة النساء المشهودة في تجسير الخلافات والتقريب بين الرؤى.
وعليهن الالتزام بعدم الانحياز لأي من الطرفين والاحتفاظ بمسافة واحدة منهما، وذلك لإنجاح مبادرة التوسط. والاتصال بالفنانات والإعلاميات والكاتبات والمثقفات لإطلاق الحملة النسوية من أجل السلام، وإحياء مخاطبات وليال ومعارض إنتاج أعمال فنية تشكيلية وشعرية وغنائية وغيرها داخل السودان وخارجه إن أمكن على الأرض، أو على الأسافير، لشن حملة السلام.
الفن الحربي الآن يتصدر المنصة ولا بد من قلب الآية. بجانب الاتصال بقوى الإدارة الأهلية والقبلية والطائفية وكافة المنظمات الشعبية والدينية لشن حملة السلام ولمجابهة خطاب الكراهية. والتشبيك مع المنظمات الوطنية والدولية المعنية بتفعيل قرار مجلس الأمن 1325 حول المرأة والسلام والأمن في السودان، والوصول لخطة وطنية تفعله في الحرب الحالية.
وكذلك أن تنضم لمسار السلام والحملة النسوية من أجل السلام التنظيمات النسوية الموجودة مثل مبادرة لا لقهر النساء، ومنسم، ونون، والاتحاد النسائي، والحارسات، وغيرها، على أن تكون النواة النساء والفتيات العاملات في لجان المقاومة ولجان الخدمات وغرف الطوارئ والفرق العاملة في التكايا والعاملات في توثيق أوضاع الناس في الحرب وليكونوا جميعا ذخيرة لحملة السلام.
* برأيك ماهي التحديات والفرص ما بعد الحرب؟
إنها تحديات جمة ولا يمكن حصرها هنا فقط أشير لبعض النقاط: مواجهة خطاب الكراهية العنصرية والجهوية وثقافة العنف والتوحش التي فرختها الحرب، وإعادة رتق النسيج الاجتماعي الممزق والبناء والإعمار لكل المرافق العامة والخاصة والعودة الطوعية للنازحين واللاجئين، وتحقيق العدالة الانتقالية وتلمس صيغها الممكنة لعدم الإفلات من العقوبة وتحقيق العدالة والاستقرار معا بدون تراخي، والمعالجات النفسية الجماعية لما بعد الصدمة، فمن المتوقع ان تخلف الحرب تشوهات ضخمة في نفسية السودانيين بصورة جماعية، ومعالجة وإعادة تأهيل النساء المتعرضات للعنف الجنسي على وجه خاص.
وإجراء حوار شامل لجميع قطاعات المجتمع للوصول للأسس الممكنة للتوافق الدستوري، والوصول لصيغة الحكم التوافقي المطلوبة لإنهاء الاستقطاب السياسي والديني والإثني والجهوي الذي فجر التجربة السياسية السودانية وأوصلنا للحال الراهن، بجانب صيغ التمييز الإيجابي للمناطق الأقل نموا أو المهمشة وكيفية تحقيق العدالة الجهوية والإثنية والثقافية والنوعية، ومعالجة كافة جذور الأزمة بما يحقق وحدة وسلام السودان المستدام.
وأيضا التوافق على صيغة لعلاقة الدين بالدولة تعزز سلام الفترة الانتقالية وقد صارت القضية عبارة عن برميل بارود قابل للاشتعال، وتحقيق التنمية المستدامة والنهضة الاقتصادية بما يقلل الفوارق ويحقق العدالة الاجتماعية وتجفيف دوائر الفساد الذي استشرى في كل مفاصل الدولة. كذلك تفكيك التمكين الذي مارسه نظام الثلاثين من يونيو على مدى ثلاثة عقود واسترداد الأموال المنهوبة بصورة تحقق العدالة وتوضع بيد اختصاصيين لا سياسيين تتجاوز عيوب التجربة الماضية وتتفادى الوقوع في تمكين بديل.
واستنفار المجتمع الإقليمي والدولي لتمويل عمليات إعادة البناء والابتعاد عن سياسة المحاور الإقليمية والدولية التي جرت لبلادنا تدخلات أجنبية لئيمة. وإجراء الإسعافات الأولية للتراث المادي وغير المادي والاستعانة بالمنظمات العالمية المهتمة بالصدد وإعادة المقتنيات الآثارية المنهوبة. ثم التخطيط للتحول المدني الديمقراطي بصورة بريئة من التآمر الخارجي والداخلي بما يحقق انتخابات حرة ونزيهة، أما الفرص فهي إمكانية الوصول لحلول تقطع دابر القلاقل والتململ والمظالم وتدشن سودانا عادل حر ديمقراطي معافى قائم على تعاقد اجتماعي جديد.
صحيفة مداميك